العقوباتُ على روسيا: تضرُّرٌ أوروبي والتقاءُ موسكو – بكين – طهران
العقوباتُ على روسيا: تضرُّرٌ أوروبي والتقاءُ موسكو – بكين – طهران
متابعات| تقرير*:
بعد تقدّم القوات الروسية في عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وقفت الولايات المتحدة مقيّدة واكتفت بفرض عقوبات على موسكو. الا أن هذه السياسية المعتمدة لا يمكن أن تحدث هذا التأثير الفعلي وبل إن أي تأثير سيرتدّ سلباً على الأسواق العالمية وخاصة الأسواق الأوروبية، نظراً للانتشار الواسع للاقتصاد الروسي وما يمثّله من ركيزة عالمياً. كما قدرة موسكو على تجاوز هذه العقوبات عبر استراتيجيات اقتصادية.
ارتفاع أسعار المواد الأولية عالمياً
وفق بنك “جي بي مورغان” (بنك أمريكيّ متعدد الجنسيات للخدمات الماليَّة المصرفيَّة ومن الأكبر في الولايات المتحدة) فأن روسيا تصنّف المزوّد الرئيسي لعدد من المواد الخام والسلع عالمياً. إذ تبلغ حصة الصادرات الروسية من معدن “البالاديوم” 45% (مقارنة بنسبة 15% لصالح واشنطن)، ومعدن البلاتينيوم 15%، وأكثر من 9% من معدن الذهب وكذلك تصل نسبة الصادرات الروسية من النفط ما بين 8.4% الى 12% عالمياً مع قدرة انتاج حوالي 10.83 مليون برميل يوميًا.
وبالنسبة للقمح فتعد روسيا أكبر مصدّر في العالم مع نسبة انتاج بلغت العام الماضي 76 مليون طن، لتزوّد به جميع المشترين العالميين الرئيسيين، وتستفيد منه بشكل أساسي، بالإضافة الى الشعير والذرة، تركيا وإيطاليا وقبرص ومصر ولبنان. مما يعني أن خفض العرض مقابل الطلب على هذه المنتجات سيؤدي حكماً الى ارتفاع أسعارها عالمياً وهو ما سينسحب ارتفاعاً في تكاليف الإنتاج والتصنيع في كافة القطاعات العالمية تؤكد أوساط التحليل الاقتصادية الروسية أن “لدى روسيا أدوات هجوم وإحدى هذه الأدوات هي الأسعار المرتفعة للمواد الأولية”.
الغاز الروسي عصب حياة أوروبا: لا حل بديل
عام 2015 دراسة من وزارة الاقتصاد الألمانية خلصت الى أن مرافق تخزين الغاز الألمانية يجب أن تكون ممتلئة بنسبة 60% على الأقل، لتلبية الطلب في حال حدث توقف مفاجئ للغاز الروسي. لكن وفقاً لبيانات جمعية “البنية التحتية الأوروبية للغاز”، الصادرة في كانون الثاني/ يناير 2022، فإنّ الخزانات الألمانية ليست ممتلئة سوى بنسبة 44%، وسرعان ما انخفض هذا المخزون إلى أقل من 40% في شباط /فبراير.
وبالعودة الى مفهوم أمن الطاقة الأوروبي، فهناك عدة أسس يعتمد عليها تشمل ضمان التدفق المستمر لموارد الطاقة بدون انقطاع، وتوفير الطاقة من مناطق إنتاج موثوقة وبالأسعار المناسبة، بالإضافة إلى عدم إلحاق الضرر بالبيئة مع عدم إغفال تنويع مناطق إمدادات الطاقة لتقليل “التبعية” لروسيا. في المقابل فإن استراتيجية روسيا التي أطلقتها في عام 2010، تظل أوروبا الوجهة الرئيسية لصادراتها من الطاقة حتى عام 2030. حيث تؤمّن موسكو حوالي 40% (بمعدل وسطي) من حاجة الغاز الطبيعي للكتلة الأوروبية بعقود طويلة الأمد تصل الى ما بعد العام 2025 وتصل الى حد العام 2030، على ان تكون نسبة اعتماد ألمانيا على الغز الروسي حوالي الـ 50%.
وحتى مع بدأ الدراسات حول استبدال الغاز الروسي بالغاز المسيل الأمريكي – نتيجة الأزمة الأوكرانية – الا ان هذا البديل أكثر كلفة، ليبقى الغاز الروسي الأفضل من حيث الأسعار بسبب القرب الجغرافي الذي يطرح من ناحية أخرى تحديات في البنية التحتية القادرة على الإسالة والشحن بين القارتين. حيث تشير صحيفة “وول ستريت جورنال “أن زيادة إنتاج الغاز ليست العقبة الرئيسية الحائلة دون قدرة الولايات المتحدة الأميركية، أو غيرها على دعم أوروبا بالغاز. لأنه حتى بفرض زيادة الإنتاج تقنياً، تبقى مشكلة الاختناقات بالنقل والشحن إلى الخارج، حيث لا تملك أميركا، سوى عدد محدود من محطات إسالة الغاز الضرورية لنقله لمسافات طويلة، كما أن هذه المنشآت تعمل سلفاً، بطاقتها شبه القصوى”. وإذا أخذنا أسبانيا نموذجاً، فعلى الرغم من تواجدها عند البحر الأحمر وحدودها القريبة من الجزائر التي يمكن أن تجعل من الأخيرة مورد محتمل للغاز، الا أن مدريد لا تمتلك منشآت مرافئ مجهزة لاستقبال الغاز المسال. ذلك الأمر ينطبق كذلك على ألمانيا التي هي الأخرى، لا تمتلك تلك البنى التحتية.
روسيا لا تعتمد بشكل كبير على نظام الدولار
أما من ناحية فرض العقوبات التي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها “ستشمل مصرفين روسيين ومسؤولين بارزين روس، بالإضافة إلى فرض إجراءات لقطع أجزاء من الاقتصاد الروسي عن النظام المالي العالمي”، فبحسب رئيس دائرة الأبحاث والاستراتيجية في “ساكسو بنك” الاستثماري الدولي، كريستوفر دمبيك، فأن التأثير سيبقى هامشياً حيث أن “الاقتصاد الروسي يتمتع بمستوى قياسي من الاحتياطات النقدية، ففي البنك المركزي الروسي نلاحظ اليوان وكميات كبيرة من الذهب، الأمر الذي يجعل الاقتصاد الروسي أقل ارتهانا إلى حد بعيد لنظام الدولار”.
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح – منذ بداية فرض العقوبات على بلاده – بتحييد الاقتصاد الروسي عن نظام “سوفيت” والتقليل من اعتماد المصارف والشركات على القروض الأجنبية بالعملة الأميركية، إضافة لتقليصه اعتماد البلاد على ملكية سندات الخزينة الأميركية.
وفي تقديرات هيئة الإحصاء الروسية “روسستات” فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في 2021 بلغ 4.7%، متجاوزا التوقعات، إذ كان من المتوقع أن ينمو بنسبة 4.4%، وبذلك يكون الاقتصاد الروسي قد أظهر في 2021 أكبر نمو منذ العام 2008.
موسكو – بكين
ان الفرض العقوبات وقطع طريق روسيا نحو الأسواق الأوروبية أو الشرق أوسطية لن ينعكس الا تعميقاً للعلاقات التجارية بين موسكو وبكين حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين في العام 2021 بنسبة 35.2% مقارنة بالعام 2020، وبلغ 140.705 مليار دولار، وفقا لبيانات هيئة الجمارك الروسية. وفي تفاصيل البيانات فإن الصادرات من روسيا إلى الصين زادت بنسبة 38.4% وبلغت 68.029 مليار دولار، بينما زادت الواردات إلى روسيا من الصين بنسبة 32.3% وبلغت 72.676 مليار دولار. فيما يبقى التطور الأهم في العلاقات التجارية عبر إبرام عقود الغاز لمدة 25 عاماً. وكذلك تتوجه روسيا نحو أسواق جنوب شرق آسيا.
موسكو – طهران
وربما أكثر ما يقلق الولايات المتحدة هو الانفتاح التجاري الكبير بين روسيا وإيران حيث تنمو العلاقات الاقتصادية بين الطرفين بشكل مطرد، ووفق إحصاءات هيئة الجمارك الروسية أن حجم الصادرات الروسية إلى إيران بلغ 900.6 مليون دولار في الأشهر الخمس الأولى من العام الماضي (كانون الثاني – أيار)، بزيادة نسبتها 27.7%، وبلغ حجم الواردات من إيران 469.9 مليون دولار، بزيادة نسبتها 27.7%. وفيما تطمح الأطراف الى ” بذل الجهود لكي يكون التعاون في مختلف المجالات أكبر بأضعاف مما هو عليه…وزيادة حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار”. (بحسب تصريحات رئيس الجمهورية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي في زيارته الى موسكو الشهر الماضي)، وعلى أن يتخذ التعاون التجاري أيضاً الجوانب العسكرية والتقنية حيث قامت طهران بإبرام عقود شراء أسلحة وطائرات مقاتلة وطائرات تدريب وطائرات عمودية مقاتلة من روسيا.
* الخنادق