ما قبلَ بوتين وما بعده: هكذا سيذكَّرُ العالَمُ تاريخَ روسيا الاتحادية
ما قبلَ بوتين وما بعده: هكذا سيذكَّرُ العالَمُ تاريخَ روسيا الاتحادية
متابعات| تقرير*:
تصدّرت شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوسائل الاعلام العالمية على مدى أكثر من عقدين من الزمن مع انتخابه رئيساً للبلاد لأول مرة في 26 آذار/ مارس عام 2000. ولعل أبرز القضايا التي جعلت من الرجل “العدو الدولي الأول” بالنسبة للولايات المتحدة هو عدائه لها وللهيمنة الغربية على الدول التي كانت سابقاً ضمن الاتحاد السوفياتي، وهو ما تصنفه الاستراتيجية القومية والأمنية الروسية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد، خطاً أحمر.
كيف أصبح بوتين قيصراً؟
في وثائقي أعده أندريه كوندراشوف عام 2018 الذي حمل اسم “بوتين”، أشار الرئيس الروسي إلى الفترة الزمنية التي سبقت انتقاله إلى موسكو “ماذا كان عليّ أن أفعل؟ في الواقع، لم يكن هناك الكثير من فرص العمل. حتى إنني بدأت في التفكير بالعمل كسائق سيارة أجرة. أنا لا أمزح، حقاً، أين المفر؟”.
عاش فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين الذي ولد عام 1952، في كنف أسرة فقيرة، حيث كان الأب معوقاً بعد ان طاردته القوات الألمانية في إبان الحرب “الوطنية العظمى” واستهدفته بقنبلة خسر جراءها القدرة على المشي، وتعمل الأم في أحد المصانع، حسب ما ذكر بوتين في مقال له عشية الذكرى الـ 70 “للنصر على النازية”.
بعد تخرجه من كلية الحقوق وتخصصه في العلاقات الدولية عام 1975، خضع بوتين للعديد من الدورات في لجنة أمن الدولة في لينينغراد والتي باتت تسمى سانت بطرسبورغ في جهاز KGB وعمل في أوروبا الشرقية بين عام 1985 و1990.
تولى منصب مساعد رئيس جامعة لينينغراد للشؤون الخارجية ثم أصبح مستشاراً لرئيس مجلس المدينة.
عام 1994 تولى منصب النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سانت بطرسبورغ ليتولى بعد عامين منصب نائب مدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية ونائباً لمدير ديوان الرئاسة عام 1997.
ويمكن اعتبار تعيينه مديراً عاماً لجهاز الأمن الفيدرالي في البلاد عام 1998 فترة انتقالية قبل تعيينه رئيساً للحكومة الاتحادية بناء على اختيار الرئيس بوريس يلتسن، والذي تولى بعدها اختصاصات رئيس روسيا بالوكالة في 31 كانون الأول/ ديسمبر عام 1999 بعد استقالة الرئيس بوريس يلتسن. ثم انتخب للمنصب نفسه في 26 آذار /مارس عام 2000.
عام 2004، أعيد انتخاب بوتين رئيساً لروسيا. لكنه تخلى عن المنصب عام 2008 لأنه الدستور لا يسمح له بـ 3 دورات متتالية، فعين رئيساً للوزراء ويستلم ديمتري مدفيدف الرئاسة.
عام 2012 فاز بوتين لولاية ثالثة بـ 63.6% من الأصوات بفارق كبير عن المرشح الثاني زعيم الحزب الشيوعي جينادي زيوغانوف الذي نال 17.18% من الأصوات.
فيما فاز عام 2018 بنسبة 76.69% من الأصوات، فيما حصل أقرب منافسيه مرشح الحزب الشيوعي على 11.77% من الأصوات.
العالم ما قبل بوتين وما بعده
يرى المواطنون الروس في بوتين الرئيس الذي “أعاد مجد البلاد”، بعدما بدأ بوتين فور استلامه الرئاسة بحزمة إصلاحات انعكست مباشرة على المواطنين.
تم تطبيق برنامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية للاتحاد الروسي ما بين 2000 و2012 قلل خلالها حجم التفاوت الطبقي خاصة فيما يتعلق بقانون الأراضي الشهير، وعمل على تأميم الاقتصاد وسداد الديون المتوجبة على الدولة وتم انشاء صندوق الاستقرار.
فيما شهدت الفترة ما بين عام 1999 إلى عام 2008 نمواً في الناتج المحلي وصل إلى حد 94%. حتى وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.8 تريليون دولار عام 2008 بعد ان كان 210 مليار دولار عام 1998.
ونتيجة فرض العقوبات الأميركية على البلاد، عمد بوتين إلى زيادة تحصين الاقتصاد الروسي عبر انشاء وسائط مالية عبر شبكة بعيدة عن نظام “سويفت”، والتقليل من اعتماد المصارف والشركات على القروض الأجنبية بالعملة الأميركية إضافة لتقليصه اعتماد البلاد على ملكية سندات الخزينة الأميركية.
فيما كان لافتتاح السوق الشرقي للغاز الذي تنتجه روسيا إلى الصين أهمية كبرى في الاقتصاد الروسي، حيث تشهد سنوات حكمه قفزة نوعية في إيرادات بلاده من الغاز تحديداً نتيجة الاتفاقيات التي عقدها مع عدد من الدول. إضافة لقيامه بمشروع نورد ستريم 1 و2 حيث يؤمن الأخير نقل حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا منذ عام 2012 وهو ما يكفي لتزويد حوالي 26 مليون أسرة بالغاز أي ثلث الطلب المستقبلي من الغاز للاتحاد الأوروبي وبتكلفة أقل بـ 25% عن ثمن استيراده.
بالمقابل، أولى فلاديمير بوتين أهمية كبرى لإعادة تجهيز وتطوير الجيش الروسي بعد ان قد أهمل في عهد سلفه نتيجة العديد من الظروف. مع تعافي الاقتصاد الروسي، رفع بوتين حجم المخصصات المالية للقوات البرية لتصل إلى معدل غير مسبوق منذ قيام روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حتى وصلت إلى 219 بليون روبل عام 2001 بعد ان كانت عام 2000 ، 141 مليون روبل مع استقطاب أكثر من 26 ألف الضباط في العام نفسه، إلى ان وصل عديد الجيش إلى 140 ألف بحلول 2008.
أحدث اهتمام بوتين بالجيش نقلة نوعية في جميع هيكلياته الجوية والبرية والبحرية إضافة للتصنيع العسكري في جميع المجالات وقوة عالمية غيّرت قواعد الاشتباك في العالم هو ما دعا الولايات المتحدة غير مرة لاتهامه بالسعي إلى “إعادة مجد الاتحاد السوفياتي”.
لفترة طويلة كان تقسيم تاريخ الاتحاد السوفياتي على حقبتين “ما قبل الانهيار وما بعده”، إلا ان العالم اليوم بصدد تقسيم تاريخ روسيا بين مرحلتين: ما قبل فلاديمير بوتين وما بعده حيث لا يمكن اعتبار الرجل مجرد تفصيل في القرن الـ 21.
* الخنادق