بوتين يُشعِل فتيل “حرب الغاز” وأوروبا ترتعش بردًا
متابعات /
عبدالباري عطوان
بوتين يُشعِل فتيل “حرب الغاز” وأوروبا ترتعش بردًا في فصل الصّيف القائظ.. هل سيكون إغلاق خطّ أنابيب “نورد ستريم 1” بحُجّة الصّيانة “بُروفة” لإغلاق صُنبور الغاز بشَكلٍ دائم؟ وما هي البدائل الأوروبيّة.. الاستِسلام؟
حرب الغاز التي يشنها الرئيس فلاديمير بوتين ضد حلفاء أمريكا في أوروبا بدأت اول “بروفاتها” اليوم الاثنين عندما قررت روسيا وقف كل امدادات الغاز الى المانيا عبر خط انابيب “نورد ستريم 1” لمدة عشرة ايام تحت عنوان اجراء صيانة سنوية.
هذا الانبوب الذي يبلغ طوله 1200 كم تحت بحر البلطيق ينقل حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا الى شمال المانيا ومنها الى دول أوروبية عديدة، أي اكثر من 40 بالمئة من حاجات القارة الأوروبية الأمر الذي جعلها ترتعش بردا قبل ان يحل فصل الشتاء القارص.
***
السؤال الذي يتردد بقوة في أوساط أوروبا بشقيها القديم والجديد، هو ان الرئيس بوتين اغلق صندوق الغاز لمدة عشرة أيام، فهل سيعيد فتحه بعدها ام ان الاغلاق سيكون دائما؟
لا أحد في أوروبا يملك جوابا فوريا؟ وحالة القلق والرعب هي السائدة بقوة في معظم العواصم بسبب تزايد احتمالات غرق القارة في ازمة غاز حادة خلال فصل الشتاء المقبل، خاصة لفشل المحاولات الدؤوبة لإيجاد بدائل للغاز الروسي سواء من منطقة الخليج (قطر)، او من شمال افريقيا (الجزائر).
الانطباع السائد في أوروبا حاليا ان روسيا، وبعد اجتياح قواتها لجنوب شرق أوكرانيا، وفصل إقليم دونباس بالقوة، بدأت الآن تنتقل الى المرحلة الثانية من الحرب بعد الأشهر الستة الأولى من اشتعالها، أي استخدام سلاح الغاز والنفط، سيرا على نهج العرب عندما لجأوا الى سلاح الحظر نفسه ضد الغرب اثناء حرب أكتوبر 1973 انتصارا لكل من مصر وسورية اللتين خاضتا هذه الحرب، وحظيتا بدعم الاشقاء العرب عندما كانوا عربا ويعتبرون إسرائيل عدوا، والنفط ليس اغلى من الدم.
الرئيس بوتين يقول ويفعل، ولا يعرف المحظورات، واذا كان قد اوقف خط انابيب غاز “نورد ستريم 2” فإنه في نظر الكثير من المراقبين الغربيين لن يتردد في وقف كامل لإمدادات الغاز عبر خط انابيب “نورد ستريم 1″، وبما يؤدي الى تفاقم الازمات الأوروبية، الحياتية اليومية منها او الاقتصادية.
كندا ارادت ان تجرب حظها، وترتدي “ثوب الأسد” تحت عنوان رفض إعادة تسليم توربينات للخط المذكور أرسلتها شركة سيمنز الألمانية اليها لإصلاحها، على اعتبار ان هذه الخطوة، أي عدم التسليم، تأتي في إطار العقوبات المفروضة على الغاز الروسي، ولكنها اضطرت الى تغيير رأيها بسرعة، ليس رضوخا لطلبات روسيا، وانما لاستجداءات المستشار الألماني اولاف شولتس الذي اكدت حكومته ان العقوبات لا تشمل قطاع الغاز.
روسيا تكسب “حرب الغاز” في اليوم الأول لإشعال فتيلها، مثلما كسبت حرب الاقتصاد منذ اليوم الأول لإرسال قواتها لاجتياح الحدود الأوكرانية، وباتت القارة الاوروبية وشعوبها تستعد لدفع الثمن الباهظ جدا لتجاوبها مع الحصار الأمريكي لروسيا.
***
مخزونات النفط والغاز في أوروبا تتراجع بسرعة رغم اننا في شهر حزيران (يونيو) أي عز الصيف، واسعار برميل النفط مرشحة للارتفاع الى حوالي 150 دولارا للبرميل مع مقدم الشتاء، وربما اكثر اذا فشلت زيارة جو بايدن الى الشرق الأوسط في إبعاد اكبر دولتين منتجين للنفط، أي السعودية، والامارات، الى جانب الدول الخليجية الأخرى في زيادة انتاجها، وفك الارتباط بإتفاق (أوبك بلس) مع روسيا، اما عن أسعار الغاز التي زادت اكثر من الضعف فحدث ولا حرج.
تخيلوا كيف سيكون حال الرئيس بوتين لو لم ترفض سورية مد أنبوب الغاز القطري عبر أراضيها الى أوروبا مرورا بالاراضي التركية أيضا؟
ما زالت هناك “حيلا عديدة” في اكمام “الساحر” بوتين، بدأت تخرج تباعا، وبالتقسيط المريح، وفي إطار خطة مُحكمة الاعداد، وعملية “تركيع” أوروبا وحلف الناتو بدأت، وستكون مقدمة لتركيع إدارة بايدن الامريكية، والمخفي اعظم.. والأيام بيننا.