الإماراتُ بعد وفاة خليفة وبدء رئاسة محمد بن زايد
الإماراتُ بعد وفاة خليفة وبدء رئاسة محمد بن زايد
متابعات| تقرير*:
احتل نبأ وفاة خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الجمعة 13 مايو 2022، العناوين الرئيسية في الشرق الأوسط.
کان خليفة بن زايد هو الابن الأكبر لزايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس حكومة الإمارات وولي عهده، والذي حكم أبوظبي بعد وفاة والده، وانتخب رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة في 3 نوفمبر 2004.
الحكم الشکلي لخليفة بن زايد في الإمارات
هو ثاني رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها في 2 ديسمبر 1971، والحاكم السادس عشر لإمارة أبوظبي، أكبر الإمارات السبع في هذه الدولة، ولديه ثمانية أبناء، اثنان منهم فقط من الذكور، هما سلطان بن خليفة آل نهيان ومحمد بن خليفة آل نهيان.
ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية لإمارة أبوظبي، ولي عهد أبوظبي(2004-1969)، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة(1977-1973)، ونائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، كانت من أهم المناصب التي شغلها خليفة بن زايد.
حسب وسائل الإعلام الإماراتية، كان سبب وفاة خليفة بن زايد البالغ من العمر 73 عامًا جلطة دماغية. بالطبع، كان يعاني من هذه المضاعفات منذ 2014 ولم يظهر علنًا.
في الواقع، مثل حكومة سلمان بن عبد العزيز في السعودية، حيث تُرك كل شيء تقريبًا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تم تنفيذ مثل هذا السيناريو في الإمارات خلال هذه السنوات أيضًا، وكان “محمد بن زيد” حاكماً على هذه البلاد وكان دور خليفة بن زايد مثل الملك سلمان شکلياً نوعاً ما.
كانت آخر مرة شوهد فيها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة البالغ من العمر 73 عامًا علنًا في عام 2017، عندما كان يقف بجوار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وشقيقه، الذي يتولى السلطة عمليًا في الإمارات. وفي هذه الاحتفالات والمناسبات النادرة التي شوهد فيها خليفة بن زايد، كانت أعراض المرض واختلال التوازن فيه واضحةً تمامًا.
حكم خليفة بن زايد الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2004، لكن شقيقه وولي عهده، محمد بن زايد، هو الذي كان يتولی السلطة فعليًا في الإمارات، وکان يتخذ معظم القرارات السياسية الداخلية والخارجية، وكان خليفة بن زايد هو الرئيس الشکلي للبلاد فحسب.
الإقامة الجبرية لرئيس الإمارات والصراع على السلطة بين آل نهيان
في أبريل 2019، كشف ناشطون إماراتيون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن فرض الإقامة الجبرية علی الرئيس الإماراتي بأمر من شقيقه محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وأن الإعلام الإماراتي يخدع الناس بشأن مصيره.
وعلى مدى العامين الماضيين، ومع استمرار مرض الشيخ خليفة بن زايد، كان من المتوقع أن يتم تعيين محمد بن زايد رئيسًا، وأصبح هذا الأمر العامل الأهم في تصعيد الخلافات والصراع علی السلطة بين آل نهيان. وفي الاتجاه نفسه، كشف مصدر إماراتي أن محمد بن زايد غيَّر حراسه وسط توترات مع شقيقه ومستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد.
وفي هذا الصدد، كانت هناك تقارير عديدة عن صراع سري على السلطة بين خالد، ابن محمد بن زيد، وعمه طحنون بن زايد، مع انتشار النفوذ والمصالح الشخصية بين الجانبين، بحيث أثَّر هذا التنافس والمواجهة على الأسرة الحاكمة في الإمارات.
وتؤكد هذه التقارير أن صراع السلطة بين خالد وطحنون، بينما أحدث شرخًا في عائلة زايد، قسَّمها إلى مجموعتين، وازداد هذا الاتجاه حدةً وتسارعًا في الأشهر القليلة الماضية.
طحنون بن زايد هو مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويدير مجموعةً من المصالح والمزايا الاقتصادية والأمنية داخل دولة الإمارات وخارجها. لكن خالد هو الابن الأكبر لولي عهد أبوظبي ويشغل عدة مناصب، بما في ذلك رئيس الجهاز الأمني لحكومة الإمارات.
تشييع جنازة خليفة بن زايد بشکل مشبوه
لكن في خضم ذلك، كانت إحدى أكثر الحالات المشبوهة والأكثر خطورةً في وفاة خليفة بن زايد مرتبطةً بجنازته، الأمر الذي أثار جدلاً وتساؤلات كثيرة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
بعد وقت قصير من إعلان وفاة خليفة بن زايد، وبينما كان من المتوقع أن تقام له جنازة ضخمة، أعلن التلفزيون الإماراتي فجأةً أن محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، وعدد من شيوخ آل نهيان قد صلوا علی جثمان خليفة بن زايد في جامع سلطان بن زايد بعد صلاة المغرب، ثم دفن في مقبرة البطين.
والنقطة المشبوهة الأخرى في جنازة خليفة بن زايد، هي أن التلفزيون الإماراتي الرسمي أو وسائل الإعلام الأخرى قد تجاهلت تغطية الحفل وتصوير صلاة الجنازة بشكل مباشر.
وبعد ساعات قليلة، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية فقط صور جنازة الشيخ خليفة بن زايد التي حضرها عدد من أقاربه. كما تظهر الصور أن مراسم الدفن تمت قبل أذان المغرب.
ونشر ناشطون بعد ذلك صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لقبرٍ قالوا إنه القبر الذي دفن فيه خليفة بن زايد، وكان عدد من أفراد عائلته يجلسون حول القبر.
وفي هذا السياق، أبدى الناشط الإماراتي “حمد الشمسي” استغرابه من تغطية مراسم تشييع ودفن رئيس الإمارات، قائلاً إن الصورة التي نشرت عن تشييع جنازة خليفة بن زايد، تعود في الواقع لجنازة “حصة بنت محمد بن خليفة” عام 2018.
كما أعرب النشطاء عن دهشتهم من تغطية جنازة ودفن خليفة بن زايد، مستشهدين بجنازة رئيس الإمارات الأسبق الشيخ زايد عام 2004، والتي تمت تغطيتها على نطاق واسع وبثها على الهواء مباشرةً على التلفزيون الإماراتي الحكومي.
أوجه التشابه في كيفية انتقال السلطة في السعودية والإمارات
كل هذا، فضلاً عن کيفية انتقال السلطة في الإمارات العربية المتحدة، يذكرنا بالوضع الحالي للحكم في السعودية.
يتولی محمد بن زايد السلطة في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2014، عندما أصبح مرض خليفة بن زايد علنيًا، وإلى جانب محمد بن سلمان، الذي كان في نفس الوضع في السعودية منذ عام 2017، كان أحد المهندسين الرئيسيين للحرب اليمنية.
في ظل الظروف العادية، من المتوقع أن تتم تسمية محمد بن زايد رسميًا رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهو حلم يسعى إليه محمد بن سلمان أيضًا في السعودية.
وفقًا لتقارير وسائل الإعلام السعودية، بينما تتدهور الحالة الجسدية للملك سلمان وقد لا يتبقى له الكثير من الوقت، يستعد ابن سلمان للاستيلاء على العرش دون متاعب.
وعلى الرغم من أن ابن سلمان وابن زايد حكما بلديهما عمليًا خلال هذه السنوات من خلال كسر تقليد ولاية العهد، إلا أن وفاة خليفة بن زايد والوفاة المحتملة للملك سلمان يمكن أن توسع بشكل كبير سلطات ولي العهد، وستظهر آثار ذلك ليس فقط داخل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ولكن في المنطقة بأسرها.
سياسات رئيس دولة الإمارات وانعكاساتها على المنطقة
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة الأخيرة، أكبر التغييرات والتعديلات في مجال السياسة الخارجية.
في ذروة الأزمة في سورية، وبينما كانت الإمارات إلى جانب معارضي حكومة بشار الأسد، اتهمتها حكومة رجب طيب أردوغان بالتواطؤ ودعم مدبري الانقلاب خلال الانقلاب الفاشل في تركيا.
وعندما قطعت السعودية علاقاتها السياسية مع إيران(2015)، قلصت علاقاتها مع هذا البلد، وفي الحرب علی اليمن، وقفت إلی جانب السعودية، والآن قامت بتغيير جذري في سياستها الخارجية.
في الواقع، سعت الإمارات في السنوات الأخيرة إلى تصوير نفسها على أنها دولة براغماتية تبحث عن مصالحها، وتقديم نفسها كجهة فاعلة تتواصل مع جميع الأطراف في المنطقة، وسعياً وراء مصالح وتنمية التجارة والأمن تحدد علاقاتها الخارجية في نطاق واسع، من محور المقاومة إلى تل أبيب.
وفي هذا الصدد، وبعد الاتفاقات السياسية والاقتصادية الأخيرة التي أبرمتها مع مسؤولي الکيان الصهيوني، تحاول هذه الدولة تصميم لعبة رابح-رابح لنفسها، من خلال الاقتراب من إيران وسوريا باعتبارهما دولتي المواجهة والمقاومة، واستغلال ذلك إعلامياً لتحرير نفسها من ضغوط الرأي العام في العالم الإسلامي.
الجهود المبذولة لتخفيف التوترات مع إيران، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، والمساعدة في وقف إطلاق النار مع حرکة أنصار الله اليمنية وإنهاء الحرب في ذلك البلد، وإنهاء الحصار السياسي والاقتصادي على قطر، هي من بين السياسات التي انتهجها بن زايد في الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن يطبقها بشكل أكثر بروزًا إذا أصبح رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة.
والسياسة الجديدة الأخرى التي سينتهجها الرئيس الجديد لدولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، هي الابتعاد تدريجياً عن الغرب والولايات المتحدة ومحاولة تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. ولوحظ مثال واضح على ذلك خلال الأزمة في أوكرانيا؛ حيث وقفت الإمارات بإعلان حيادها في هذه الأزمة عملياً إلى الجانب الروسي وضد الولايات المتحدة.
وهذا هو نفس النهج الذي اتبعه محمد بن سلمان، وبالطبع دخلت العلاقات السعودية الأمريكية مرحلة توترات غير مسبوقة نتيجة سياسات ابن سلمان الجديدة.
طبعاً، سياسات ابن سلمان وابن زايد تختلف في عدة محطات رغم بعض التشابه. ومن أهم المحطات في هذا الصدد حرب اليمن، حيث تسعى أبو ظبي إلى خروج سريع من الحرب، لکن السعودية تواصل السعي لتحقيق أقل إنجاز في الحرب اليمنية.
لذلك، في المرحلة الحالية، من المتوقع أن يتم اتباع السياسات الأخيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل أسرع في ظل حكم محمد بن زايد.
ومن المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من الخلافات داخل أسرة نهيان، إلا أن نقل السلطة إلى محمد بن زايد في الإمارات يواجه تحديات أقل من نقل السلطة إلى محمد بن سلمان في السعودية، ولا يبدو أن هناك أي شيء جديد أو مثير للجدل سيحدث داخل الإمارات.
* الوقت