كل ما يجري من حولك

فرضياتُ حرب تايوان والسيناريوهاتُ الأمريكية والصينية

فرضياتُ حرب تايوان والسيناريوهاتُ الأمريكية والصينية

902

متابعات| تقرير*:

تواجه الولايات المتحدة الآن معضلة خطيرة وهي قلقة من أن الغموض الاستراتيجي أي السياسة الأمريكية الرسمية المعتمدة تجاه قضية الدفاع عن تايوان، قد لا يكون كافياً لردع الصين عن غزو تايوان من وجهة نظر أمريكية، لا سيما في مواجهة حديث الصين الحازم على نحو متزايد عن حل قضية تايوان من خلال إعادة التوحيد. وهذا ما يعني أن الولايات المتحدة بحاجة إلى توضيح وتعزيز التزاماتها الأمنية تجاه تايوان.

لكن هذا سيتطلب المزيد من الخطوات الملموسة لإثبات قدرتها على الدفاع عن تايوان بشكل فعال وقد جعل التعزيز العسكري الصيني هذا الأمر أكثر إشكالية مما كان عليه قبل 30 عامًا.

حاليا لا يوجد سوى قاعدتين أمريكيتين داخل دائرة نصف قطرها 500 ميل من تايوان تسمح للطائرات المقاتلة بالعمل دون التزود بالوقود، وكلاهما عرضة للترسانة الصينية المتطورة بشكل متزايد من الصواريخ الباليستية التقليدية الأرضية، وهذا ما يجبر القوات الأمريكية إلى إدخال حاملات الطائرات إلى منطقة العمليات وجعلها عرضة للهجمات الصاروخية من البر الصيني.

تمتلك تايوان جيشًا متقدمًا للغاية تم تكوينه لمقاومة أي هجوم صيني، وستواجه الصين تحديات لوجستية خطيرة لكن مواردها العسكرية الإجمالية تتفوق تمامًا على موارد تايبيه، تمتلك الصين أيضًا ترسانة نووية يمكنها ضرب الولايات المتحدة، على الرغم من أن قواتها الإستراتيجية – بينما يتم توسيعها – صغيرة جدًا مقارنةً بقوات الولايات المتحدة. وتقدر القوة الصاروخية الصينية النووية مقدرة بحوالي 300 رأس نووي.

في هجوم صيني واسع النطاق على تايوان، ستواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة للوفاء بأي التزام دفاعي، ومن حيث المبدأ يمكن للولايات المتحدة نشر مواردها العسكرية على نطاق أوسع ، وربما حتى على أراضي تايوان نفسها لكن الانتشار في تايوان سيؤدي بحد ذاته إلى تصعيد التوترات مع الصين إلى درجة غير مسبوقة، كما أنه سيزيد من تعقيد الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالصين، لذلك من المحتمل أن يظل الغموض الاستراتيجي سياسة الولايات المتحدة بشأن أمن تايوان في المستقبل المنظور، حتى لو شعرت الولايات المتحدة بضرورة إبراز خيارها للدفاع عن تايوان، ويبقى أكبر رادع لهجوم عسكري صيني واسع النطاق على الجزيرة هو إفتراض بكين أن الحرب مع تايوان تعني الحرب مع الولايات المتحدة.

عناصر الخلافات الدولية والجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة:

1 ـ مبدأ الصين الواحدة: حيث تتعامل الولايات المتحدة مع تايوان بشكل منفصل عن الصين من جهة بيع السلاح لتايوان أو الزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكين والقطع العسكرية البحرية الى الجزيرة، وكذلك في المعاملات الإقتصادية والتجارية.

2 ـ الحرب التجارية: بدأت مع الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية على بعض الواردات الصينية، وردت الصين بالمثل وتطور الأمر ليشمل العديد من السلع.

3 ـ حرب التكنولوجيا: بما خص بعض الشركات الصينية التي اعتبرها ترامب تخالف موضوع العقوبات الدولية وفرض عليها الخروج من السوق الأمريكية وحظر بعض المكونات الأمريكية التي تباع لها.

4 ـ المنافسة الجيوسياسية على الصعيد العالمي المتمثلة بمشروع الحزام والطريق.

العقيدة التايوانية الدفاعية (عقيدة النيص):

تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ في وقت سابق من هذا العام باستكمال “إعادة توحيد” الصين (مع تايوان). إلى جانب المناورات الجوية الصينية داخل منطقة الدفاع  لتايوان من قبل الطائرات الحربية الصينية، أثار هذا تكهنات واسعة النطاق بشأن أمن الجزيرة.

تستعد تايوان منذ فترة طويلة لصراع محتمل مع الصين، ولطالما اعترفت بأن الصين أقوى من أن تشارك في صراع على قدم المساواة، وبناءً على ذلك تحولت استراتيجية تايبيه إلى الردع من حيث رفع التكلفة البشرية.

تستند خطط دفاع تايبيه على استراتيجية الحرب غير المتكافئة – ما يُعرف باسم “عقيدة النيص”. يتضمن هذا تكتيكات “للتهرب من نقاط قوة العدو واستغلال نقاط ضعفه” ومجموعة من الخيارات المتصاعدة التي تحتسب قرب الصين من الساحل التايواني، والفكرة بحسب المراجعة الدفاعية التايوانية، هي “مقاومة العدو على الشاطئ المقابل، ومهاجمته في البحر، وتدمير المنطقة الساحلية، والقضاء على رأس السهم”.

تستند الخطة الدفاعية التايوانية على استراتيجية الحرب الغير متكافئة وتم تسميتها بـ ” عقيدة النيص” التي تقول: (أن الذئب يستطيع إلتهام النيص لكن فم الذئب سيتهشم من أشواكه)، ونتيجة الدراسات والمحاكاة لهذه العقيدة أظهرت أنها تتكون من ثلاث طبقات دفاعية وهدفها النهائي هو المحافظة على الأصول الدفاعية واستيعاب الهجوم الصيني وتنظيم جدار ناري يمنع الجيش الصيني من تنفيذ الغزو بنجاح:

ـ الطبقة الأولى: تدور حول العمل الإستخباري، والإستطلاعي لوضع القوات الدفاعية في حالة إستعداد تام قبل وقوع الهجوم الصيني.

ـ الطبقة الثانية: حرب عصابات بحرية مع دعم جوي من طائرات متطورة مقدمة من الولايات المتحدة.

ـ الطبقة الثالثة: وهي الطبقة الأعمق في العقيدة الدفاعية التايوانية وهي تعتمد على جغرافيا الجزيرة والقوة البشرية التايوانية.

مع الوقت طورت تايوان نظام إنذار مبكر لكسب الوقت في حال شنت الصين هجومها، ويهدف هذا النظام الى عدم تمكين بكين من تجهيز القوات وسفن النقل لعبور مضيق تايوان في هجوم مفاجىء، لذلك سيتعين على الصين أن تبدأ غزوها لتايوان بهجوم صاروخي وهجمات جوية تهدف الى القضاء على منشآت الإنذار المبكر والرادار ومدارج الطائرات وبطاريات الصواريخ.

إذا نجحت الضربة الصينية الأولى فسيتعين عليها بعد ذلك إختراق الطبقة الثانية من خطة الدفاع التايوانية حتى تستطيع نقل قواتها البحرية عبر مضيق تايوان بأمان لأنها ستواجه حملة عصابات في البحر تقوم بها البحرية التايوانية بما يعرف  بـ”حرب البراغيث” وذلك بإستخدام سفن صغيره ورشيقه، ومسلحة بالصواريخ ومدعومة بطائرات عاموديه، ومنصات إطلاق صواريخ أرض بحر من الشواطىء التايوانية.

لكن إختراق الطبقة الثانية لن يضمن هبوطا آمنا للجيش الصيني على الجزيرة لأن الجغرافيا التايوانية والقدرة البشريه هما العمود الفقري ضمن الخطة الدفاعية، خاصة أن الساحل الغربي للجزيرة الذي يبلغ طوله 400 كلم يحتوي على أماكن محدودة تناسب إنزال القوات مما يعني أن واضعي خطط الدفاع التايوانيين لديهم مهمة سهلة الى حد ما عندما يتعلق الأمر بالعمل على المكان الذي سيحاول الجيش الصيني الهبوط فيه خاصة مع المعدات المتطورة بما فيها تكنولوجيا خاصة بالرادارات ومحطات الإنذار المبكر التي حصلت عليها من الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يسمح للتايوانيين بإقامة منطقة قتل للقوات البرمائية الصينية أثناء عملية الإنزال على الشواطىء التايوانية، ومنعها من شق طريقها الى داخل الجزيرة، كذلك فإن التضاريس الجبلية والبيئة العمرانية ستمنح المدافعين ميزة إعاقة تقدم الغزو، كذلك تمتلك تايوان جيش محترف صغير قوامه 165000 فرد لديه قدرة عالية على سرعة التحشيد، ويدعمهم قوات إحتياط تقدر بـ 3.5 مليون جندي إحتياطي.

يعتبر التايوانيين أن المخاطرة الصينية بالهجوم على تايوان ليست كبيرة إنما تشكل بالنسبة لتايوان تهديد وجودي، لذلك يوصي المخططون العسكريون بتطوير قدرة صاروخية بعيدة المدى مصنعة محليا كجزء من خطه تعتمد على التصنيع المحلي لقوات الدفاع التايوانية، إضافة لصفقات من الأسلحة الدفاعية وآخرها كان عام 2019 حيث اشترت أحدث صواريخ باتريوت بقيمة 620 مليون دولار أمريكي.

إن الإستراتيجية التايوانية لردع الغزو الصيني مع التحضير العسكري للجزيرة تقوم على فرضية تحميل الصين كلفة سياسية كبيرة تتأثر أيضا بما قد تعتبره الصين مخاطرة على المدى الطويل، واستخلاص للدروس من الحروب الأخيرة التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بحيث أصبحت التكاليف العسكرية والسياسية والإقتصادية لمواجهة عدو صغير لكنه مصمم على القتال واضحة للغاية.

 سيناريوهات الصراع العسكري على تايوان

الإفتراض السائد حاليا بين معظم الخبراء أن الصين ستحاول إخضاع تايوان بأساليب غير حربية “إخضاع العدو دون قتال”، ولدى الصين العديد من الطرق للضغط على تايوان لتلزم الحكومة التايوانية على إظهار إحترام أكبر للصين، على شاكلة ما حصل مع هونغ كونغ (قطع التجارة والهجمات الإلكترونية) وهذه الإجراءات هي بمثابة ضغط على سكان تايوان، وفي نفس الوقت تستطيع الصين الضغط على أكثر حلفاء تايوان قربا وهما كوريا الجنوبية واليابان، والقول لهما أنه إذا انضموا الى خط المواجهة المعادي للصين فلن يعودوا قادرين على الإعتماد على التجارة وعلى حالة الأمن والسلام التي اعتادوا عليها سابقا إضافة إلى أن الصين قادرة على فرض عقوبات إقتصادية ووضع الشركات التي تتعامل مع تايوان على قائمتها السوداء.

نشير إلى أن تايوان قد استطاعت التأقلم مع سياسة الضغوط القصوى الصينية نتيجة الدعم السياسي الأمريكي مع التركيز على أنه إذا تحولت هذه الضغوط الى عمل عسكري سيعمل الأمريكين وحلفاؤهم في المنطقة على تحميل الصين خسائر باهظة الكلفة.

تمرّ الصين حاليا بإجراءات ما قبل الحرب من إستعدادات سياسية وعسكرية وهذا ما تعكسه التصريحات عالية النبرة من المسؤولين الصينيين تجاه الولايات المتحدة مع الحركة العسكرية من مناورات ومناورات مشتركة مع الروس إضافة للتجارب العسكرية.

الإيقاع الكبير للإستعدادات العسكرية والتدريبات والنشاط الواسع لمختلف أصناف القوات العسكرية الصينية يعقّد عمل وكالات الإستخبارات الأجنبية ومراكز الأبحاث والدراسات، فالحركة الصينية الكبيرة تشوش على قدرة المحللين العسكريين على تصنيف دقيق للحركة العسكرية الصينية في طبيعة وتوقيت التحرك الصيني تجاه تايوان.

على هذا السبيل تقوم الصين بتحركات دائمة ونشاط فيما يعرف بالمنطقة الرمادية فترسل بشكل دائم طائراتها لتخترق منطقة تحديد الدفاع الجوي التايواني، وكذلك تفعل مع السفن الحربية مما يجبر تايوان على إرسال طائراتها الإعتراضية وسفن خفر السواحل، وهذا يجبر تايوان على استهلاك أصولها الحربية وإجهاد الطيارين، والطواقم البحرية، وإستهلاك أكبر للوقود وقطع الصيانه وهذا ما ينعكس على الإقتصاد التايواني.

 الخيارات الصينية لإظهار القوة تجاه تايوان والبدء بعزلها يبدأ بإحتلال الجزر التي تقع تحت سيطرة تايوان والبعيدة عن المركز:

1 ـ السيطرة على جزيرة تايبينغ التي تسيطر عليها تايوان  وهي ضمن مجموعة جزر سبارتلي التي تسيطر عليها الصين.

2 ـ السيطرة على جزر براتاس وهي مجموعة جزر مرجانية لها أهمية إستراتيجية وتعد أحد المنافذ الصينية الى المحيط الهادىء.

3 ـ جزر بنغهو وتعرف أيضا بإسم بيسكادوريس وهي قريبة الى تايوان ومقابل البر الصيني مباشرة.

إذا اتخذ الصينيون هذا القرار وسيطروا على هذه الجزر فإن الخسائر المادية والمعنوية لتايوان ستؤثر على الرأي العام التايواني، والأمريكي، وشركائهم الإستراتيجيين.

وكذلك سيكون السؤال بأنه هل ستمد تايوان هذه الجزر بالدعم العسكري وترسل قواتها بعيدا عن مركز تجمعها الذي جهزته كمسرح للعمليات الحربية التي قد تشنها الصين للسيطرة عليها؟ وفي حال سيطرة الصين على هذه الجزر مع بقاء تايوان خارج سيطرتها هل سيكون للصين مكسب إستراتيجي حقيقي أم ثانوي أم أنه فقط إستعراض وتجربة للقوة؟ وما هي التكلفة التي ستدفعها الصين مقابل إستيلائها على هذه الجزر؟ وهل سيتدخل فيها الأمريكي والياباني؟

كل هذه الأسئلة تتضمن حسابات لا يمكن إلا للصين البت فيها، خاصة أن الأمريكيين وشركاؤهم قادرين على فرض حصار مضاد وأوسع على الصين نتيجة الجغرافيا البحرية الصينية الصعبة يبدأ من مضيق ملقا ولومبوك ومكاسار عند أرخبيل الجزر الماليزية والأندونيسية، وخاصة أن خطوط التجارة الصينية تتجه الى خارج آسيا وغالبيتها تعتمد على النقل البحري، ومع عدم المباشرة الفعلية بالخط التجاري البديل المتمثل بطريق الحرير البري الذي يمر عبر آسيا فإن الولايات المتحدة لا زالت تملك القدرة على فرض حصار إقتصادي على الصين، مع الأخذ بالعلم أن  تداعيات الحصار الأمريكي الأوسع  سيؤثر بشكل كبير على حلفائها قرب الصين خاصة كوريا الجنوبية واليابان بحيث تستطيع الصين فرض  حصار عليهم وقطع إمداداتهم وطرقهم التجارية خاصة أنهما معزولين بريا، ويجب دراسة تأثير الحصار الأوسع على الصين من ناحية القدرة على منع وصول المواد الأولية للصين وخاصة النفط والغاز عن الطريق البري وخاصة روسيا حيث لا سلطة للولايات المتحدة على تلك الحدود والممرات.

يمكن للصينين أن يفكروا بعدة أساليب بطريقة العمل التقليدية في التخطيط للهجوم على تايوان:

 1ـ الحصار التقليدي، والهجوم البرمائي مع الأخذ بالعلم بأن أماكن الإنزال محددة بمساحات قليلة على الشاطىء الشمالي والغربي وهذه الأماكن قد حضرها التايوانيون للدفاع بشكل جيد.

2 ـ النهج الثاني يعتمد على العمليات المحمولة جوا/طائرات هليكوبتر وعمليات خاصة (استخدم الروس هذا النوع من العمليات في بعض المناطق في أوكرانيا، وفي الحرب العالمية الثانية إستخدمه الألمان في هجومهم على جزيرة كريت، والهجوم البريطاني على جزر الفوكلاند عام 1982) هذا النهج يعتمد على محاولة قطع رأس الحكومة التايوانية واحتلال المنشآت الحيوية، كما يعتمد هذا النهج على إنهاء الحرب بسرعة.

يؤكد المحللون العسكريون على أن هذا النوع من الهجمات محفوف بالمخاطر وصعب على المهاجم الصيني ويتمتع المدافع التايواني بميزة حشد قوات أكبر في أماكن الإنزال، وسيحتاج المهاجم إلى دعم القوات التي تصل الشاطىء بآلاف الأطنان من الإمدادات لضمان إستمرار العملية وهذا يعتمد أولا على حال المناخ في مضيق تايوان، إضافة إلى أن الجغرافيا التايوانية ليست مثالية لعمليات الغزو البرمائي التقليدي.

ميزه أخرى تتمتع بها تايوان من ناحية تسلحها بصواريخ أرض بحر وهي ذات كلفة منخفضة ويمكنها تدمير الأهداف البحرية الكبيرة القادمة من البوارج والفرقاطات والسفن البرمائية. وقد تحدث مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع الأمريكية عن ضرورة تدمير كل سفينة صينية في بحر الصين الجنوبي خلال 72 ساعة من إندلاع المواجهة، وتطوير القدرة لذلك وإستخدام الجزر الصغيرة والمنتشرة لوضع وحدات صغيره عليها تستطيع ضرب السفن الصينية وتستطيع سلسلة جزر روكي اليابانية تأمين هذا الهدف.

يشير بعض المحللين العسكريين الى أن القوات العسكرية التايوانية تعاني من نقص في العديد والتجهيز وسوء في التدريب، وتعتمد تايوان على شراء قطع حربية رمزيه وهي باهظة الثمن، ومنذ عام 2019 أصبح هناك توجه تايواني لتحقيق مستوى أعلى من الدفاع الذاتي وعدم الإعتماد على الولايات المتحدة، وقد تساءل قائد الجيش التايواني السابق الأدميرال مينج بقوله :” كيف تدافع عن تايوان؟ كل ما أسمعه أن الولايات المتحدة ستتدخل … ما سبب الإعتقاد أن الولايات المتحدة ستضحي بأرواح أبنائها للدفاع عن تايوان؟؟ إن أفضل رهان هو الإعتماد على قوتي الخاصة لمنع الناس من التنمر عليّ”.

يتمثل الهدف التايواني بإمتلاك القوة والقدرة لرد أي هجوم صيني وردعه ومنعه من تدمير الدفاعات التايوانية بسرعه قبل تأمين الجهوزية التايوانية الكاملة للقتال.

يفترض حملة الدفاع عن تايوان أن تشمل التخطيط والمشاركة والإنفاق بين مجموعة حلفاء الولايات المتحدة بالدرجة الأولى ( اليابان ـ كوريا الجنوبية) ويفترض مناقشة أن حملة الدفاع هي سياسية وإقتصادية الى حد كبير وليست عسكرية فقط ويفترض البحث حول إضافة دول مثل الفلبين ـ أندونيسيا ـ ماليزيا ـ أستراليا إلى الحملة، ويفترض تنسيق الحملة بطريقة جادة ومهنية وواضحة وليس بعموميات غامضة، ولا يعتقد المحللون بأن الخطة الأمريكية قائمة على إطالة أمد عمليات الدفاع التايوانية على الجزيرة إلى أن تصل القوات الأمريكية للدفاع عن تايوان، أو لوصول سفن الشحن الأمريكية للإمداد خاصة أن سفن الشحن الأمريكية قد تضائل عددها وأصبحت قديمة، مع عدم قدرة الولايات المتحدة على تحمل حرب بحرية  وجوية طويلة الأمد في غرب الهادىء.

وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية لعام 2017، كانت سياسة الولايات المتحدة متجذرة في الاعتقاد بأن دعم صعود الصين واندماجها في النظام الدولي بعد الحرب من شأنه تغيير الصين. ولأن الصين لم تتطور بهذه الطريقة، أعلنت إدارة ترامب نهاية الاندماج وبداية “المنافسة الاستراتيجية”.

 عام 2018 أصدرت الإدارة الأمريكية وثيقة وإطار عمل لإستراتيجية دفاعية في حال النزاع  للتعامل مع الصين تركزت حول ثلاث نقاط:

1 ـ استمرار الهيمنة البحرية والجوية على سلسلة الجزر الأولى وحصار الصين.

2 ـ الدفاع عن دول سلسلة الجزر الأولى وأولها تايوان.

3 ـ السيطرة على جميع المجالات خارج سلسة الجزر الأولى.

في هذه الوثيقة لم تلزم الولايات المتحدة نفسها بالدفاع عن تايوان إنما وضعت هدفا إلى جانب النقاط الثلاثة وهو “أن تمكن الولايات المتحدة تايوان من تطوير إستراتيجية، وقدرات دفاعية فعالة لمواجهة الصين من شأنها أن تضمن أمنها وتمنع الصين من إكراه تايوان على الإندماج معها إلا بشروطها الخاصة”.

تم التعبير عن هذا التحول في السياسة الأمريكية بشكل قاطع عندما وقف مايك بومبيو، وزير الخارجية، أمام مكتبة نيكسون، في 23 يوليو 2020، وأعلن أن سياسة الولايات المتحدة للمشاركة مع الصين بشأن الخمسين سنة الماضية كانت فاشلة ويجب إنهاؤها، وأكد أن المشاركة لم تحدث التغيير داخل الصين الذي كان الرئيس نيكسون يأمل في حدوثه وأن النموذج القديم للانخراط الأعمى مع الصين يجب ألا يستمر. ومنذ ذلك الحين أصبح مستقبل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة غير واضح ويميل إلى العدائية.

في التوجه الأمريكي الإستراتيجي للأمن القومي الصادر عام 2021 تم تصنيف الصين على أنها “المنافس الوحيد القادر على الجمع بين قوته الإقتصادية والعسكرية، والدبلوماسية، والتكنولوجية لتشكل تحد مستدام لنظام دولي مستقر ومنفتح”.

تمت إعادة تعريف سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين بثلاث عناصر أساسية:

1 ـ تنافسية عندما يجب أن تكون.

2 ـ وتعاونية عندما يكون ذلك ممكنا.

3 ـ وصدامية (عدائية) عندما تكون ضرورية.

 تشير هذه البيانات والمواقف السياسية إلى أن إدارة بايدن على وشك اتباع نهج شبيه جدا بإدارة ترامب في التعامل مع الصين، وبناء على هذه العناصر اعتمد رسم الأمريكيون سلوك عسكري لتعزيز قوة تايوان الدفاعية معتمدة على :

1 ـ سياسة مستدامة لبيع الأسلحة لتايوان.

2 ـ تزويد تايوان بأنظمة حرب دفاعية متنقلة تساعد في الحرب غير المتكافئة.

 3 – نشر مستشارين عسكريين أمريكيين فقط بدون تواجد لقوات قتالية.

سيتعين على القوات البحرية الأمريكية والقوات المتحالفة معها في حال حصول المعركة أن تقرر هل ستدمر أصول المراقبة الصينية المباشرة المتمثلة بسفن الميليشيات البحرية الصينية الموجودة على مرمى بصر سفنها الحربية، مع الأخذ بعين الاعتبار نوعية الأسلحة التي تستخدم عليها نظرا لأن تجديد المخزون سيكون صعبا، كذلك سيكون على القوات الأمريكية والحلفاء أخذ القرار حول الدخول بالحرب الألكترونية، والعمليات المضادة للأقمار الصناعية الصينية.

يوصي المحللون الولايات المتحدة وحلفائها بتطوير حملات تحد من النطاق الجغرافي للعمليات العسكرية وعدم استهداف البر الصيني لأن ذلك سيؤدي لتوجيه الصين ضربات الى البر الأمريكي والياباني، كما أنه إذا تطور الصراع العسكري بين الصين والولايات المتحدة قد تأخذ بعض الدول خطوات خاصة بها لتستفيد من هذا الموقف كروسيا وإيران وكوريا الشمالية وقد تتدخل هذه الدول لدعم الصين بشكل مباشر بمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على مستوى معين من الردع دون التسبب بهجوم صيني على تايوان.

توقعات التحركات الصينية في حال تدخل الولايات المتحدة في الحرب لصالح تايوان:

1 ـ ستهاجم الصين جميع المنشأت العسكرية الأمريكية في غرب المحيط الهادىء بما فيها اليابان، وكوريا الجنوبية.

2 ـ ستتعرض الأنظمة المعلوماتية الأمريكية لهجوم سيبراني صيني قد يخرجها من الخدمة.

3 ـ ستتعرض الأنظمة الإلكترونية والرادارات الأمريكية لحملة تشويش كبيرة قد تكون الأكبر منذ الحرب الباردة، وتضع القوات الأمريكية هذا الأمر في الحسبان وتستعد للتعامل معه.

سبع مبادىء إستراتيجية صينية تخص القوات الجوية في حال النزاع مع الولايات المتحدة:

1 ـ الحفاظ على زمام المبادرة في وقت مبكر من الصراع واتخاذ الإجراءات الهجومية ضد كل الأهداف التي تستطيع أن تطالها.

2 ـ إستخدام عنصر المفاجأة في الهجمات الأولية واستغلالها لتكون على أكبر قدر من الفاعلية للحفاظ على زمام المبادرة واكتسابها.

3 ـ القيام بهجمات وقائية وهذا يرتبط بالعنصرين السابقين، وإن تمتع الصين بالقدرة على تحديد الزمان والمكان في بداية النزاع يمنحها فرصة تحقيق عنصر المفاجأة وامتلاك المبادرة.

4 ـ الإستفادة من حساسية الولايات المتحدة تجاه وقوع الخسائر المادية والبشرية في قواتها لإيجاد صدمة جماعية عند الأمريكيين، وإفقادهم الإرادة الشعبية في الإستمرار في القتال.

5 ـ تحديد الأهداف الإستراتيجية التي يجب ضربها، ومع ضرب هذه الأهداف ستنعكس حالة التفوق الجوي العسكري الذي تتمتع به الولايات المتحدة لجعلها في وضع تتحمّل فيه كلفة عالية من الخسائر.

6 ـ التركيز في الهجمات الصينية على نقاط الضعف الأمريكية بدلا من مهاجمة نقاط القوة، وهذا يعني أن الهجمات ضد أنظمة القيادة، والبنية التحتية، وشبكات الإتصالات ستحتل مكانة أعلى في التخطيط الصيني بدلا من الإشتباك المباشر مع القوات القتالية الأمريكية.

7 ـ مهاجمة أنظمة المعلومات، والشبكات الأمريكية من أجل تعطيل وتأخير وإرباك إستجابة الولايات المتحدة الشاملة ضد الإجراءات الصينية. يمكن تطبيق هذا المبدأ عن طريق الهجمات الإلكترونية والتشويش على الإتصالات وحتى تدمير المرافق والأصول الرئيسية مثل مراكز القيادة أو الأقمار الصناعية.

منطلق الرؤية اليابانية الخاصة بتايوان

تنظر اليابان إلى تايوان من خلفية تاريخية على أنها جزء من الأمبراطورية اليابانية، خاصة أنها تعتبر أن التطور التقني التايواني كان سببه نقل التكنولوجيا اليابانية إليها أثناء إستعمارها بعدما تنازلت الصين عن تايوان للأبد لصالح اليابان بعد توقيع معاهدة شيمونوسيكي عام 1895 والتي وقعت بعد حرب بين الصين واليابان وهزمت فيها الصين، وأثناء الحرب العالمية الثانية اعتبر اليابانيون تايوان حاملة طائرات غير قابلة للغرق ونقطة إنطلاق للتوسع نحو جنوب شرق آسيا.

نقطتين أساسيتين ضمن الرؤية اليابانية:

1 ـ تايوان تمثل لليابان خط دفاع أساسي في وجه ما تعتبره توسع صيني في شرق آسيا.

2 ـ تمثل تايوان بالنسبة لليابان مجال إستثماري عام ومهم خاصة في مجال التكنولوجيا.

تنص مسودة الكتاب الأبيض للدفاع الياباني لعام 2022 على أنه لا يمكن التسامح مع محاولات تغيير الوضع الراهن من جانب واحد في مضيق تايوان بالقوة، لكن السياسة الأساسية لليابان تجاه تايوان، مثل سياسة الولايات المتحدة، لا تزال تتسم بالغموض الاستراتيجي.

وتنظر اليابان بقلق الى التحركات العسكرية الصينية حول تايوان خاصة بسبب قربها من سلسلة جزر أوكيناوا، ومع تصاعد التوتر صرح مسؤولون يابانيون أنه يجب توحيد الجهود اليابانية مع الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان، وكما يبدو فإن المؤسسة الأمنية اليابانية مستعدة للدفاع عن تايوان إلى حد غير مسبوق، وهذا يعني أنها تدخل في منافسة قوية مع الصين تأتي في الصراع القادم على التوسع في شرق آسيا، انطلاقاً من تعبئة الفراغ الذي قد يخلفه الإنكفاء الأمريكي العسكري، ومحاولة اليابان الإلتفاف على معاهدات الحرب العالمية الثانية وبناء قوة عسكرية تغضّ عنها النظر حاليا الولايات المتحدة في سياق المنافسة مع الصين.

خلاصة

تسعى الصين حاليا لتطوير إنتشارها وحضورها في بحر الصين الجنوبي وجنوب المحيط الهادىء على سبيل استعدادها للتطورات القادمة، وتعزيز قدراتها في منع الولايات المتحدة من حصارها والتخطيط لإمتلاكها قدرة قطع طرق الإمداد عن تايوان وحلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا خاصة اليابان وكوريا الجنوبية عند الحرب بالتعاون مع روسيا، وبالتالي هي تنشىء سلسلة علاقات إقتصادية وأمنية مع العديد من الدول الجزرية الصغيرة ودول جنوب شرق آسيا في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الأمريكي، في المقابل تفعّل الولايات المتحدة شراكتها  الإستراتيجية مع العديد من هذه الدول وبالأخص اليابان ـ كوريا الجنوبية ـ الهند وأستراليا.

يتركز التنافس الأمريكي – الصيني حالياً انطلاقاً من تايوان حول محاولة الولايات المتحدة منع الصين من إكتساب عدد أكبر من الشركاء، وعلى تثبيت الشراكة الأمريكية مع مجموعة الدول الآسيوية لتأمين سلسلة التوريد والدعم اللوجيستي لتايوان ومنع حصارها في حال الهجوم المباشر أو في حال اعتمدت الصين على العمل التراكمي العسكري والقضم وهذا ما تسميه الصين بالفترة الإستراتيجية الزمنية.

القراءة الحالية للمنافسة الجيوسياسية ما بين الصين والولايات المتحدة، تفترض بأنه إذا استمرت الولايات المتحدة في سلوكها بمنع الصين من ضم تايوان، أو تيقنت الولايات المتحدة بأن الصين ستستطيع عزل تايوان وإجبارها على التسليم والإنضمام للصين فهذا قد يدفع الأمر لنزاع عسكري مع بقاء الولايات المتحدة بعيدة عن النزاع المباشر مع الصين إنما تؤمن منعها من حصار تايوان وستكون اليابان وكوريا الجنوبية في واجهة تقديم الدعم لتايوان.

* الخنادق

You might also like