مَن هو المعتقلُ أحمد منصور الذي تنتقمُ منه الإمارات؟
مَن هو المعتقلُ أحمد منصور الذي تنتقمُ منه الإمارات؟
متابعات| رصد*:
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”مركز الخليج لحقوق الإنسان”، الجمعة، إن سلطات الإمارات انتقمت من المدافع عن حقوق الإنسان المحتجز أحمد منصور عقب نشر وسائل إعلام إقليمية رسالة كتبها من السجن تفصّل سوء معاملته أثناء الاحتجاز ومحاكمته “شديدة الظلم” بعد يوليو/تموز 2021.
وحسب المنظمتين فإن الإجراءات العقابية شملت نقل منصور (51 عاما) إلى زنزانة أصغر وأكثر عزلة، ومنعت عنه الرعاية الطبية الأساسية، وصادرت منه نظّارات القراءة، ودعتا الأممَ المتحدة و”حلفاءَ الإمارات” إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن الناشط الحقوقي.
ويقضي منصور، المدافع عن حقوق الإنسان، عقوبة بالسجن مدتها 10 سنوات في سجن الصدر، حيث ورد أنه محتجز في زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة بدون فراش، وقدرته على التمتع بأشعة الشمس والاستحمام والحصول على المياه الصالحة للشرب محدودة أو معدومة.
وقد أضرب الحقوقي المحتجز عن الطعام مرتين عام 2019 احتجاجا على معاملته وظروفه في السجن، وتدهورت حالته الصحية نتيجة للإضراب عن الطعام الذي استمر في إحدى المرات 45 يوما، ووفق التقارير فقد حُرم من العلاج الطبي اللازم.
وقال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “حلفاء الإمارات يساعدونها على الترويج لروايتها عن كونها دولة متسامحة ومنفتحة ثقافيا، بينما يتجاهلون الانتهاكات المتفشية، بما فيها التعسف القانوني وإساءة المعاملة المروعة لأحد أكثر مواطنيها احتراما. على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التخلي عن صمته، بينما تنتهك الإمارات بشكل صارخ معايير حقوق الإنسان، وتمنع الأمم المتحدة وغيرها من المراقبين الدوليين والمستقلين من الوصول إلى سجونها”.
وجددت المنظمة انتقادها لما جرى في حزيران2021، عندما انتخبت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الإمارات لأول مرة منذ عام 1986، لدورة “مجلس الأمن الدولي” عامي 2022 و2023، رغم سجلها الحقوقي المزري.
وفي تشرين الأول، فازت الإمارات بعضوية “مجلس حقوق الإنسان” للمرة الثالثة، وعلى مدى سنوات، تجاهلت الإمارات آليات مجلس حقوق الإنسان وخبرائه، ولم يُسمح لأي مقرر أممي خاص بزيارة البلاد منذ 2014، بحسب المنظمة ذاتها.
وقالت المنظمتان المذكورتان أعلاه، إن جهاز أمن الدولة الإماراتي القوي ينتهك حقوق منصور لأكثر من 10 سنوات بالاعتقال والاحتجاز التعسفيَّين، والتهديدات بالقتل، والاعتداء الجسدي، والمراقبة الحكومية، والمعاملة اللاإنسانية في الحجز. حُرم منصور من حقوقه كسجين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يشمل “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء”.
وأكدتا ان “منصور ليس الضحية الوحيدة لعدم تسامح سلطات الإمارات المطلق مع المعارضة. منذ 2011، عندما بدأت الإمارات هجوما مستمرا على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وثّقت هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان بشكل متكرر مزاعم خطيرة بوقوع انتهاكات على أيدي قوات أمن الدولة ضد المعارضين والنشطاء الذين تحدثوا عن القضايا الحقوقية”.
وانتقدت كذلك أنه في الوقت ذاته، بدأت الإمارات جهودا دامت عقودا لغسل سمعتها على الساحة الدولية، كان آخرها معرض “إكسبو 2020 دبي”، وهو حدث ضخم يروج لصورة عامة عن الانفتاح تتعارض مع جهود الحكومة لمنع التدقيق في انتهاكاتها المنهجية والمتفشية لحقوق الإنسان.
وفي تشرين الأول، أطلق مركز الخليج لحقوق الإنسان وعشرات الشركاء معرض “إكسبو حقوق الإنسان” البديل لمواجهة هذه الرواية، الذي ضم أشعارا لمنصور، والدعوة إلى إطلاق سراح النشطاء الإماراتيين المحتجزين.
من هو أحمد منصور ؟
أحمد منصور، مهندس إماراتي يبلغ من العمر 52 عاماً، وهو شاعر، و أبٌ لأربعة أطفال. كما أنَه أكثر الناشطين في مجال حقوق الإنسان شهرةً في بلاده.
قبل اعتقاله كان منصور قد كرس من حياته للدفاع عن حقوق الإنسان في الامارات، ولم تُثنِه محاولات حكومية سابقة متعددة كانت تهدف إلى إسكاته.
تخرج منصور من جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة في عام 1999، ثم عمل في ماريلاند حتى عام 2001، قبل أن يعود إلى الإمارات حيث بدأ نشاطه في مجال حقوق الإنسان عام 2006. وبعد فترة وجيزة، استقطب منصور الانتباه عندما نجحت حملته الداعية إلى إطلاق سراح إماراتييْن اثنين سُجنا بسبب تعليقاتٍ لهما على الإنترنت.
في عام 2009، قاد منصور مساعيَ معارضة لمشروع قانون يخص الإعلام يهدد حرية التعبير، ونظَّم عريضة دعت رئيس الإمارات إلى عدم الموافقة على مشروع القانون، وقد آتت تلك الجهودُ ثمارَها، إذ أوقف الرئيس مشروع القانون.
وإلى جانب عدد من المواطنيين، قام منصور بتأسيس”منتدى الحوار الإماراتي” للنقاش على الإنترنت، وقد ركز المنتدى على قضايا السياسة والمجتمع والتنمية في الإمارات، ولطالما شهد نقاشات محتدمة حول موضوعات كانت تُعتبر فيما مضى خطوطاً حمراء، بما في ذلك الثروة الشخصية المتنامية لمختلف شيوخ البلاد.
يعتقد منصور أن أكبر قضية حقوقية في الإمارات اليوم هي الافتقار إلى حرية التعبير، حيث يقول إن “المشكلة ليس مجرد أن السقف منخفض، ولكنه غير موجود، لقد تم تدميره بالكامل من قبل القوانين التي تفرضها الدولة والممارسة الفعلية”.
فكرياً كان منصور ينتمي إلى التيار الليبرالي في الإمارات، ورغم ذلك فقد رفض حملة القمع التي مارستها السلطات ضد الإسلاميين (تيار الإصلاح)، وقال إنهم من صفوة المجتمع، ولا يشكلون أي تهديد للبلاد ولا يمكن أن يصدق أنهم أرادوا إسقاط الحكومة.
منصور كان يؤمن بضرورة وجود تمثيل برلماني كامل، وتنفيذ ما صرح به مؤسسو الدولة في مقدمة الدستور، ويعتقد أن ما يحصل هو انحراف عن القيم الأساسية التي قامت عليها البلاد، ولذلك كان أحد المبادرين الأساسيين لعريضة الثالث من مارس.
وأكد منصور في العديد من كتاباته أن أفضل هيكل سياسي لدولة الإمارات، هو الانتقال من المفهوم الفيدرالي، لأنه عائق وعقبة في الوقت الحالي لأشياء كثيرة، والانتقال إلى ملكية دستورية، مثل المملكة المتحدة، حيث تمتلك الأسرة الحاكمة الدولة ولكنها لا تديرها بالفعل.
كما أشار في أحد المقابلات أن الإمارات تعيش أسوء وقت من تاريخها الحقوقي، قائلاً إنها “أحلك حقبة للبلاد، لم نكن في مثل هذا الوضع من قبل، أو في أي مكان قريب منه، طوال تاريخ الإمارات، وحتى قبل ذلك، لذلك نحن نتحرك بسرعة في مسار واحد، ونتحرك للأمام، وللخلف، ونتحرك بسرعة في الاتجاه الآخر أيضاً”.
هذه الأفكار جعلت السلطات الإماراتية تعتبر أحمد منصور خطراً استثنائياً عليها، وجعلته دوماً هدفاً لقمعها، فمنصور ليس مجرد ناشط حقوقي، بل شخص يحمل مشروعاً، وصاحب مبادرة، وهو ما لا يمكن أن تتحمله سلطة الامارات.
* الوقت