اعتذارٌ صومالي للإمارات.. ما علاقةُ ذلك باليمن؟
توحي سرعة رد فعل فرماجو بعدم رغبته في استعادة العلاقة مع الإمارات وتظهر إلى العلن مجدداً الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد
قتيبة الصالح*
لم تكن مسارعة الإمارات إلى الترحيب بالاعتذار الرسمي الذي تقدَّم به الصومال مستغربةً، إذ لا تعيش أبو ظبي أفضل أيامها تبعاً لتطوّرات الموقف في اليمن. وإزاء ذلك، تجد الإمارات نفسها من دون خيارات تقريباً، فتندفع غرباً باتجاه مقديشو، لعلّها لا تخسر كلّ شيء.
إذاً، قدّم الصومال رسمياً اعتذاره للإمارات عن حادثة اقتحام طائرة إماراتية في مطار مقديشو في العام 2018، ومصادرة ملايين الدولارات التي كانت تحملها. جاء ذلك في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، الذي أكد سعي بلاده لفتح صفحة جديدة مع الإمارات، وتعهّد بإعادة الأموال المصادرة.
رداً على خطوة روبلي، وجّه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو المصرفَ المركزي في البلاد بعدم إعادة الأموال المصادَرة. توحي سرعة رد فعل فرماجو بعدم رغبته في استعادة العلاقة مع الإمارات، وتظهر إلى العلن مجدداً الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد.
إلى جانب أزماته الإنسانية وما يعانيه من الإرهاب، يعيش الصومال حالة استقطاب سياسي حاد، على وقع تصاعد الصراع بين الرئيس المنتهية ولايته فرماجو ورئيس وزرائه روبلي؛ فمنذ منتصف العام 2021، انفجرت الأزمة على خلفية اختفاء موظفة في وكالة المخابرات والأمن القومي الصومالية. وفي الشهور التي تلت ذلك، انعكس الصراع على شكل قراراتٍ متضاربة بين الرجلين، وتقاذفٍ للاتهامات حول المسؤولية عن فشل إجراء الانتخابات في البلاد.
إنَّ الصراع السياسي القائم في الصومال يعبّر بشكل رئيس عن تضارب أجندة أطراف هذا الصراع تجاه العلاقات الخارجية للبلاد، وعن تشابك المصالح والأدوار الإقليمية المعقدة. وإلى جانب العديد من الأطراف الإقليمية، تستثمر الإمارات بشكل مكثف في الصومال.
مع بداية العام 2014، بدأت أبو ظبي برامج تدريب أمنية خاصّة للآلاف من جنود القوات الصومالية، إلى جانب ضخّ الأموال في البلاد تحت عنوان الوضع الإنساني. ساعد في تثبيت هذا الدور التوجّه الذي تبناه الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود، والذي تماهى بشكل كبير مع السياسة الإماراتية في المنطقة، وصولاً إلى الموافقة الرسمية على استخدام المجال الجوي والمياه الإقليمية للصومال في إطار الحرب على اليمن.
لكنَّ هذا الترتيب بدأ بالانهيار في العام 2017، بالتزامن مع عاملين ذهبا بالعلاقة الإماراتية الصومالية إلى التوتر، إذ تزامن اندلاع الأزمة الخليجية ومحاولة أطرافها حشد الحلفاء مع وصول فرماجو إلى رئاسة البلاد. ومع رفضه الانحياز إلى أي طرف في الأزمة، تدهورت علاقة مقديشو بأبو ظبي بشكل كبير.
تبعاً للموقف الذي اتخذه فرماجو، أوقفت الإمارات برامج التدريب العسكرية، وسحبت مساعداتها الإنسانية. ولمزيد من الضغط، ولحفظ موطئ قدم لها هناك، ركزت أبو ظبي على تعزيز العلاقة مع مناطق الحكم الذاتي في الصومال، أرض الصومال وبونتلاند، إضافة إلى دعم السياسيين المعارضين في مقديشو.
بدوره، عوّض فرماجو العلاقات السيئة مع الإمارات بالتقرب من قطر وتركيا. سعت الدوحة للعمل بشكل مباشر مع فرماجو بواسطة فهد ياسين؛ الموظف السابق في قناة “الجزيرة” القطرية، والذي عُيِّن في العام 2018 رئيساً لوكالة المخابرات والأمن الوطني الصومالية. وكلما تراجع الحضور الإماراتي في مقديشو، تقدم الحضور القطري. هكذا، تحولت البلاد إلى حفرة للأموال، نتيجة تصاعد الأزمة في الخليج، من دون أن يسهم ذلك في أي تقدم سياسي أو أمني في الصومال.
ومع استمرار القطيعة، شهد العام 2020 تحولاً في النظرة الإماراتية إلى الصومال، إذ بدأت أبو ظبي، مستندةً إلى دبلوماسية كورونا، باتخاذ نهج أكثر براغماتية، فأغدقت المساعدات الإنسانية على الصومال مجدداً.
وفي محاولة لكسر الجمود القائم وسبر التوجهات الصومالية، طلبت أبو ظبي من مقديشو في أواخر حزيران/يونيو 2020 الدخول في الحرب على اليمن، عارضةً في مقابل ذلك حوافز مالية وإعادة فتح مستشفى الشيخ زايد في العاصمة مقديشو.
على الفور، رفضت الصومال على لسان وزير خارجيتها أحمد عيسى عوض العرض الإماراتي، وجاءت صيغة الرد حاسمة حين قال: “الصوماليون ليسوا أدوات رخيصة تستخدم لتنفيذ مطالبكم. اليمن دولة مجاورة وشقيقة لها سيادتها وكرامة شعبها”.
عامان تقريباً مرّا على العرض الإماراتي والرفض الصومالي. وخلالهما، لم يكن هناك ما يلفت النظر في إطار العلاقة بين أبو ظبي ومقديشو، لكنَّ تسارع الأحداث على هذا الخط خلال الأيام الأخيرة يوحي بتوجه إماراتي جديد تفرضه تطورات الموقف في اليمن.
تدرك الإمارات أنّها مهدّدة بفقدان كلِّ مكاسبها الاستراتيجية الناتجة من العدوان، والتي ترسم على أساسها دورها الإقليمي وحتى الدولي. ومن بوابة مقديشو، تحاول أبو ظبي الحفاظ على أهم هذه المكاسب. يرتبط ذلك بشكل رئيسي بالموقف من أرخبيل سقطرى الاستراتيجي، وباحتمال فقدان الإمارات هذه الجزر التي تسيطر عليها بشكل فعلي.
تعبّر الخطوات الإماراتية مؤخراً عن استعجال لاستعادة العلاقة مع الصومال، عبر إزاحة فرماجو والإتيان بشخصية تأخذ المصالح الإماراتية بعين الاعتبار. يضمن ذلك لأبو ظبي إعادة إحياء المطالبة الصومالية بجزيرة سقطرى؛ تلك المطالبة التي لا يتبناها فرماجو، بل إنه يقرّ بتبعية سقطرى لليمن.
تسعى الإمارات، وفق هذا التوجّه، لتعزيز الوضع المتنازع عليه وتدويل النزاع حول تبعية الجزيرة، عبر إدخال العنصر الصومالي في هذه المعادلة. يأتي كل ذلك للوصول إلى ما يُسمى في القانون الدولي “حالة النزاع المجمد”، وهي الحالة التي تدّعي فيها عدة أطراف (حكومة صنعاء، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وحكومة هادي، وحكومة الصومال) أحقّيتها في الجزيرة، من دون أن تتخذ إجراء معيناً، بما يبقي النزاع في حالة تبريد مع مخاوف من تحوّله إلى صراع ساخن.
وفي هذا الإطار، تحاول الإمارات الظهور بمظهر ضامن الاستقرار، لكونها تسيطر بشكل فعلي على الجزيرة، بما يؤدي إلى استدامة “حالة النزاع المجمّد”، والتي تمثل أساس الخطوة الإماراتية التالية. الخطوة التي تحدَّث عنها تقرير سابق لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، تتلخَّص في تخطيط إماراتي لعقد استفتاء في الجزيرة على انفصال سقطرى عن اليمن، لتصبح جزءاً من الإمارات.
في إطار هذا السعي، حاولت الإمارات بالفعل خلال الأعوام السابقة خلق حالة من المقبولية في سقطرى، فأنشأت شبكة اتصالات، إلى جانب المدارس والمستشفيات والطرق، وقام مسؤولون إماراتيون بجولة على بيوت السكان، وأجروا إحصاء سكانياً للجزيرة، وهو أمر لم تشهده سقطرى منذ العام 2004.
إذاً، تهدّد رياح اليمن بخسارة أبو ظبي مكاسبها الاستراتيجية، وتُوجّه الإمارات أشرعتها مجدداً إلى الصومال بموجب ذلك. مما لا شكّ فيه أنَّ هذا التوجه يحمل أهدافاً أخرى خارج إطار ما تفرضه تطورات اليمن، لكن الاستعجال الإماراتي لنيل موطئ قدم في مقديشو يكشف عمق الأزمة التي تعيشها أبو ظبي.
* كاتب محلل سياسي عربي| الميادين