هذه هي التهديدات التي تُنذر بزوال “إسرائيل”
ما هي التهديدات التي تُنذر بزوال “إسرائيل”؟
متابعات| تقرير*:
تهديدات أربعة رئيسيّة تواجه “إسرائيل” ومصيرها قد طغت على لسان المللحين الإسرائيليين وبالأخص المحلل السياسي والأمني البارز في صحيفة هآرتس عاموس هريل، حيث كثيراً ما يتم الحديث عن نهاية “إسرائيل” حتى من قبل الصهاينة أنفسهم، وقد أعاد المحلل السياسيّ المعروف تلك القضية إلى الواجهة مجدداً، عقب حديث مستشرقين صهاينة مختصين بما يُسمى “الصراع العربيّ – الإسرائيليّ” أن الكيان الذي اعتمد عدداً من الاستراتيجيات، فشل في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة، وأنّ الدولة اللقيطة تواصل السير في طريق فقدان هذا المشروع، الذي سيؤدي تطبيقه حتماً إلى عمليات تطهير عرقيّ وتهجير قسريّ إضافية للسكان الأصليين أي الفلسطينيين، كتلك التي حدثت مع قيام الدولة المزعومة.
تهديد سكانيّ
ينظر الإسرائيليون إلى أنّ التهديد السكاني هو التهديد الأول لـ”إسرائيل”، وخاصة مع تزايد عدد السكان الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948، ما يمثل تهديدًا ديموغرافيًا فعليًا يمكن أن يهدد بقاء الكيان الصهيونيّ وبنيته الطائفيّة (اليهودية)، ما يعني أنّ التزايد السكاني للعرب يفزع الإسرائيليين بالفعل، وإنّ تعويل تل أبيب على استقدام المهاجرين وارتفاع اعداد المتدينين مع توقعات انخفاض معدل الخصوبة بين الفلسطينيين لا يبدو أنّه جاء بنتيجة في هذه القضية.
وفي الوقت الذي تشير فيه تقديرات إسرائيلية إلى أن عدد الفلسطينيين عام 2050 سيصل إلى ما لا يقل عن 10 ملايين بالضفة وغزة، تتحدث أنّ عدد المهاجرين اليهود سيصل إلى ما يقارب 10.6 ملايين يهودي في الأراضي الفلسطينيّة المسلوبة و3.2 ملايين عربي بالعام ذاته، وهذا ما يدفع الإسرائيليين ومحلليهم للقلق بشأن التفوق الديمغرافي الفلسطينيّ في المنطقة ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن (أرض فلسطين التاريخية) في ظل غياب أيّ رغبة إسرائيليّة للحل السياسيّ.
وبلغة الأرقام الإٍرائيليّة، فإن أعداد المواطنين العرب واليهود تتساوى تقريبا في فلسطين التاريخية ما يبرز مخاوف إسرائيليّة من أن عدم تطبيق حل الدولتين قد يفضي إلى حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، وتقوم عملية التسوية التي انطلقت أواخر التسعينيات من القرن المنصرم، برعاية أمريكية مشبوهة، على فكرة “حل الدولتين”، القاضي بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن ولن يتحقق، حيث تستمر “إسرائيل” ومن معها باحتلال أراضي القدس والضفة.
وعلى هذا الأساس، تشجع القوانين التابعة للعدو هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى الأراضي الفلسطينيّة التي نهبوها ولكنه يرفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم وعقاراتهم التي هُجروا منها، في ظل انخفاض في نسبة اليهود في الميزان نتيجة الزيادة الطبيعية الأسرع بين السكان الفلسطينيين، ويجدون أنّ هذا الأمر أيّ النمو السكاني يجب أن يلقى اهتمامًا خاصًا، مع وجود دراسات تتحدث أنّ “التحدي الديموغرافي السياسيّ” كان أحد الاعتبارات التي أقنعت رئيس وزراء العدو السابق إسحاق رابين بالتوقيع على اتفاقيات “أوسلو”، فيما كان الاعتبار الديمغرافيّ أيضًا ذا أهمية خاصة في قرار شارون بالانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة عام 2005.
انفلات أمنيّ
الخطر الثاني وفقاً لعاموس هريل يتجسد في تقلص قبضة الكيان الصهيوني على السلطة في أراضي الداخل المحتل، وقد بات هذا الخطر أكثر وضوحا منذ عام 2021، ويتجلى بشكل ملحوظ على مستويين باعتقاده، الأول هو زيادة الأعمال (المعادية للصهيونية) من قبل فلسطينيين الـ 1948 وخاصة عقب معركة “سيف القدس”، حيث شاهدنا جميعا كيف أعادت عمليات “الداخل الفلسطيني المحتل” رسم خارطة المقاومة الفلسطينية، كما جاءت مفاجأة العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة التي ضربت “عمق الكيان”، لتشهد أجواء الأراضي المحتلة عموماً حالة غير مسبوقة من التوتر المتصاعد، ولاسيما في الفترة الماضية، أما المستوى الآخر فهو التسلح بين فئات هذا المجتمع لردع الجنايات والجرائم الإسرائيلية التي لا تتوقف.
وإنّ ما يرفع الخطر على الإسرائيليين في الداخل المحتل هو منهج الفصل العنصريّ داخل المنطقة الجيوسياسيّة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه) التي تحكمها حكومة الكيان الصهيونيّ، وتوصف حتى من قبل منظمات إسرائيليّة بأنّها “أبرتهايد” أي نظام فصل عنصريّ بين النهر والبحر.
الشيء الآخر، هو أنّ معظم الإسرائيليين لا يعتبرون الجرائم بحق الفلسطينيين ظلماً، ويرفضون وصفهم بمصطلح “أبرتهايد”، لأنهم يؤمنون بالفعل أن التمييز أمر مشروع، وجزء من الدفاع عن النفس، وخاصة أنّ المجتمع اليهوديّ غُذي بسرد تاريخيّ منفصل عن الواقع، وهو أن فلسطين كانت إلى حد كبير صحراء غير مأهولة بالسكان قبل أن يستوطنوها، وهو ما يُطلقون عليه “حرب الاستقلال الإسرائيلية”، وهذا الاصطلاح محضُ دجل لا أكثر، لأنّ الاستقلال هو التحرر من أيّ سلطة أجنبيّة بالوسائل المختلفة، أما الاحتلال فهو استِيلاءُ دولة على بلاد دولة أُخرى أَو جزءٍ منها قَهْراً، وهذا ما تم بالفعل عام 1948 عند نشوء الدولة المزعومة.
وفي ظل تقسيم المناطق الفلسطينيّة واستخدام وسائل سيطرة مختلفة، وإخفاء الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، يعتبر الإسرائيليون أن ألم الفلسطينيين إما زائف أو مما كسبت أيديهم، فهو ليس حقيقيا مثل ألمهم، مع غياب أي معيار يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر في فلسطين المحتلة.
جاهزيّة ضعيفة
بما يخص التهديد الثالث للكيان الغاصب، فإنّ تراجع مستوى جاهزية جيش الحرب الإسرائيليّ وهزيمة خططه يشكل خطراً وجوديّاَ على العدو، في ظل فشل الجيش الإسرائيلي في التجنيد والحشد من جهة وتآكل وتقلص دور القوات البريّة في الحروب الدائرة من جهة أُخرى، وبحسب المحلل الإسرائيلي فإن أزمة القوى العاملة تشكل تهديدًا كبيرًا لجيش الحرب الإسرائيلي في الوقت الحالي، إذ إن نصف الشباب في سن 18 عامًا يترددون حاليًا في الانضمام إلى الجيش، ناهيك عن المعارضة الدينية (الحريديم) للمشاركة في هيكلية قوات العدو.
إضافة إلى ماذكره عاموس هريل، ووفقاً لمحللين إسرائيليين مخضرمين فإنّ هناك جملة فروقات بين الجنرالات الصهاينة الذين نجحوا في السياسة في الماضي، ونظرائهم الحاليين، ما قد ينذر بنهاية عصر الجنرالات في السياسة الإسرائيليّة، وإن إخفاق العسكريين الصهاينة يظهر إلى أيّ مدى لا يفهم الجنرالات “الحمض النوويّ” للسياسات الحزبيّة في الكيان الصهيونيّ، لأنّ آخر مهمة شاركوا فيها في حياتهم كانت في جيش العدو.
أيضا وباعتقاد هؤلاء فإنه من غير المناسب أبداً للجنرالات الصهاينة القفز مباشرة إلى المركز الثاني أو الأول في القوائم الحزبيّة الصهيونيّة فور تقاعدهم من صفوف الجيش، وبذلك يرتكبون “مغامرة سياسية”، مع توافر القليل من الدوافع التي تقود في هذا الاتجاه، وتشجع الجنرالات الصهاينة على الانخراط في العمل السياسيّ والحزبيّ، يوجد في الوقت ذاته عدد قليل من القيود والكوابح المفروضة عليهم، لكن ذلك يحمل ضمنيّاً بوادر تهديد وجوديّ لـ “دولة إسرائيل” المزعومة، بقولهم: “تهديدنا الوجوديّ المؤكّد 100% هو التهديد الاجتماعيّ الموجود في داخل الإسرائيليين“.
ومن المثير للاهتمام ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم حول أنّ الساسة الصهاينة، ومنهم الجنرالات اليوم باتوا يقدسون الكذب والخداع والحيل، ووضع العصي في الدواليب السياسيّة، ومن يحاول الوقوف في وجههم يُنظر إليه بنوع من الاشمئزاز، وهو ما يشكل الضربة الأكبر في وجه المجتمع الصهيونيّ حاليّاً.
تهديد إلكترونيّ
آخر التهديدات التي أشار إليها المحلل السياسي والأمني الإسرائيليّ هو التهديد الإلكتروني، فوفقاً لهاريل إن التهديد الحيوي الرابع للكيان الصهيوني هو الهجمات الإلكترونية، فعلى الرغم من ادعاء “إسرائيل” امتلاكها قدرات إلكترونية فائقة، إلا أنها تعرضت لهجمات واسعة النطاق ومكثفة من قبل الدول والمنظمات والمتسللين، حيث يَعتبر الكيان الصهيونيّ نفسه لاعباً قويّاً في مجال الحرب الإلكترونيّة التي تشكل جزءاً أساسياً من “قوته الناعمة” ضد الدول الرافضة لاحتلاله، لكن هذه السمعة التي تحاول تل أبيب إلصاقها بنفسها تشوهت بشدة بعد إعلان اختراق شركات ومؤسسات مهمة بعضها يحوي معلومات أمنيّة وعسكريّة سرية.
وفي الوقت الذي تشكل فيه “الحرب الناعمة” خطورة على الكيان لا تقل عن الحرب العسكريّة، تزعم ما تسمى “وحدة السايبر” التابعة للعدو غالبا في مثل هكذا هجمات، أنّ مجموعة القراصنة لم تتمكن من الوصول إلى قاعدة بيانات مهمة، وأن المعلومات التي بحوزتهم ليست ذات قيمة كبيرة، حيث إن الكيان فشل في إحباط هجمات إلكترونية كثيرة رغم امتلاكه الوحدة رقم 8200 والتي تعد من أخطر الوحدات لدى تل أبيب، وتعمل تحت مظلة جهاز المخابرات الداخليّة أو ما يطلق عليه ”الشاباك”، وهي المسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونيّة وجمع المعلومات الاستخباريّة، وتقوم دائماً بتجنيد عدد كبير من الشباب ليشكلوا أكبر جيش الكترونيّ لنشر الفكر الصهيونيّ والتوغل في أعماق العالم الإسلاميّ وتسميم ثقافة وفكر المسلمين وضرب قيمهم الأخلاقية والإنسانية والعقائدية، وهم يعملون بهدوء على بث الفتن وترويج الإشاعات واستهداف الناشطين والمثقفين وتأجيج فتن مذهبية دينية.
لا مستقبل لـ”إسرائيل”
”لا طعم للعيش في هذه البلاد ويجب مغادرتها إلى سان فرانسيسكو أو برلين”، هكذا يرى المُحلِّل الإسرائيليّ المُخضرم آري شافيط، الذي أكّد أنّ “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة.
ومع غياب أي معيار يتساوى فيه الفلسطينيّ –صاحب الأرض- واليهوديّ –المُحتل- في فلسطين، بيّن شافيط أنّ الصهاينة منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنّهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة، واستخدمت خلالها كلّ المكر في الشخصية اليهوديّة عبر التاريخ، إضافة إلى استغلال الـ (محرقة) وتضخيمها، حيث استطاعت الحركة أنْ تقنع العالم بأنّ فلسطين هي “أرض الميعاد”، وأنّ “الهيكل المزعوم” موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذئب إلى حمَلٍ يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين حسب وصفه.
“الإسرائيليون يُدركون بأنّه لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضاً بلا شعب، كما كذبوا”، حقيقة يؤكّدها الإسرائيليون أنفسهم خاصة بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، وزعموا أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين.
وعلى هذا الأساس، يقول الصحفيّ الصهيونيّ اليساريّ، جدعون ليفي، إنّ “الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الحسناوات وبنات الهوى، وقُلْنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87، أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم داخلها، وعقب سنوات ظننا أنّهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية.. حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعيّ (عاموس) ويُدخِلون الرعب إلى كلّ بيت إسرائيليّ”.
يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال، جملة تشير إلى أنّ الإسرائيليين يُدركون بشكل كامل الخداع الذي تحاول زرعه في عقولهم، والدليل وجود عدد وإن كان قليلاً من الإسرائيليين يرفضون الروايات الإسرائيليّة، ويطلقون حملات نشطة من أجل تحرير فلسطين من نظام الفصل العنصريّ والمقاطعة العالمية.
ختاماً، وكما قال ليفي تستطيع قوات المحتل الأرعن تدمير بنايتيْن في غزّة المحاصرة من عقد ونصف تقريبا، لكنّها لن تستطيع وقف عملية التدمير الذاتيّ الداخليّ الإسرائيليّ، إذ إنّ السرطان الذي يعاني منه كيان الاحتلال قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علم اليهود أنّه لا يمكن لدولةً يهودية أن تستمر لأكثر من ثمانين عاماً، وهذا ما دفع رئيس الوزراء الصهيونيّ السابِق بنيامين نتنياهو، للقول: “سأجتهد لكي تبلغ إسرائيل عيدها المائة”.
* الوقت