خياراتُ السعودية في اليمن بعد هزيمتها: أحلاها مُرٌّ!
خياراتُ السعودية في اليمن بعد هزيمتها: أحلاها مُرٌّ!
متابعات| تقرير:
جاءت عملية توازن الردع الثامنة التي أعلن عنها المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع والتي استهدفت العمق السعودي بـ 14 طائرة مسيّرة أصابت مطار الملك عبد الله في جدة وشركة أرامكو في الرياض ومطار أبها في الجنوب، لتضع السعودية أمام فصل جديد، بالتوازي مع غياب رؤيتها السياسية والاستراتيجية للمرحلة المقبلة المبنية على الوقائع، والتي تشير فعلياً ان الرياض قد خسرت حتى القبائل التي استمالتها طيلة عقود بعدما أمعنت في تجويعها وقتلها وتشريدها ثم استخدامها كدروع بشرية خاصة على تخوم مدينة مأرب.
مع وصول الصواريخ اليمنية والمسيرات غير مرة إلى العمق السعودي واستهداف المنشآت الحيوية السعودية، يمكن القول ان عزل الميدان اليمني والعمليات العسكرية فيه عن الداخل السعودي أصبح أمراً مستحيلاً، رغم ان الرياض، وعندما قررت شن الحرب على صنعاء، كانت تعوّل على إمكانية عزل واستبعاد الساحة السعودية عن الاستهداف وبالتالي قصور القدرات العسكرية اليمنية عن تحقيق أي انجاز نوعي في الداخل. غير ان الواقع لم يكن كما تمنّته الرياض، فإذا ما حددنا المناطق التي استهدفت أخيراً ما بين الرياض وأبها وجدة والمنطقة المحيطة بها، نكون أمام مثلث تجاوز 800 كلم، بين الجنوب السعودي والبحر الأحمر والوسط الشرقي، وهو بمثابة مسرح مفتوح أمام مسيّرات الجيش واللجان الشعبية، لم تستطع المملكة ان تردعها او تعرقلها او تمنعها من إتمام عملياتها بنجاح.
ورقة أخرى خسرتها الرياض في اليمن، وهي التي عملت طيلة سنوات مضت على إنفاق مبالغ طائلة لكسبها، وهي بعض القبائل في المناطق الجنوبية، وبناء بيئة حاضنة لها. غير انها مع اشتداد وطيس الحرب والخوف المتزايد من خسارة المواقع، كانت هذه القبائل من أكثر الأطراف التي دفعت ثمن تحالفها وائتمانها للسعودية، والتي اتهمتهم بالخيانة وعدم القتال بالشكل المطلوب، الأمر الذي دفع أبناء القبائل بالتخلي عن التحالف والاستجابة للمبادرة التي أطلقها قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لتحييد مناطقهم عن العمليات العسكرية وبالتالي “كفرهم بالتحالف وبمشروعه” الذي لم يأتِ عليهم إلا بالخراب.
أمام هذا الواقع، وما يرافقه من ابتزاز سياسي ومالي تمعن الولايات المتحدة بتأديته، تذهب السعودية إلى المفاوضات، وبالتالي القبول بأدنى سقف يطرح على الطاولة رغم التصعيد الإعلامي الكبير الذي قد تقدم عليه كضروريات الذهاب إلى هذه الخطوة.
من جهة أخرى يمكن القول أن المرحلة المقبلة أمام خيارين:
-ان تذهب البلاد لفترة انتقالية وبالتالي تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف، وحركة أنصار الله بطبيعة الحال وتكون السعودية بذلك قد منيت بخسارة أولى أهدافها، وهو عزل هذه الحركة واستبعادها، بل انها ستضطر على الاعتراف بها كمكون فاعل في الدولة اليمنية أثبت حضوره الواسع على الأرض.
-تحرير الجيش واللجان الشعبية لمزيد من المحافظات بعد تحرير مأرب والوادي، ثم شبوة بالإضافة إلى عدد من المناطق الاستراتيجية الأخرى، وتكون الرياض بذلك قد وصلت إلى قناعة “عدم الجدوى بالاستمرار في الحرب” لارتفاع تكلفتها السياسية والاقتصادية مع كل يوم إضافي، وبالتالي اتخاذ قرار وقف الحرب، مقابل تحقيق بعض المكاسب كتوقيع اتفاق تحيد السعودية بموجبه عن الاستهداف، خاصة شركة أرامكو، وتجديد العلاقات مع الرياض وضمان قرار لها في الحياة السياسية اليمنية المقبلة.
مع استبعاد خيار انفصال الدولتين، تبقى السعودية امام أحد الخيارين الذي يشوب كل منهما عدد من التحديات أيضاً. فعلى ضوء المعادلات التي فرضتها حكومة صنعاء أصبحت السعودية أمام اختبار صعب لتجاوز أزمتها، مع إصرار الولايات المتحدة على إنهاء الحرب بأقرب وقت غير مهتمة بشكل أساسي على وضع الرياض فيها. وبالتالي فإن خيارات السعودية في اليمن أحلاهما مر، وعلى الرغم من ذلك لا يمكنها ان تتفرد بقرار خلاصها.
وكانت السعودية قد شنّت حربًا على اليمن في آذار عام 2015 دعماً للرئيس المنتهية ولايته منصور هادي، أُطلق عليها اسم “عاصفة الحزم”، وقد شارك فيها العديد من الدول الخليجية والعربية ضمن تحالف تقوده الرياض، إضافة للدعم اللوجستي والاستخباري من الثلاثي الأميركي- البريطاني-الإسرائيلي، حيث انتهك التحالف خلالها القوانين الدولية والإنسانية، وارتكب فظائع وجرائم حرب بحق المدنيين.
* موقع الخنادق