كل ما يجري من حولك

يا “أنصارَ الله” لا تقصفوا إيلات!

يا “أنصارَ الله” لا تقصفوا إيلات!

956

أليف صباغ*

تتمثل المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية في استمرار الحرب العدوانية على اليمن في مجالين أساسيين، الأول أمني والثاني اقتصادي.

مع بداية عام 2021 أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبل مغادرته البيت الأبيض، قراره نقل “إسرائيل” من مظلة القيادة المركزية الأميركية في أوروبا إلى القيادة المركزية في الشرق الأوسط. مثّل هذا الموعد الإعلان الرسمي، لكن العمل الفعلي جرى قبل ذلك بكثير، وفق العديد من الإعلاميين الإسرائيليين.

هذا الانتقال يعني أن الجيوش العربية التابعة لأميركا ستعمل بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وما شاهدناه من تدريبات ومناورات مشتركة شاركت فيها الإمارات و”إسرائيل” والأردن علناً مع القوات الأميركية في الشرق الأوسط يؤكد ذلك. من هنا، فكل عمل عسكري تقوم به أي دولة من المعسكر الأميركي لا بد أن يكون قد أخذ الضوء الأخضر الأميركي، إضافة إلى الضوء الأخضر الإسرائيلي، إن لم يكن بمشاركة فعلية إسرائيلية وأميركية.

ما خشيته “إسرائيل”، في الأشهر الأخيرة، وعبّر عنه العديد من الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين على حدّ سواء، هو فتور التوتر الخليجي العربي مع إيران، إن كان على المحور السعودي-الإيراني أو الإماراتي-الإيراني.

هذا الفتور أقلق “إسرائيل” إلى حد بعيد، فاتُّهمت الأخيرة إدارة بايدن بالتسبّب في ذلك عبر اتّباعها سياسة مهادنة عسكرية، أو بالامتناع عن استخدام كبير للوسائل العسكرية ضد إيران، والاعتماد على وسائل دبلوماسية، والعمل على العودة إلى الاتفاق النووي.

هذا ما جعل السعودية والإمارات، وفق التقييمات الإسرائيلية، تبحثان عن هدوء نسبي، ومحاولات لتخفيف التوتر مع إيران، لأنهما باتتا على اقتناع بأن أميركا لن تحارب إيران، وستترك أتباعها وحدهم في المعركة الخاسرة. هنا تأتي مصلحة “إسرائيل” في إعادة التوتر إلى المنطقة، من خلال تشجيع الإمارات على العودة إلى الصراع مع اليمن عند زيارة نفتالي بينيت للإمارات، وقيام السعودية بالضغط على الإمارات للقيام بدورها، منعاً لقيام الجيش اليمني بتحرير شبوة، ومن ثم الوصول الى ميناء عدن ومضيق باب المندب، وهنا تتضرّر المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.

ما هي المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية في استمرار الحرب العدوانية على اليمن؟

تتمثل المصالح الإسرائيلية في مجالين أساسيين، الأول أمني والثاني اقتصادي. الأمن في خدمة المطامع الاقتصادية الاستعمارية، وهذه المطامع تمثّل أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية منذ نشأتها حتى زوالها. وهل هذا غريب على أي حركة استيطانية في التاريخ؟

تلتقي “إسرائيل” مع الإمارات والسعودية في مصالح مشتركة ترعاها الولايات المتحدة، وأولاها السيطرة الكاملة على البحر الأحمر، لأنه أحد أهم المعابر التجارية الدولية في العالم، وهو الأهم لـ”إسرائيل” بالطبع. وهذا يتضمن السيطرة على باب المندب وميناءي الحديدة وعدن، إضافة إلى جزيرة سُقطرى الاستراتيجية. وقد نُشِر في وقت سابق أن الحكومة اليمنية الموالية للسعودية قد رهنت الجزيرة لـ”إسرائيل” لإقامة قاعدة عسكرية فيها، وهي تمثّل حلقة في الجهود الإماراتية للسيطرة على العديد من الموانئ والخطوط البحرية التجارية في العالم. حين تحولت الإمارات إلى مركز مالي وتجاري دولي تحكمه الشركات الدولية الكبرى، أصبح لا بد من السيطرة على الخطوط التجارية.

“معهد القدس لقضايا الجمهور والدولة” أعدّ تقريراً مطوّلاً ونشره في اليوم التالي من الرد اليمني على الإمارات، بعنوان: “العدوان على أبو ظبي إشارة إلى كل المنطقة”. تقرير طويل وموثّق بالمراجع، وكأنه دراسة قصيرة، لكن السرعة في الإعداد والنشر قد توحي بأن التقرير كان مُعدّاً مسبّقاً.

قبل أن نقرأ التقرير/ الدراسة، يمكن أن نقرأ الكثير من العنوان. أولاً، أن المعهد رأى في الرد اليمني “عدواناً”، وجعل من “كل دول المنطقة” ضحية لهذا “العدوان”، من دون الأخذ بعين الاعتبار فظائع العدوان السعودي الإماراتي الدموي والفظيع على شعب اليمن. ثانياً، ألا يعني هذا أن مُعدّي هذا التقرير يجتهدون لتحشيد كل دول المنطقة ضد اليمن؟

ثم يصل كاتبو التقرير إلى القول: “في ظل الضعف الأميركي، قد يجب على “إسرائيل”، والدول العربية التي وقّعت معها اتفاقات سلام، والسعودية، معاً، أن ترى وتدير المعركة بين الحروب، ليس فقط ضد إيران، بل ضد مجموع المعسكر المقاوم، وعدم انتظار مفاجآت جديدة. على “إسرائيل” والدول العربية وأميركا أن تستعدّ للتعامل مع هذا الاتجاه”.

في الـ 20/1/2020 كتب د. موشيه البو من جامعة رايخمان، في هرتسليا، موقفاً مشابهاً قال فيه: “من ناحية “إسرائيل”، الهجوم يجسّد التهديد المتزايد لأذرع إيران، وهذا يؤكد الحاجة إلى تعاون أمني وعسكري إقليمي لصدّ العدوانية الإيرانية”.

أما الجنرال عاموس يدلين فقد كتب في 22 من الشهر الحالي في موقع N12  يقول: “بعيداً عن الكلام، حان الوقت للعمل. توجد هنا فرصة تاريخية لتعزيز اتفاقيات أبراهام، وربما لصبّ أسس لاتفاقية دفاع مشتركة إسرائيلية – أميركية – إماراتية، وفي المستقبل سعودية، لمواجهة الهجمات الإيرانية بالصواريخ المتقدمة والمسيّرات”.

هنا لا بد أن نتذكر أن نتنياهو طرح ذلك سابقاً، إلا أن الإمارات، وفق موقع N12 25/12/2021 رفضت تحالفاً عسكرياً مع “إسرائيل” ضد إيران، بديلاً للمفاوضات في فيينا. هنا، على ما يبدو، كان لا بد من جهود سعودية إسرائيلية لزجّ الإمارات من جديد في العدوان على اليمن، وهم يعلمون أن الرد اليمني لن يتأخر، وأنه آتٍ لا محالة.

كيف تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع العدوان الإماراتي السعودي والرد اليمني؟

من يراقب الصحافة الإسرائيلية يستطع أن يؤكد ما يلي:

1)   العناوين والمضامين، على حدّ سواء، تحاول خلق انطباع لدى الرأي العام أن الحوثيين هم “متمردون” على الحكومة الشرعية، “إرهابيون” بدعم من إيران، وأنهم ليسوا أكثر من ذراع إيرانية في الشرق الأوسط.

2)   الحوثيون يهاجمون السعودية والإمارات وقواعد أميركية، بتوجيه إيراني، ويهدّدون “إسرائيل” بقصف “إيلات” بالصواريخ الباليستية، من دون ذنب اقترفته، ومن دون أي إشارة إلى المجازر التي تقوم بها السعودية والإمارات بدعم عسكري أميركي وإسرائيلي. حتى إنهم يبرّرون ما تقوم به قوى تحالف العدوان، الإمارات والسعودية، وكأنه “ردّ على الهجمات الحوثية” أو دفاع عن النفس!!

3)   لا توجد وسيلة إعلامية صهيونية واحدة لا تدعو إلى وضع “إسرائيل” والسعودية والإمارات وأميركا في جبهة واحدة ضد الحوثيين وضد إيران.

4)   بعض الباحثين الاستراتيجيين يرى في ذلك “فرصة” لا بد من استغلالها للتقرّب من السعودية، وخلق حالة من التعاون العسكري الاستراتيجي العلني معها، وكأن “إسرائيل” هي التي تحمي السعودية والإمارات من هجمات القوى الوطنية اليمنية!!

5)   الاستخفاف بالقدرات التكنولوجية اليمنية نابع في أساسه من رؤية استعمارية وعنصرية، حملتها ولا تزال تحملها الحركة الصهيونية ضد كل من هو عربي، ولا ينجو منها اليهود اليمنيون، أنفسهم، في المجتمع الإسرائيلي. وللتذكير، لم ينسَ اليهود اليمنيون، بعد، سرقة أطفالهم من المستشفيات الإسرائيلية في الخمسينيات من القرن الماضي، وبيعهم لمن يدفع الثمن حتى خارج البلاد، وهو ملف لا يزال مفتوحاً، ويؤلم كل أسرة سُرق منها طفل ولا يزال مجهول المصير.

6)   إضافة إلى النظرة العنصرية، هناك محاولة لتوجيه نقمة السعودية والإمارات ضد إيران، وخلق تحالف عربي رجعي خليجي مع “إسرائيل” ضد إيران، وهذا يصبّ في المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية.

7)   تتويجاً لهذا كله، تسعى “إسرائيل” إلى المشاركة العلنية في الحرب ضد اليمن، فإن استدرجت إيران إلى الحرب هناك تكون قد حققت برنامجها في تفجير حرب إقليمية على الأراضي اليمينة وفي الخليج عامة، بمشاركة أميركا والسعودية والإمارات ودول أخرى، وتكون مفاوضات فيينا قد أصبحت في خبر كان، أما إذا امتنعت إيران عن دخول هذه الحرب، تكون قد وضعت نفسها في حالة حرج أمام الرأي العام لمحور المقاومة.

هذه الآراء، وغيرها الكثير الكثير ممّا نُشر في الأسبوع الأخير، تؤكد أن “إسرائيل” تريد حرباً إقليمية، لكنها تخشى خوضها وحيدة. هي تريدها على الأرض العربية الخليجية، وبمشاركة فاعلة خليجية وأميركية، وفي نهايتها – وقد لا تنتهي لسنوات طوال – سيدفع الخليجيون ثمن هذا الحرب بالأرواح والمال، لا “إسرائيل”. هكذا يفكرون في “إسرائيل” على الأقل.

هل تشارك “إسرائيل” في العدوان على الشعب اليمني؟

الجواب نعم، ولكن… هل يتطلبّ ذلك رداً عسكرياً يمنياً بقصف “إيلات” على سبيل المثال؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتذكر أن كل عمل عسكري يجب أن يتقدمه عمل إعلامي مناسب يبلور رأياً عاماً يتفهّم هذا الرد، ومن ثمّ عمل إعلاميّ آخر يتبعه لتعزيز الموقف.

المنهجية الإعلامية للقوى الوطنية اليمنية التي تقول “إن عدتم عدنا” هي منهجية إعلامية وسياسية صحيحة، وقد اكتسبت مصداقية كبيرة حين اقترنت بالأفعال. لكن، لا يكفي أن تُسمع هذه التحذيرات في الدوائر القريبة من الحدث، بل يجب إسماعها ومراقبة صداها على المستويين الإقليمي والدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التحرك الجماهيري ضد النفاق المدفوع الأجر، للحكومات التابعة لأميركا، وعلى رأسها مصر التي تتحكّم في قرار “جامعة النعاج” العرب.

يخطئ من يعتقد أن “إسرائيل” تخشى قصف اليمنيين لمرفأ “إيلات” بالصواريخ الباليستية، لأن ذلك سيوفّر لها “فرصة” لتحشيد عربان الخليج وأميركا والدول الأوروبية التي تقدّس “حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها”، ولا استبعد روسيا التي بدأت مؤخراً تتماهي باستحياء مع هذا “الحق”، تحشدهم جميعاً ضد القوى الوطنية اليمنية، وبالتالي تحقق استراتيجية التقارب والتعاون، وحتى العمل العسكري المشترك والعلني ضد الشعب اليمني. صحيح أن مثل هذا العمل قد يستنهض مجلس الأمن من سُباته، لكن لا يستبعدنّ أحد أن يقف مجلس الأمن مع “إسرائيل” أيضاً.

إذن، ممّا تخشى “إسرائيل”؟

الخشية الإسرائيلية الحقيقية هي من وصول الجيش اليمني إلى ميناء عدن ومضيق باب المندب، والخشية الأكبر أن يعلن اليمن أن هدفه من السيطرة على باب المندب هو تأمين الملاحة البحرية للجميع، كي لا يعطي أي ذريعة لأي طرف دولي أو إقليمي لشنّ حملة عسكرية ضد اليمن، بحجة أن اليمن تغلق باب المندب أمام الملاحة الدولية.

“إسرائيل” تخشى وقف العدوان على اليمن، كما تخشى أي شكل من أشكال التصالح بين دول الخليج العربية وإيران.

“إسرائيل” تخشى على مصالحها الاقتصادية والأمنية الاستراتيجية في الإمارات. “إسرائيل” تخشى فقدان الفرصة لتعميق نفوذها في دول الخليج العربية، لأن استراتيجيتها قائمة على ديمومة التمزق العربي الداخلي، وديمومة التوتر السنّي الشيعي، مع ديمومة الأنظمة الرجعية، التابعة والمتخلّفة، والتي تحتاج إلى من يحميها مقابل المال المتدفّق من خيرات الشعوب المنهوبة.

لكل ذلك، أيها اليمنيون الأبطال، يا أنصار الله! لا تقصفوا أم الرشراش (العربية) أو إيلات (الكنعانية)… لكن، قبل كل شيء، يجب إبراز المصالح الإسرائيلية المترتبة على استمرار هذا العدوان، وفي الوقت ذاته، إبراز الخسائر الإماراتية من نتائج التعاون مع “إسرائيل”، في حين أنها تستطيع التفاهم مع اليمن والحفاظ على مصالحها في باب المندب وغيره.

لديكم، يا “أنصار الله”، من الأهداف الحساسة في الإمارات والسعودية، من مصالح إسرائيلية وأميركية، ما يكفي لتصبح دبي غير آمنة، وحتى يصحو ابن زايد من سكرته ويقول: كفى!

* محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي

You might also like