حكّامُ السّعودية.. بين النظرية والتطبيقِ الرياءُ هو الأساسُ
حكّامُ السّعودية.. بين النظرية والتطبيقِ الرياءُ هو الأساسُ
حسني محلي*
تحجّج حكّام السعودية بشيعية “أنصار الله”، فشنّوا هجومهم الوحشي على الجارة اليمن، وكان معهم جميع حكام الخليج، وأيضاً السودان، وفي البداية مصر، من دون أن تتذكَّر القاهرة أنَّ أجداد هؤلاء السعوديين تآمروا عليها في حرب اليمن الأولى 1962-1968، بدعم من بريطانيا و”إسرائيل” وأميركا.
والأغرب في هذه الحرب أنَّ “الوهابيين السنّة” من آل سعود كانوا قد تحالفوا مع “الشيعي” شاه إيران لدعم الإمام البدر “الشيعي”، كما تحالفوا مع باكستان السنّية وحكّام الأردن من العرب السنّة، وكانوا من ألدّ أعداء آل سعود إبان الحرب العالمية الأولى وثورة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية.
هذه القصة بحد ذاتها تثبت بوضوح أنّ ما يهم آل سعود ليس التصدي للشيعة، كما يدّعون، بل تنفيذ الأجندات المفروضة عليهم من واشنطن ولندن و”تل أبيب”. يفسّر ذلك تكرارهم كالببغاء لمقولات الصهاينة ضد إيران ومساعيها لامتلاك السلاح النووي، ناسين أنَّ هذا السلاح موجود أساساً بيد الصهاينة، وهو يكفي لتدمير مكّة والمدينة لولا حلم اليهود بها. ويفسّر ذلك أيضاً عداء آل سعود للشعب اللبناني، بحجة شيعية حزب الله، ناسين أنَّ من بين حلفاء حزب الله الكثير من المسيحيين، بمختلف انتماءاتهم المذهبية، وآخرين من الدروز والسنة، دينيين كانوا أو علمانيين.
والأغرب في لبنان أنَّ آل سعود يتحالفون أو بالأحرى يشترون ضمائر الساسة والإعلاميين ممن لا ضمير لهم ولا وجدان، ويعلنون ولاءهم لهم، من دون أن يتذكّر آل سعود أن بعض هؤلاء كانوا، وما زالوا، أعداء للإسلام والمسلمين وعملاء لـ”إسرائيل”، وهي القاسم المشترك بين المتآمرين في المنطقة.
ويفسّر ذلك أيضاً مساعي آل سعود لجرِّ الشيعي مقتدى الصدر إلى هذا القاسم المشترك، في محاولة منهم لخلق المزيد من المشاكل للعراق المجاور لإيران، ليساعدهم ذلك على تدمير هذا البلد العريق بتاريخه، عبر اقتتال شيعي – شيعي يساعد واشنطن و”تل أبيب” ولندن على تحقيق أهدافها في تقسيم المنطقة، وفق حساباتها التاريخية المعروفة.
ويتذكّر الجميع كيف قدم آل سعود، ومعهم ملوك الخليج وأمراؤه، كل أنواع الدعم “للسني” صدام حسين، كي يتصدّى “لثورة الخميني الشيعية”، وهو ما كان سبباً لمعظم تطورات المنطقة لاحقاً، بما في ذلك غزو “السني” صدام حسين للكويت “السنية”، وبالتالي استنجاد أنظمة الخليج “السنية” بكفّار الغرب الذين جاؤوا إلى المنطقة لإنقاذ “ديمقراطية الكويت”، ليكون احتلال العراق الحلقة التالية في مسلسل التآمر السعودي-الخليجي على المنطقة، سنية كانت أو شيعية.
ويفسر ذلك أيضاً، مع بدايات “الربيع العربي”، تآمر كلّ الأنظمة الديكتاتورية في الخليج، وهي سنيّة، وبشعارات الحرية والديمقراطية، على “الدول السنية”، مثل تونس وليبيا ومصر، والتي لا يوجد فيها أي شيعي أو علوي، وبالتالي على اليمن ثم سوريا، بحجَّة أنَّ رئيسها علوي، وعبرها على لبنان، لأنّ ثلث سكانه من الشيعة، وهم الخطر الأكبر الَّذي يهدّد الكيان الصهيوني، الذي يعدّ كلمة السرّ لكلّ المؤامرات التي استهدفت المنطقة، بما في ذلك الاغتيالات التي طالت القيادات الفلسطينية، وهي سنية، وبعدها قيادات حزب الله وعلماء الذرة الإيرانيين، وطالت أخيراً الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين لا ذنب لهما، كالآخرين، سوى أنّهما كانا يشكّلان خطراً، أولاً على الكيان الصهيوني، وثانياً على كلِّ من هم مع هذا الكيان وخلفه إقليمياً ودولياً.
وجاء انقلاب “السنّي” السيسي في 3 تموز/يوليو 2013 ضد الإخوان المسلمين، سلاح آل سعود الدموي في كلِّ زمان ومكان، ليحمّل حكام الرياض أدواراً جديدة في مسرحية المضحك المبكي الجديدة، فقد أعلنوا، ومعهم حكام أبو ظبي والمنامة الإخوان، وهم من السنّة الأقحاح، تنظيماً إرهابياً، وأعلنوا عداءهم للسني “الأقحّ” إردوغان، ومعهم السني الوهابي تميم آل ثاني.
ولم يكن لشيعة إيران وحزب الله و”العلوي” الأسد أيّ علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه المسرحية التي انعكست على حسابات الجميع، بعد أن أعلن إخوان العرب السنّة بكلّ أطيافهم بيعتهم وولاءهم للسني التركي إردوغان. وكان آل سعود، بعد أن وضعهم المستعمر البريطاني في خندق واحد مع محمد عبد الوهاب، أول من تمردوا على أجداد إردوغان من السلاطين العثمانيين بعد العام 1750، وكانوا خلفاء للمسلمين السنة فقط.
كما كان العداء السني للسني من أهم تناقضات آل سعود في ظلّ خدمتهم لواشنطن و”تل أبيب”، وإلا لما أعلنوا الحرب على الدوحة في حزيران/يونيو 2017، ومعها مصر والإمارات والبحرين السنية، فيما وقفت تركيا السنية إلى جانب قطر السنية، ولم يكن لأيِّ شيعي في المنطقة أيّ دور مباشر أو غير مباشر في هذه المسرحية “السنية” بملامح صليبية – يهودية!
والأغرب في كلِّ ذلك أنَّ تركيا وقطر (السنيتين) دعمتا، وما زالتا، عدداً من القوى، السياسية منها والمسلحة، في ليبيا، مقابل دعم مصر والإمارات والسعودية (السنية أيضاً) لأطراف أخرى من الشعب الليبي العربي المسلم السني، ولا يوجد بينه أيّ شيعي أو علوي أو مسيحي أو كردي أو أيزيدي وغيره، حاله حال الشعب الفلسطيني.
خلاصة القول إنَّ عداء آل سعود ومن معهم لإيران بحجّة شيعيتها، وحربهم ضد اليمن بحجة “أنصار الله”، وتآمرهم على حزب الله وسوريا، ليس له علاقة بمقولاتها الدينية الطائفية، بل هو نتاج حالة من الترابط والتشابك العضوي بينهم وبين أولياء أمرهم أولاً في بريطانيا، ومن بعدها واشنطن، وأخيراً “تل أبيب”، ما دام كلّ ما قاموا ويقومون به كان، وما زال، ويجب أن يصبّ في مصلحة اليهود فقط.
هذا كلّه من دون التطرق إلى الأحاديث التاريخية التي تضع أصول آل سعود جنباً إلى جنب مع أصول اليهود في الجزيرة العربية واليمن، وحتى الحبشة، فهذا بدوره يحتاج إلى دراسات جينية تثبت مثل هذا الترابط الذي لسنا بحاجة إليه في مثل هذا المقال المتواضع، والهدف منه التركيز على ادعاءات آل سعود في ما يتعلّق “بخطر إيران الشيعية على العالم العربي السني واحتلالها سوريا ولبنان واليمن”، وهو ما قد يكون مقبولاً للبعض من الأغبياء والعملاء (كما هو الحال في لبنان)، الذين ما عليهم في هذه الحالة إلا أن يوضحوا للجميع سبب قلقهم الكبير جداً على الكيان الصهيوني الذي يعترف مسؤولوه باستمرار بأنهم لا يخافون إلا من حزب الله.
ويعرف الجميع أنَّ الحزب لم يقم بأيِّ عمل عدائي ضد آل سعود ومن معهم. وعلى الرغم من تآمرهم الخطير عليه وعلى لبنان وسوريا، اللذين كانا معاً هدفاً لأكبر مؤامرة كونية اعترف بها رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2017، فقد تحدَّث الحزب، وبالتفصيل، عن دعم السعودية وأميركا وتركيا ودول أخرى للمسلّحين في سوريا، بمن فيهم “النصرة”، وهم جميعاً تحت مظلّة الإخوان الذين أعلنهم آل سعود بعد العام 2013 إرهابيين، ناسين أنهم من السنّة، حالهم حال كل الانتحاريين من مواطني آل سعود الذين لم يفكّروا، ولو لمرة واحدة، بأن يقوموا بأيّ عمل جهادي ضد الكفار من اليهود والنصارى!
وفي نهاية المطاف، يفسر كل ذلك استسلام آل سعود وأنظمة الخليج للكيان الصهيوني، ومعهم حكّام المغرب والسودان، وقبلهم مصر والأردن (وكلهم سنّة)، كما يفسر استمرار التآمر الجماعي على سوريا وإيران ولبنان واليمن والجزائر وتونس والعراق، فقط لأنها ترفض الاستسلام والعبودية، وتؤمن معاً بأن الحديث عن السنة والشيعة والعلويين ليس إلا كلاماً سخيفاً يريد له أعداء الأمة أن يكون سلاحهم للتأثير في الجهلة والأغبياء وكل من باع ضميره مقابل حفنة من الدولارات.
ولم يكن كل ذلك كافياً بالنسبة إلى آل سعود ومن معهم من العملاء والخونة لفرض أجنداتهم الخبيثة على الشعوب العربية والإسلامية، فقد تصدى الشرفاء من الشيعة والسنة والمسيحيين، والملايين من أصحاب الضمير في جميع أنحاء العالم، للمشاريع والمخططات الإمبريالية – الاستعمارية، وكان آل سعود وأمثالهم دائماً أداتها الرخيصة، لأن العبودية متفشية في عروقهم كسواد النفط والفحم!
* كاتب تركي