وصل سعر صرف العملة الوطنية إلى نحو 1600 ريال لكل دولار أمريكي، وهو الأدنى تاريخياً.
– هذا السقوط والتطور الخطير في سعر الصرف حصل مباشرة وتلقائياً بعد استهلال البنك المركزي اليمني لثلاث جولات لسياسته “بيع الدولار الأمريكي بالمزاد” إلى البنوك اليمنية والتجار عبر تطبيق “منصة رفينيتيف” أوائل شهر نوفمبر الجاري، التي كان جوهرها ومن خلالها بداية محاولات “إبطاء” تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي، على أن يتم تباعاً ولاحقاً، على مراحل، ومن خلال تطبيق سياسة “المزادات”.
“توقف” نمط هذا التقهقر المميت والقاتل في سعر الصرف، وربما عكسه!
– ولكن ما حدث في أرض الواقع من خلال المزادات المذكورة أعلاه، قد أخذ الجميع، بنوكاً وتجاراً وأفراداً (ربما البنك المركزي) بالدهشة والاستغراب والصدمة في آن واحد! فالمزاد الأول (بتاريخ 9 نوفمبر) تم ترسيته بسعر صرف كان “أعلى” من ذاك الذي كان سائداً في السوق، ليرتفع عقبه وفوراً سعر صرف السوق إلى أعلى من سعر “المزاد” المعلن. وللأسف، استمر هذا الإخفاق والانشقاق، وكانت نتائج أسعار الصرف للمزادات الثاني والثالث أعلى من سابقتها الأولى (المزاد الأول) وذلك ضد وخلاف لتوقعات وآمال الجميع، الذين انتظروا “سعر صرف” بمستوى أدنى من المتعامل به في السوق، أو سعراً يقارب المتداول في السوق الذي كان سائداً في حينه.
– وكان إجمالي المبالغ التي استنفدها وبددها البنك المركزي للوصول إلى هذه النتيجة الفاشلة ما يقارب 40 مليون دولار أميركي، كان من الأجدى الاحتفاظ بها وإبقاؤها ضمن احتياطي النقد الأجنبي الصغير المتواضع.
– والسؤال: ألم يدرك القائمون بعد على كرسي البنك المركزي بعد هذه الجولات عدم فائدة وعقم سياسة “البيع بالمزاد”؟!
– ألا يعلم البنك المركزي أن “الفارق ” بين العرض والطلب على الدولار الأمريكي واسع ومهول، ويقدر بنحو “4 – 5 مليارات دولار أمريكي سنوياً”، وهو مستوى “عجز” جاء لعوامل وأسباب اقتصادية بحتة ومتعددة (الاقتصاد الكلي) وهذا العجز بذاته يتحول إلى تسونامي “مستدام” يضغط على سعر صرف الريال نزولاً مقابل الدولار الأمريكي، ويفقده قوته الشرائية، مولداً تضخماً متسارعاً في الأسعار غير قابل للاحتواء أو السيطرة.
– جنباً إلى جنب، السياسات المالية والنقدية المبتورة والمعاقة، حجم فلكي للكتلة النقدية، مستوى دين عام يقترب من سعة الناتج المحلي الإجمالي، نسبة فائدة تعتبر واحدة من الأعلى عالمياً، قطاع مصرفي مشلول/ ميت إكلينيكياً، ولا بد من بث الحياة فيه مجدداً من خلال إعادة هيكلته، وذلك ببث قوانين وسياسات تحاور الحاضر والواقع، مثل الاندماج والاستحواذ، رفع متطلبات رؤوس الأموال للبنوك إلى 50- 100 دولار، من خلال التأكيد والحزم على ضخ أموال جديدة (وطنية أو عربية) تسري في شريان هذا القطاع الذي لا يمكن لأي اقتصاد الاستغناء عنه.
– ولا يفوتنا أن نذكر أن أي تذبذب أو تدهور أو اضطراب في الأوضاع السياسية والأمنية يعكس ويساهم في تعميق أكثر سلباً على أداء وموقف العملة الوطنية وسعر صرفها.
– يجب على البنك المركزي التوقف عن تطبيق المزادات (ولا ضرر في ذلك) والقيام بتقويم مهني وحرفي ومجرد لنتائج سياسة المزادات لا يؤثر فيه ذو العلاقة من منصة “رفينيتيف”، ومن ثم اتخاذ القرار العملي والصحيح بهذا الأمر.
– لماذا لا نتعلم ونأخذ دروساً عن أمثلة سياسات بعض الدول ومن واقع تجاربها في الدفاع و/أو تثبيت أسعار صرف عملاتها الوطنية مقابل العملات الصعبة، التي كلفتها الكثير والغالي من مواردها الاقتصادية لتستسلم هذه الدول في النهاية، وتقر بفشلها في هذا الخصوص، فهل نتذكر؟
– نعيد ونكرر، بكل أمانة ومصداقية، مطالبين البنك المركزي بالتوقف وإلغاء سياسة “البيع بالمزاد” والإبقاء على النقد الأجنبي الذي بحوزته، راجين العودة إلى دراسة ومراجعة المسببات الرئيسة، كما أوجزت سلفاً، للتهاوي غير المتوقف – Non Stop لسعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي.
– وخلاف هذا، سيستمر الدولار الأمريكي في “الإجهاز” المستدام على سعر صرف الريال ليوصله إلى مستويات تجعل متطلبات الحياة ووسائل البقاء واقعاً مستحيلاً لا سمح الله، وليس محض افتراء