الولاياتُ المتحدة الأمريكية: “أُمَّــةٌ تترنَّح”
نظّرت أميركا لنفسها بأنها “الأمة غير المُستغنى عنها” لقدرتها على حل الصراعات الدولية
متابعات| تقرير:
عقب انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وانتهاء الحرب الباردة، كان يُنظر إلى الولايات المتحدة الأميركية على أنها القوة الوحيدة المُهيمنة على النظام الدولي، الذي عملت على تأسيسه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد نظّرت أميركا لنفسها بأنها “الأمة غير المُستغنى عنها” لقدرتها على حل الصراعات الدولية، والدولة القادرة عل تقديم الدعم للدول المأزومة.
ركزت الولايات المتحدة على مفهوم القوة الناعمة الأميركية. ففي كتب فرانسيس فوكاياما كتابه الشهير “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” وزعم فيه أن انهيار الاتحاد السوفياتي يعني انتصاراً نهائياً للنموذج الغربي، وأن النموذج ونمط الحياة الغربي هو الذي سيسود العالم، متوقعاً أن يكون هذا النموذج وسيادته إعلانًا لانتهاء سيرورة التطور الثقافي – الاجتماعي للبشرية.
كما أن أي دراسة متعمقة لواقع النفوذ الدولي، قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي، كافية لكي تكشف أن نفوذ الاتحاد السوفياتي وحضوره الدوليين لم يهزما أو يتراجعا أمام تمدد نفوذ الولايات المتحدة المستند إلى قوتها الناعمة. بعبارة أخرى، لا توجد مؤشرات جدية على أن الناس والدول، حتى قبيل سقوط الاتحاد السوفياتي، فضلوا النموذج الغربي على النموذج الشيوعي.
ولكن وبعد عقدين ونيف من التفرد الأميركي دولياً، أضحت الولايات المتحدة ” أمة مُستغنى عنها” وقوتها وصورتها الدولية في تراجع، فضلاً عن الإخفاقات المتتالية لسياستها الخارجية التي كانت أكثر اعتماداً على القوة الصلبة في معالجة تحديات الأمن والاستقرار الدوليين، والمصالح والأمن القومي الأميركي.
فشل في حربي أفغانستان والعراق
بدأ التراجع الملحوظ الذي لحق بالولايات المتحدة خلال إدارتي جورج دبليو بوش (2001 – 2009) التي أخفقت في العديد من مناطق النزاع والتوتر، ويأتي في صدارة الإخفاقات والتأزم الأميركي في العراق والتي رأى الكثير من الاميركيين أن “حرب العراق كانت غير ضرورية”. واليوم يظهر جلياً أن الولايات المتحدة خاضت حرباً ضد تنظيم “القاعدة” وحركة الطالبان، لكنها فشلت في أفغانستان، وها هي حركة طالبان تعود إلى السلطة باتفاق وتفاهم مع الاميركيين.
4 الى 6 تريليون دولار حجم الإنفاق الأميركي في أفغانستان والعراق
ولقد ورد في تقرير صادر عن خدمات أبحاث الكونغرس أن تكلفة العمليات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان خلال خمسة عشر سنة تقريبا ما يقارب 1.6 تريليون دولار أميركي، بينما أشارت دراسة صادرة عن جامعة هارفارد أن تكلفة الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان تتراوح ما بين 4 و6 تريليونات دولار أميركي.
رغم كل هذه التكلفة، التي اثقلت كاهل دافعي الضرائب الاميركيين، لم تتمكن أية إدارة أميركية من تحقيق أي هدف من أهدافها من تلك الحربين، وحتى الهدف المزعوم بنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
لا شك أن ميل السياسة الخارجية الأميركية كان الى الاعتماد المفرط على القوة الصلبة، لكونها المصدر المباشر والواضح للقوة الأميركية.
وفي العقود الاخيرة واجهت الولايات المتحدة تحدي الانقسام في مؤسسات صنع السياسة الخارجية، فيما واجه الأمن القومي تحديات داخلية.
حروب أمريكا بالإنابة
وبالرغم من ذلك لم تستسلم الولايات المتحدة الأميركية فذهبت الى:
-الرهان على ما أسمته “الفوضى الخلاقة”.
-استخدام القوة الناعمة، حيث أنها تعتقد أن النموذج الليبرالي محط آمال الدول الأخرى.
-الحروب بالإنابة بديلاً لأي تدخل مباشر من قبل القوى العسكرية الأميركية.
واتضح أن استخدام القوة الصلبة أصاب الولايات المتحدة بالترهل، عدا عن أن جائحة كورونا كشفت الضعف والمشاكل في بنية الداخل الأميركي، كما أن انشغالها بالحروب جعلها تهمل الحالة الداخلية، والأهم فيها الخدمات الصحية، كما ذكر في تقارير عن خسائر جائحة كورونا. وهكذا باتت الولايات المتحدة “أمة مُترنحة” في وقت بات فيه النظام الدولي أكثر توازن في ظل التعددية القطبية، مما يساعد في لجم القوة الصلبة الأميركية.
* موقع الخنادق| نسيب شمس