“داعش” في اليمن.. من إمارةٍ إلى مرتزِقة سعودية بتوجيه وأسلحة أمريكية!
“داعش” في اليمن.. من إمارةٍ إلى مرتزِقة سعودية!
متابعات| رصد*:
يُشكّل الموقع الجغرافي اليمني بثقله الاستراتيجي أهميّة لكلّ طرفٍ لديه مطامع في تأسيس دولة، لذلك جعله تنظيم “داعش” الإرهابي الوهابي في سُلّم أولوياته، فضلاً عن أنّ اليمن يُعتبر صاحب تاريخٍ إسلاميٍّ عريقٍ، وكان من ركائز الخلافة الإسلاميّة، وهذا ما جعل “داعش” يسعى لجعل اليمن أرضاً تابعةً لخلافته المزعومة، وعلى الرغم من سقوط مشروعه في سوريا والعراق، إلى أنه لا يزال يحلم أن يسيطر على منطقة كاملة لها في اليمن. بعد تمدّده في العراق وسوريا، بدأ “داعش” يتمدّد إلى دولٍ عربيّةٍ أخرى كانت في خارطة خلافته، وكان في مقدمة هذه الدول العربيّة في غرب آسيا، اليمن؛ حيث الظّروف كانت مهيّأة ً لذلك، بوجود عناصر “جهاديّين”، فضلاً عن انتشار تنظيم “القاعدة” فيها.
في شهر تشرين الثّاني من عام 2014، أعلنت جماعة “مجاهدو اليمن” مبايعتها تنظيم “داعش” وزعيمه “أبي بكر البغدادي” في تسجيل صوتي بعنوان “البيعة اليمانية للدولة الإسلامية”، ولم يُذيّل البيان بتوقيع أيّ جماعة معروفة باليمن الذي ينشط فيه جماعة أنصار “الشريعة”، إضافة لتنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب. ولم يُسجَّل أيّ نشاط ٍأو ظهورٍ لتنظيم “داعش” بعد ذلك حتى حلول آذار/ مارس 2015، حين قام التنظيم في 20 آذار بتفجيرات انتحارية في مسجدي بدر والحشوش في العاصمة صنعاء، ما أدى إلى مقتل 142 يمنياً وإصابة 351 آخرين. ونفّذ “داعش” تفجيرات في 17 حزيران 2015 في مراكز لأنصار الله في شمال -صنعاء باليمن، منها مسجد القبة الخضراء ومسجد الكبسي ومسجد الحشوش، ما أدى إلى سقوط 30 شهيداً على الأقل، وقام التنظيم بنشر صور خمسة عناصرٍ يتبعون له قاموا بتنفيذ هذه العمليات، وكانت هذه أولى المنشورات المصوّرة للتّنظيم.
في نيسان، قام التّنظيم بنشر فيديو أعلن فيه وجوده في اليمن رسمياً، بعنوان “ولاية صنعاء” دعا فيه إلى مبايعة “البغدادي” خليفة للمسلمين، وتوّعد حركة “انصار الله” الحوثيّة بسلسلةٍ من العمليّات. وأظهر الفيديو نحو 20 مقاتلاً، يقومون بإجراء تدريباتٍ عسّكريّةٍ، وقال قائد المجموعة “لقد وصلنا إلى اليمن متعطّشين إلى الانتقام وقطع رقاب الحوثيّين”، وتضمّن ما أسماه كلمة تحريضية لـ”أهل السنة” لإعلان البيعة والنفير إليهم، لاستعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها الحوثيين، على حدّ قوله . بعد ذلك بأيامٍ قليلةٍ، نُشِر تسجيل مُصوّر من قبل عناصر “تنظيم الدولة” في محافظة “شبوة” يُظهِر ذبح عشرة عناصر من أنصار الله، وإعدام أربعة جنود في الجيش اليمنيّ.
ومن جهة أخرى، وبالتّزامن مع ذلك، قام عناصر يتبعون للتّنظيم بمهاجمة نقطةٍ تفتيشٍ عسّكريّةٍ في بلدة “تريم” في محافظة “حضرموت”. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أعلن التّنظيم تبنيه سلسلة هجماتٍ في عدن استهدف عبرها بصواريخ كاتيوشا مقرّ إقامة نائب الرّئيس اليّمنيّ خالد البحاح. وتبنى التّنظيم اغتيال محافظ عدن، اللواء جعفر محمد سعد مع 8 من مرافقيه ، كان ذلك في 2 كانون الأول 2015، إثر استهداف موكبه بسيارةٍ مفخّخةٍ في مدينة التّواهي بمحافظة عدن جنوبي البلاد. كما تبنّى “داعش” أكثر من 25 عمليةً بين تفجيرٍ واغتيالٍ، جرى تنفيذها في أمانة العاصمة صنعاء وعددٍ من المدن الواقعة جنوب البلاد (المكلا، لحج، شبوة وأبين).
وقد أدّت عوامل عدّة لدخول “داعش” إلى اليمن، فقد استفاد عناصره من حالة الفوضى السائدة لتعزيز وجود التّنظيم في هذا البلد وخصوصًا جنوبه. وقد أعلن مسؤوليته عن عدّة اعتداءاتٍ داميةٍ لا سيّما في عدن. في حين ساهمت الحرب التّي شنّها التّحالف العربيّ بقيادة السّعوديّة، في 26 مارس/ آذار 2015، في تعقيد الوضع الحاصل في اليمن، والذي استفاد منه التّنظيم للتوسّع داخل الأراضي اليمنية. ومن العوامل التّي ساعدت أيضاً، و”جود بيئةٍ ملائمةٍ لنشر الفكر المُتطرّف، إذ أنّ “داعش” استغل نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، الذّي تمكّن خلال الحرب اليمنيّة من السّيطرة على مدنٍ ومناطق خصوصاً في جنوب اليمن كمحافظة شبوة، وبدأت خلايا “داعش” بتهيئة بيئةٍ حاضنةٍ لها تستطيع من خلالها نشر فكرها الإرهابيّ الوهابي، لذلك فقد كانت الجماعات المؤسّسة لـ”داعش” في معظمها تتبع لتنظيم القاعدة سابقاً.
ويتقاتل “داعش” مع “القاعدة” في اليمن من أجل السّيطرة على المناطق التّي ينتشر بها عناصر “القاعدة”، وقد أعلن التّنظيم وجوده في مناطق رئيسةٍ في البلاد؛ وهي وشبوة وحضرموت وعدن، وقد ساعد التنظيم قوات العدوان السعودي الإماراتي في حربها ضد اليمنيين. وتُعدّ محافظة شبوة من أبرز المحافظات التّي يتمتّع فيها تنظيمي “داعش” و”القاعدة” بنفوذٍ قويٍّ – حيث تحضر فيها القبيلة أكثر من وجود الدولة – وظلّت المحافظة مهمّشة من قبل الحكومات المتعاقبة في عهد نظام صالح. وهي على مساحة 47728 كم، وتوجد لديها سواحل (مُهملة) استطاع التّنظيمان الاستفادة منها للحصول على تعزيزات السّلاح عبر البحر من جماعاتٍ مماثلة في أفريقيا. و”شبوة” هي المحافظة التّي شهدت عملية إنزالٍ أميركيّةٍ فاشلةٍ أدّت إلى مقتل الصحافي الأميركي لوك سايمنز في وادي عبدان ببلدة نصاب في كانون الأول 2014.
انتشر “داعش” بعد “القاعدة” في محافظة أبين، جنوبي البلاد، والتّي “عُرفت بكونها المعقل الأول لتنظيم “القاعدة” في تسعينيات القرن الماضي، عندما عاد بعض “الجهاديين” من أفغانستان إلى اليمن، وكانوا تحت الملاحقة من السّلطات اليمنيّة حتى اختفوا في جبال المحافظة الوعرة، وهناك أعادوا تنظيم أنفسهم. وكانت المحافظة الأبرز التّي شهدت نفوذاً لتنظيم “القاعدة”، وأعلن عن “إمارات” التنظيم فيها شمل “زنجبار” و “جعار”. وينحدر من أبين عددٌ من القادة البارزين في تنظيم “القاعدة”، بمن فيهم مؤسّس فرع “قاعدة جزيرة العرب”، في اليمن، “ناصر الوحيشي” (أبو بصير) والذي قُتل في غارةٍ أميركيةٍّ عام 2015، بالإضافة إلى القياديّ “جلال بلعيدي المرقشي”، والذي قُتل في شباط 2016 بغارة أميركية أيضاً.
أمّا في محافظة البيضاء، فقد دخل التّنظيم في معارك شرسةٍ ضدّ “القاعدة”، ويعود تَفَجُّر الاشتباكات في محافظة البيضاء دون غيرها لجملةٍ من العوامل والاعتبارات، يعتبر أبرزها موقع هذه المحافظة الجغرافيّ المُهمّ والحسّاس في وسط البلاد، وقربها من منابع إنتاج النّفط في محافظتي مأرب وشبوة، وتضاريسها الجغرافيّة الصّعبة؛ ممَّا يجعلها بيئةً مناسبةً لتمركز عناصر “القاعدة” و”داعش”.
كما “تُعد الكثير من مناطق البيضاء، من النّاحية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، مناطقَ نائيةً ومعزولةً، وتفتقر إلى أبسط الخدمات الضروريّة، حيث أن سلطة القانون وهيبة الّدولة فيها غائبةٌ، ومعظم السّكان يعانون ظروفاً اقتصاديًّة بالغة الصّعوبة والقسوة، والجهل والأمية فيها متفشية، كما تنتشر فيها الثارات والمظالم الاجتماعيّة، وكل تلك المعطيات توّفر البيئة والظّروف المؤاتية لـتنظيمي “داعش” و”القاعدة” لاستقطاب الأنصار والمجنَّدين.
ويتواجد “داعش” أيضاً في حضرموت، حيث يسعى ليرث القاعدة في هذه المحافظة الخارجة عن سيطرة الدّولة، وقد دخل عشرات العناصر من “داعش” في كانون الثاني 2015 إلى حضرموت. وتبنّى التّنظيم ، العمليّة الانتحاريّة التي وقعت نهار الأحد 15 أيار واستهدفت تجمعاً لمجندين جدد في أحد المعسكرات بمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت شرق اليمن، ما أدّى إلى سقوط 25 قتيلاً ونحو 65 جريحاً. وخلال العامين 2015 و2016، سيطرت عناصر إرهابية على مدينة المكلا. وكان تنظيم “القاعدة” قد فرض سيّطرته على العديد من المباني الحكوميّة في المدينة، بما في ذلك القصر الرئاسيّ ومقرّ المنطقة العسّكرية الثّانية؛ و”حرّر 300 سجينٍ من السجن المركزيّ بالمكلا. كما وقام بمهاجمة مقرّ شرطة المكلا ومبنى الإدارة المحليّة لمحافظة حضرموت، التي تقع شرق اليمن، وتحتل 36 % من مساحتها، وتتكوّن من 30 مديرية، وعاصمتها المكلا، وتحدّها شمالاً المملكة العربيّة السّعوديّة، وجنوباً بحر العرب، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحدود 794 كيلو متراً. وتحوّلت المكلا إلى دويلة يحكمها تنظيم “القاعدة” الذّي دخل بمعارك شرسة مع “داعش” من أجل السّيطرة. وإذا كانت الرّقة هي المدينة السّوريّة التّي اتخذتها “داعش” عاصمةً لها، فإنّ “القاعدة” حاولت أن تتّخذ من المكلا السّاحلية في جنوب شرق اليمن، والتّي يقطنها نصف مليون نسمة عاصمةً لها، وقد دخل تّنظيم القاعدة في نزاع مع “داعش” من أجل السيطرة على هذه المدينة” .
يحاول تنظيم “داعش” التّأثير في المشهد العسّكريّ في اليمن مستغلاً حالة الفراغ الأمنيّ النّاشئة بسبب المعارك، فضلاً عن وجود حالةٍ من انعدام الأمن والاستقرار في البلاد، نتيجة الحرب التّي تشنّها السّعودية على اليمن، وأدّت إلى تدمير هذا البلد ودمّرت بنية الدّولة اليمنيّة، ويسعى التنظيم بين الحين والآخر إلى الظّهور فاعلاً رئيساً عبر الهجمات الإرهابيّة، فضلاً عن القتال إلى جانب قوات العدوان السعودي في أكثر من منطقة، وهو ما يظهر في بعض الأحيان أن داعش الذي كان له مشروعه في اليمن لضمه سابقاً إلى “دولة الخلافة” التي سقطت، تحول حالياً إلى ورقة في يد السعودية لقتال اليمنيين.
* موقع الخنادق| د. علي مطر