كل ما يجري من حولك

ماذا يعني دمجُ “إسرائيل” ضمن منطقة قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية؟

ماذا يعني دمجُ “إسرائيل” ضمن منطقة قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية؟

542

متابعات| تقرير*:

تشير دراسة من إعداد مركز القدس للسياسات والاستراتيجيا، تحت عنوان “المؤسسة الأمنية الأمريكية ودورها في بلورة الاستراتيجيا الأمريكية في المنطقة” إلى ان “دمج إسرائيل ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية يسمح للقيادة الأمريكية بإشراك سلاح البحرية وعناصر أخرى في الأنشطة العملياتية، بما في ذلك في البحر الأحمر، إلى جانب الدول العربية الشريكة في الاتفاقيات الإبراهيمية. كل هذا، إلى جانب التعاون الاستخباراتي المكثف واليومي الذي يخدم مصالح البلدين” معتبرة ان “ليس هناك مصلحة لها في تصوير إسرائيل بانها تخضع في قراراتها لإملاءات أمريكية”. وهنا عرض للدراسة كاملة:

“في العقدين الماضيين وبوتيرة متسارعة أكثر منذ ان اصبحت “إسرائيل” جزءًا من منطقة نفوذ قيادة المنطقة الوسطى في القوات الأمريكية في عام 2020 (CENTCOM)، تلعب المؤسسة الامنية الأمريكية دورا ايجابيا ومركزيا في تشكيل موقف ايجابي في واشنطن تجاه إسرائيل”.

في العقود الأخيرة، وبوتيرة أسرع منذ أصبحت “إسرائيل” جزءًا من مسؤولية قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية (CENTCOM) في عام 2020، لعبت المؤسسة الأمنية الأمريكية دورًا مركزيًا وإيجابيًا في تشكيل موقف واشنطن تجاه إسرائيل. وتنعكس مساهمتها في الموقف الأمريكي من القضايا التي هي محور النقاش بين الطرفين وعلى رأسها المشروع النووي الإيراني. كما ساهمت في ذلك التقارب المتزايد بين إسرائيل ودول الخليج، الذي تتولى قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية مسؤولية الامن عنها منذ انشاءها في ثمانينات القرن الماضي. كما يشهد على ذلك قرار الرئيس بايدن، ابقاء الحرس الثوري على قائمة المنظمات الارهابية. الذي يبدو انه تأثر بموقف وزارة الدفاع بشأن هذه القضية، هذا التقارب له تداعيات بعيدة المدى تتماشى مع المصلحة القومية الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن خصائص الأزمة مع إيران تتطلب أيضًا توازنًا دقيقًا بين تعزيز العلاقات الأمنية والحفاظ على حرية إسرائيل في العمل عند الضرورة.

خلفية تاريخية

أثناء النقاشات الحاسمة حول الاعتراف بـ “الدولة اليهودية” في مايو 1948، ثم في العقود الأولى بعد إنشاء الدولة، كانت وزارة الدفاع الأمريكية ومعها المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية محور المعارضة الشرسة لإسرائيل وانشاء “علاقات خاصة” معها. اولا وقبل كل شيء، كان هذا الموقف مدفوعاً بالرغبة في تعزيز العلاقات الأمنية مع الدول العربية، وضمان استمرار إمدادات النفط في ذروة الحرب الباردة.

بدأ التوجه الأمريكي يتغير منذ عدة عقود، أولاً بسبب ان إسرائيل اثبتت اهميتها وقيمتها الاستراتيجية خلال حرب الاستنزاف (1968-1970) وأزمة الأردن (1970)، ثم عندما واجه البلدان تحديات مشتركة، بما في ذلك السلوك السوري في لبنان والتخريب الإيراني في المنطقة. اكتسب إدراك أهمية إسرائيل باعتبارها لاعبا قويا – ذخرا وليست عبئًا – تدريجيًا موطئ قدم في المستويات الميدانية للمنظومة العسكرية الأمريكي أيضًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن إسرائيل وضعت تحت تصرف الولايات المتحدة حلولا عملية للقضايا التي اصبحت على درجة عالية من الاهمية على المستوى القتالي (في المعارك التي ادارتها القيادة الأمريكية الوسطى) امام العراق عام 1991 وفي أفغانستان منذ عام 2001 ومرة ​​أخرى في العراق منذ عام 2003

ما هو الدافع لدى المؤسسة الأمنية الأمريكية لتعزيز العلاقات مع إسرائيل؟

تعمل المنظومة الأمنية – العسكرية الأمريكي بالإضافة الى اسباب اخرى، انطلاقا من إدراك طويل الأمد بأن إسرائيل لديها قاعدة دعم قوية في الكونجرس (على الرغم من النبرة العدائية الحالية على هامش الحزب الديمقراطي) وبالتالي من المتوقع أن تكسب المشاريع المشتركة الدعم والتمويل. كان هذا هو الدافع، فمنذ عام 1983 وجهت الدعوة لإسرائيل لان تكون جزءا من المشروع الدفاعي ضد الصواريخ – SDI، والذي أطلق عليه على المستوى الشعبي – “حرب النجوم”. اليوم، فان الالتزام بالحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي (QME) والنظر لها باعتبارها شريكا “خاصا ” في جميع الأمور المتعلقة بالمشاريع التكنولوجية، بما في ذلك مجالات الدفاع ضد الصواريخ، السايبر وغير ذلك، هي جزء من التشريعات التي اقرها الكونغرس بشكل تفصيلي.

لكن حتى بدون التأثير السياسي الذي تتمتع به إسرائيل على الساحة الأمريكية، هناك اعتبارات أخرى تؤدي إلى تعميق العلاقات.

1- هناك قائمة طويلة من المواضيع، لدى إسرائيل ما تقدمه فيها للمؤسسة العسكرية وبوتيرة أكبر لأجهزة الاستخبارات الأمريكية. وتشمل هذه الامور، الحلول التقنية في ساحة القتال، مثل القبة الحديدية، التي تم تجهيز الجيش الأمريكي بها، وفكرة الدفاع الفعال، وتحييد العبوات الناسفة الجانبية والمزيد. أصبح للتعاون في مجالات البحث والتطوير الامني الآن أطر رسمية يتم إجراؤها من خلالها. أيضًا على المستوى النظري، فإن تبادل الافكار المثمرة هي مسالة في غاية الاهمية في ضوء الخبرة المتراكمة والفريدة من نوعها للجيشين. إسرائيل هي أول دولة تستخدم طائرة 35-F فيحيز عملاني، وتنعكس مساهمتها، من بين أمور أخرى، في مناورات العلم الأزرق، وعقد اجتماع للقوات الجوية التي تستخدم طائرات 35-F في قاعدة نفاتيم في نوفمبر 2021.  ان النظام الاخذ في التعاظم من التدريبات المشتركة، بالإضافة الى انه منذ نقل إسرائيل الى نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، هناك أيضًا بعض الأنشطة العملياتية المعينة، يساهم كثيرا في الشعور بالقرب، وهو امر له أيضًا أبعاد قيمة وثقافية.

 2- على مدى عقود، وبشكل رسمي بعد الإعلان عن “عقيدة كارتر” في عام 1980 (في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان والثورة في إيران) وإنشاء القيادة المركزية الأمريكية من قبل إدارة ريغان في عام 1983، فان الولايات المتحدة تلتزم بحماية دول الخليج من الاعتداء عليها. هذا هو جوهر مهمة القيادة، واحد الاسباب في ذلك موضوع قطاع الطاقة؛ حتى لو أصبحت الولايات المتحدة نفسها الى مُصدرًا كبيرا للطاقة، فإن مكانتها الاستراتيجية في الخليج تمنحها نفوذاً على درجة كبيرة من الاهمية في مواجهة الأصدقاء والمنافسين على حد سواء، في نظرتها بعيدة المدى. وبطبيعة الحال، يُترجم هذا الالتزام أيضًا إلى ضرورة الالتفات الى مخاوف دول الخليج – فعليا، هي مخاوف وجودية – للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وشركائهم، فيما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي. في السنوات السابقة، ولأسباب إيديولوجية – قومية ولأسباب تتعلق بالمصالح الشخصية، قدمت دول الخليج لمحاوريها الأمريكيين موقفًا رسميًا مناهضًا لإسرائيل (على الرغم من أن إحدى هذه الدول على الأقل كانت لديها علاقات سرية مع إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي). فيما تواصل الكويت نهجها المعادي لإسرائيل. تغيرت الامور بشكل جوهري مع الإمارات والبحرين ومن خلف الكواليس السعودية، في العقد الماضي. في سلسلة طويلة جدًا من القضايا الحيوية، لا توجد خلافات في المواقف بين إسرائيل والدول الرئيسية في الخليج. بل على العكس من ذلك: فهم يرون في مواقفها، وحتى اعمالها (مثل “المعركة بين الحروب” في سوريا وخارجها)، باعتبارها دعما استراتيجيا ضد عدو مشترك.

 3- هذا العدو (من وجهة نظرهم، وكذلك من وجهة نظر إسرائيل) هو النظام في إيران. في هذه المرحلة، هناك اهمية فريدة لموقف المؤسسة العسكرية الأمريكية كعامل في استقرار السياسات في ظل التقلبات والاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة، من بوش إلى أوباما ومن ترامب إلى بايدن. بينما ركز المستوى السياسي، في ولاية أوباما الثانية وإلى حد ما أيضًا في العام الأول من ولاية بايدن، على الفرص الكامنة في المفاوضات والتسوية مع إيران، استمرت المؤسسة الامنية الأمريكية في النظر الى النظام في طهران على أنه عدو واضح. ذلك لأنها تعلمت تجربة مريرة من سنوات الحرب في العراق، وحتى قبل ذلك من أحداث مثل اختطاف الدبلوماسيين عام 1979 والهجمات على السفارة الأمريكية ومقر مشاة البحرية الأمريكية في بيروت في مارس وأكتوبر 1983. انطلاقا من هذه الاسباب تواصل شراكتها – على مستويات مختلفة من الجرأة والكثافة – في عمليات ضد النظام الايراني، جزءا منها بالتعاون مع إسرائيل، مثل الهجوم السيبراني Olympic Games وجزءا منها بشكل مباشر مثل اغتيال سليماني. على هذه الخلفية، وبالنظر إلى الصورة الاستخباراتية، التي ساهمت إسرائيل أيضًا في تشكيلها، فيما يتعلق بأنشطة فيلق القدس (الوحدة 840 وعناصر أخرى) والنظام الإيراني ليس فقط فيما يتعلق بالتعرض للمصالح الأمريكية وانما أيضًا بالضباط الأمريكيين، لعبت وزارة الدفاع دورا مهما في صياغة قرار الرئيس بايدن برفض الانصياع للإملاءات الايرانية برفع الحرس الثوري الايراني عن قائمة الارهاب.

أهمية التعاون وحدوده: الخطة (ب) وما بعدها

كل ما سبق ذكره يمنح أهمية قصوى للتعاون الوثيق على جميع المستويات. يتضمن ذلك الحوار الاستراتيجي الذي يجري عادة بين مجلسي الامن القومي في البلدين، بالإضافة إلى الحوار بين وزير الأمن غانتس ووزير الدفاع لويد أوستن، الذي يعرفه غانتس جيدًا منذ كان يتولى منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية بينما كان غانتس يشغل منصب رئيس الاركان. لأسباب سياسية – كونه أول وزير دفاع من أصل أمريكي أفريقي، واعتماد بايدن على هذا المكون الديموغرافي في المشهد السياسي الأمريكي – يتمتع أوستن بثقل كبير في الإدارة الحالية.

يضاف إلى هذه القائمة الاجتماعات المنتظمة والمتكررة بين قادة المؤسستين العسكرية في البلدين، بما في ذلك زيارات قائد القيادة المركزية وكبار ضباطه إلى البلاد. في السنوات الأخيرة، كما ذكرنا، توسع نشاط المناورات المشتركة في عدد كبير من المجالات، حتى تلك التي ترى بإيران عدوا. كما ذُكر، فإن دمج إسرائيل ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية يسمح للقيادة الأمريكية بأشراك سلاح البحرية وعناصر أخرى في الأنشطة العملياتية، بما في ذلك في البحر الأحمر، إلى جانب الدول العربية الشريكة في الاتفاقيات الإبراهيمية. كل هذا، إلى جانب التعاون الاستخباراتي المكثف واليومي الذي يخدم مصالح البلدين.

من وقت لآخر، تظهر نقاط الاحتكاك أيضًا في إطار هذا التعاون الوثيق. الاستياء في إسرائيل من التسريب حول ملابسات مقتل ضابط الحرس الثوري في قلب طهران له ما يبرره، رغم عدم وجود سبب لافتراض أن هذا في الواقع بتوجيه من القيادة السياسية الأمريكية. هناك أطراف في النظام السياسي الأمريكي غير راضية عن التقارب مع إسرائيل والاعمال المنسوبة إليها. على أية حال، فإن الأزمة تلوح في الأفق في ضوء احتمال انهيار مفاوضات فيينا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الموقف الصلب لوزارة الدفاع الأمريكية، إلى جانب التسارع في تقدم إيران نحو دولة على حافة السلاح النووي، مما يتطلب، في المدى القريب، توازنًا دقيقًا وادارة فائقة من اعلى مستوى سياسي بين نظامين من الاعتبارات:

من الجانب الاول، تعميق وتوسيع التعاون مع جميع الجهات الفاعلة في اجهزة الدولة ذات الصلة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بخطط العمل المشتركة، بدعم مبدئي من دول الخليج ولكن ليس بالضرورة بمشاركة تفصيلية من جانبها، فيما اطار ما يسمى أحيانًا باسم “الخطة ب “، وما وصفه رئيس الوزراء خلال زيارته للولايات المتحدة بـانه ” كاحتمال الموت لألف سبب صغير” : الانشطة المتواصلة والمكثفة والتدخل العميق لشل قدرة ايران على التزود بالسلاح النووي، المساس بقدرات ايران على اطلاق ( المقذوفات على اختلافها ) وتحييد جوانب اخرى من العمليات الايرانية الهادفة الى تقويض الاستقرار الاقليمي.

من الناحية الأخرى، الحرص على ان لا يتحول الاحتضان الأمريكي الى عباءة تلف إسرائيل وتجردها من القدرة على العمل بنفسها في حال تطلب الامر ذلك وفقا لاعتباراتها. زيارة رئيس الولايات المتحدة لإسرائيل (والرسائل التي من المتوقع أن يسمعها حول هذا الموضوع من محاوريه في الخليج) هي فرصة لتوضيح هذه النقطة، إلى جانب توسيع وتعميق التعاون المستمر. حتى في حسابات الولايات المتحدة – في السياق الإيراني وعلى المستوى المبدئي أيضًا – ليس هناك مصلحة لها في تصوير إسرائيل بانها تخضع في قراراتها لإملاءات أمريكية.


* مركز القدس للسياسات والاستراتيجيا

التعاون الأمني الاسرائيلي-الأميركي
You might also like