عطوان: لهذا جاء الإشهار الأوّل لحلف (الناتو العربي الإسرائيلي) من الأردن
وهل سنرى انبِعاثا جديدا لغُرفة “الموك” بصُورةٍ جديدة؟ وهل انتهى الالتزام العربيّ باتّفاق “أوبك بلس” وجاءت زيارة لافروف لطِهران إعلانًا بوفاته؟
عبد الباري عطوان
جاءت زيارة سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي لطِهران يوم أمس التي أسّست لتحالفٍ استراتيجيّ بين إيران وروسيا الاتحاديّة في المجالات كافّة ردًّا على الزّيارة التي من المُتوقّع أن يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن للرياض، لإعلان حلف ناتو عربي إسرائيلي برعايةٍ أمريكيّة.
القِيادة الروسيّة أدركت أن حُلفاءها في الخليج ومنطقة الشّرق الأوسط باتوا أكثر استعدادًا لقُبول المُخطّط الذي يحمله الرئيس الأمريكي في زيارته المذكورة آنفًا، والتخلّي بالتّالي عن التِزامها باتّفاق “أوبك بلس” النفطي مع روسيا، ولهذا سارعت بإرسال وزير خارجيّتها إلى طِهران لتوثيق العلاقات معها في جميع الميادين الأخرى.
***
زيارة لافروف وضعت أُسس تحالف استراتيجي مع إيران، يتضمّن عناوين رئيسيّة نُوجزها في النقاط التالية:
- أوّلًا: وضع خطّة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين من 4 مِليارات دولار حاليًّا إلى أكثر من 40 مِليارًا في السّنوات الخمس المُقبلة.
- ثانيًا: استفادة موسكو من خُبرات إيران التي تمتد لأكثر من 40 عامًا في كيفيّة مُواجهة العُقوبات الأمريكيّة، وتعميق التّعاون والتّنسيق بين البلدين في هذا المِضمار.
- ثالثًا: إسقاط العُملة الأمريكيّة الدّولار من جميع التّعاملات التجاريّة بين البلدين، واستِخدام العُملات الوطنيّة كبديل.
- رابعًا: انخِراط إيران بشَكلٍ كامل في التّحالف الاستراتيجي الصيني الروسي الجديد، والتّنسيق مع موسكو في مجالات الطّاقة من نفطٍ وغاز.
- خامسًا: تشكيل تحالف عسكري من الدّول المُتمرّدة على الهيمنة الأمريكيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط يكون نِدًّا للتّحالف الإقليمي الذي تُريد واشنطن تدشينه أثناء زيارة بايدن للرياض ويضم الدّول الحليفة والصّديقة في المنطقة، وترتبط باتّفاقات تعاون عسكري مع واشنطن مِثل السعوديّة والإمارات والبحرين وقطر والأردن والكويت.
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان أوّل من تحدّث علانيّة عن هذا التّحالف ووجوده على جدول التأسيس، ولكن دون أن يُعطي تفاصيل دقيقة، باستِثناء إنشاء غُرفة عمليّات مُشتركة يتواجد فيها مُمثّلون عن الدّول الأعضاء لبحث التطوّرات العسكريّة في المِنطقة، ومن بينها دولة الاحتِلال الإسرائيلي.
إذا تكلّلت هذه المُخطّطات الغربيّة والروسيّة بالنّجاح، ولا يُوجد ما يمنع ذلك، فإنّ هذا يعني أن مِنطقة الشّرق الأوسط ستُصبح ميدانًا جديدًا لصِراع الفيلة، حيث سيتقاتل العرب والإيرانيّون تحت أعلام الدّول الكُبرى وأحلافها الجديدة.
الدّفاع العربيّ المُشترك يلفظ أنفاسه الأخيرة لمصلحة دفاع عربي إسرائيلي مُشترك يُشرعِن الوجود الإسرائيلي في المِنطقة، تحت عُنوان مُواجهة الخطر الإيراني المزعوم.
***
نحن أمام تحالفين دوليين جديدين، الأوّل حلف ناتو “هَرِم” بزعامة أمريكا، وحلف روسي صيني جديد “شاب” بعُضويّة قوّتين صاعدتين هُما روسيا والصين، ومعهما إيران والهند ودول البريكس، ومن المُؤسِف أن العرب يختارون المُعسكر الخطأ دائمًا، ويكون دورهم دور “الكومبارس” و”المُموّل” وميدان حُروب هذين التّحالفين.
تخلّي العرب عن اتّفاق “أوبك بلس” مع روسيا والعودة إلى الهيمنة الأمريكيّة الإسرائيليّة المُشتركة صاغِرين، وخوفًا من خطرٍ مزعوم نجحت أمريكا في تسويقه قد يكون خِيارًا مُكلِفًا جدًّا، ورحم الله زمن منظومات “عدم الانحِياز” التي حفظت للعرب كرامتهم وثراوتهم، وأبعدتهم كُلِّيًّا عن كافّة أشكال التبعيّة.