كل ما يجري من حولك

عن خوف مسؤولي الكيان المؤقَّت من عدّاد قتلاهم في الحروب!

عن خوف مسؤولي الكيان المؤقَّت من عدّاد قتلاهم في الحروب!

1٬401

متابعات| تقرير*:

طوال تاريخ الكيان المؤقت، كان الخوف من قدرة المستوطنين على تحمل سقوط القتلى والجرحى، يشكل أحد أهم الاعتبارات في عملية صنع القرار فيما يتعلق بالأمور العسكرية. وبحسب الدراسة التي أعدتها الدكتورة “فانينا شوكار” ونشرها موقع معهد القدس للاستراتيجية والأمن، فإن هذا الخوف قد بدأ منذ ما بعد اجتياح لبنان في العام 1982، وتصاعد إبان سلسلة العمليات التي نفذتها المقاومة في جنوب لبنان، ما دفع بالمستوطنين إلى أن يشعروا، بأنه لا جدوى من استمرار بقاء جيش الاحتلال، فيما كان يطلق عليها اسم المنطقة الأمنية. ما دفعهم حينها إلى زيادة الضغط، من أجل الانسحاب بدون قيد أو شرط من لبنان.

وهنا تفترض الدكتورة “شوكار”، إلى أن المستوطنين بعكس ما يعتقد المسؤولون، لديهم قدرة على تحمل التكلفة البشرية للحروب، طالما يجدون المبرر لذلك. وقامت على إثر هذه الفرضية، باستعراض ما جرى خلال كل الحروب التي خيضت مع حركات المقاومة، منذ العام 1985 حتى العام 2014، وكيف كان أثر ذلك على مواقف المستوطنين.

التصور خلال الفترة الممتدة ما بين العام 1985 والعام 2000 

بعد انتشار جيش الاحتلال في “المنطقة الأمنية” عام 1985، استندت سياسته على القيام بإجراءات دفاعية، مستخدماً بشكل رئيسي مليشيا عملاء لحد، معززة بوحدات من القوات الخاصة. لكنه مع الوقت سعى الى التقليص من عمليات الأخيرة، بسبب الحاجة الى تقليص عدد الخسائر في صفوفه، ما دفعه الى مضاعفة النشاط الهجومي للقوات الجوية الأقل خطورة، مستخدماً طائرات هليكوبتر القتالية والطائرات الحربية.

وبالرغم ن ذلك فإن الضغط الجماهيري تصاعد ضد البقاء في لبنان، وأثر على الجيش وتسرب إلى أدنى الرتب. فحاول الجيش الاحتلال تقليص عدد الإصابات في صفوف قواته بطرق مختلفة، من خلال تقليص عديدهم القوات في هذه المنطقة، ​​وتقييد حركة القوات البرية هناك، مع إطلاق النار في نفس الوقت من مسافة بعيدة. وقد جرى تجربة هذه التكتيكات في عمليتين كبيرتين: عدوان تموز /يوليو 1993 وعدوان عناقيد الغضب في نيسان /أبريل 1996. لكن إسرائيل لم تنجح في أي وقت، بتخفيف معدل إطلاق النار عليها.

وفي منتصف التسعينيات، زاد ضغط المستوطنين على صناع القرار (حكومة الاحتلال وجيشها)، بعد الزيادة الحادة في قتلى الجيش الإسرائيلي، من أجل مغادرة لبنان، وخاصة من جانب حركة “الأمهات الأربع”. وبلغت ذروة هذا الضغط في شهر أيار /مايو للعام 2000، والذي ساهم في انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)

كان لانتفاضة الأقصى التي اندلعت في أيلول /سبتمبر للعام 2000، تأثيرها الكبير على رأي المستوطنين، الذين أجمعوا بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد، على تحميل مسؤولية فشل المؤتمر، لرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وللشعب الفلسطيني، وأكدت لهم أنهم لن يحظوا بـ”السلام”. وهذا ما بينه استطلاع الرأي الذي أجري لاحقاً، أثناء تنفيذ عملية الدرع الواقي في الضفة المحتلة، بين 29 آذار /مارس 2002 و10 أيار /مايو 2002، عندما أظهر 90٪ من المستطلعين تأييدهم للعملية، مبدين تفاؤلهم واعتقادهم بأن المستقبل سيكون أفضل بالنسبة لهم.

خلال حرب لبنان الثانية (2006)

في حرب لبنان الثانية، كان تفادي وقوع إصابات ذا أهمية غير مسبوقة عند صناع القرار، وكان التعبير الرئيسي عن ذلك، هو إحجامهم عن اتخاذ القرار بالقيام بعملية برية واسعة النطاق ضد حزب الله، الأمر الذي كان له فرصة لإزالة التهديد الصاروخي للأخير. لذلك تقرر تنفيذ ضربات الجوية ومدفعية مكثفة.

وفي بداية الحرب، كان هناك دعم واسع النطاق من المستوطنين، حول قرار خوض الحرب واستمر على هذا النحو، بالرغم من سقوط الإصابات في الجبهة الداخلية وعلى جبهات القتال. وقد أجري استطلاع للرأي في الـ16 من آب /أغسطس، أظهر:

_أن 81 ٪ من المستطلعين راضون عن أداء جيش الاحتلال أثناء الحرب.

_ 62٪ أيدوا قرار دخول لبنان ميدانيًا.

 _ أكثر من 50٪ يؤيدون استمرار القتال دون قبول وقف إطلاق النار.

_ 67٪ يريدون أن يغتال الكيان السيد حسن نصر الله، حتى ولو أدى ذلك لاستمرار القتال.

لكن الصورة بدأت تتغير خلال الأسبوع الأخير من الحرب، حيث ظهرت مؤشرات واضحة، على خيبة أمل المستوطنين من نتائج الحرب، مصحوبة بتراجع دعمهم للجيش وللقيادة السياسية، بعدما فشلوا في تحقيق أي إنجاز.

حروب غزة كشفت تنامي الحساسية أمام سقوط القتلى الإسرائيليين

بعد عملية الرصاص المصبوب (2009)، بدأ جيش الاحتلال دراسة بقيادة اللواء أهارون زامير، هدفت إلى فحص العلاقة بين الحساسية لسقوط القتلى واستخدام القوة العسكرية. فوجدت أن الرغبة في تجنب الإصابات تُرجمت إلى استخدام واسع النطاق للقوات المدفعية والجوية قبل إدخال المشاة، من أجل تقليل عدد الضحايا بين المقاتلين. كما أثرت أيضاً على أنماط استخدام القوة في القتال.

وعندما تصاعد معدل عمليات المقاومة في غزة، بدأ الكيان عملية عامود السحاب (تشرين الثاني / نوفمبر 2012)، التي اكتفى فيها بتنفيذ ضربات جوية.

وفي الحرب الأكثر شمولاً إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية ضد غزة في العام 2014، والتي سميت بـ”الجرف الصامد”، اكتفى جيش الاحتلال بتنفيذ الضربات الجوية مع تنفيذ بعض العمليات البرية المحدودة.

وكما حصل في العام 2006، فإن هذه الحروب كانت تبدأ بتأييد كبير من المستوطنين، إلى أنه مع نهايتها كانت حجم التأييد يهبط بشكل حاد. ففي الاستطلاع الذي أجري بعد حرب العام 2014، أظهر 59 في المائة من المستطلعين، أن إسرائيل لم تنتصر في الصراع.

ملخص

أفردت الدكتورة “فانينا” في نهاية دراستها العديد من الخلاصات:

_ تظهر مراجعة الحروب أعلاه، على أن صانعي القرار في الكيان يعتقدون، بأن الخسائر في صفوف الجنود، ستؤثر سلبًا على الرأي العام لدى مستوطنيهم، وستؤدي بالتالي إلى ضغوط عامة لوقف القتال، ما يؤثر على المكانة العامة على صانعي القرار.

_ بالرغم من التأييد المضمون والممنوح، من قبل جمهور المستوطنين لصانعي القرار، خلال شن الحروب والعمليات، فإنه لم يستخدم من قبل صانعي القرار، الذين اختاروا عوضاً عن ذلك التصرف بحذر شديد، مما قد يحول دون إمكانية تحقيق إنجازات حقيقية.

_ وفي النهاية، كان عدم تحقيق الإنجازات، هو السبب الذي أدى إلى تراجع تأييد المستوطنين في نهاية هذه الحروب والمعارك، والى شعورهم بخيبة الأمل والفشل، رغم مطالبتهم بتحقيق النصر حتى ولو على حساب الخسائر. لكنه يتوقع أن يتم ذلك، من خلال عدد قليل من القتلى قدر المستطاع.

لذلك يسعى صانعو القرار إلى الحفاظ على توازن دقيق بين المطلبين، ولكن في بعض الأحيان يتم تحديد الحد الأقصى نظرًا لمزاج الجمهور، الذي يقيس الأهداف والإنجازات طوال فترة الحرب، في مواجهة عداد الإصابات. والخوف المفرط لدى صانعي القرار من وقوع إصابات، له عواقب سلبية عديدة على سير الحرب ونتائجها.

لذلك تحذر الدكتورة “فانينا” من أن يشكل عدد الإصابات قيدًا، لا سيما خلال العمليات البرية، وعندها ستؤدي الى تغييب الاعتبارات الاستراتيجية والعسكرية، وبالتالي وصول الكيان الى الهزيمة لا محال.

* الخنادق

You might also like