كل ما يجري من حولك

طفحُ الكيل من تحالف لا يستحي

ما أراه ملزماً للحياد أن أضعَ طرفَي الصراع الخفي حول اليمن ضمن هذه المعادلة، وللمتابع الحُكْمُ بحياديةٍ؛ حتى لا نزيّفَ وعيَ الناس

789

 

أ. د. عبدالله المقالح*

ليس دفاعاً عن أنصار الله أَو إيران، أَو تعدياً على التحالف و”الشرعية”، لكن ما سأكتبه ليس إلا متابعات لمهتمٍّ محايدٍ، نقلها بلُغةٍ بسيطةٍ مباشرةٍ، لا حذاقةَ للقلم فيها.

ولعل ما أراه ملزماً للحياد أن أضعَ طرفَي الصراع الخفي حول اليمن ضمن هذه المعادلة، وللمتابع الحُكْمُ بحياديةٍ؛ حتى لا نزيّفَ وعيَ الناس.

– إيرانُ التي يعاديها تحالُفُ “الشرعية”، هي اليومَ الداعمةُ للمقاومة الفلسطينية ضد العدوّ الإسرائيلي، وهو مؤشِّــرٌ مفصليٌّ لقضايا الأُمَّــة المصيرية.

– التحالف السعوديّ الإماراتي بشقَّيه:

الإماراتُ دفعت بكُلِّ ثِقَلِها للاعتراف بكيان الاحتلال الصهيوني “إسرائيل”، وتبادلت معها علاقاتٍ استراتيجيةً سياسيةً واقتصادية، وتطبيع أوحى للمتابعين لهذا الشأن أن العلاقات لم تكن وليدةَ إعلان، بل كانت عملًا سريًّا أخذ وقتًا طويلًا.

– السعوديّة، قال عنها الرئيسُ الأمريكي السابق دونالد ترمب: (لولا السعوديّةُ لكانت “إسرائيل” في ورطة كبيرة)..

– التحالُفُ السعوديّ الإماراتي مكنا “إسرائيل” من الهيمنةِ على البحر الأحمر، وبحر العرب باستيلائهما على جزيرة سُقطرى وجزيرة ميون على مدخل باب المندب، والآن شركةٌ “إسرائيلية” تعمل على توسعة مطار سُقطرى.

– تقاسم التحالُفُ السعوديُّ الإماراتيُّ بشقَّيه مناطقَ النفوذ في اليمن، تمّ بموجبه تعطيلُ موانئنا، وثرواتنا، وترتَّب على هذا إحداثُ أزمة إنسانية لم يسبقْ لها مثيلٌ في التاريخ.

– لم تدخل اليمنُ في حربٍ مع إيران تاريخيًّا، بل كانت إيرانُ سندًا وداعمًا أَسَاسيّا في إخراج المحتلّين الأحباش من اليمن، وتحملوا بعدها تبعاتِ استعانتهم.

– السعوديّةُ على علاقة متوترةٍ وعداءٍ مُستمرٍّ مع اليمن أدخلتهما في حروب ما زال صداها وتأثيرُها المدمّـِرُ علينا حتى اليوم.

بل إن عداءَ المملكة لنا في مرحلةِ السلم، إن لم يكن معادِلاً له في وقت الحرب، فقد كان هذا العداء شديداً وقاسياً في مرحلة السلم.

ومن متابعاتي لمواقف المملكة تجاه بلادنا كما أكّـدت ذلك مراراً، في تاريخنا القريب، أجدُها دائماً ما تتخذُ سياسةَ الاحتقار والتجويع والحصار والتضييقِ على منتجاتنا ومغتربينا وعَمالتنا واقتصادنا في أجواءِ السلم، حتى نعانيَ من الفاقة، ونصابَ بالوجع، ثم تهيء لنا أسبابَ الحرب، فنتحارب، وَإذَا ما تحاربنا ودخلنا مرحلةَ الاحتضار تهيئةً للموت تتخذُ سياسةَ الإنعاش لنا بالمبادرات، لا لنعيشَ بل لنذوقَ العذاب، ولا نجدُ مَعْلَماً لطريق.

– وآخرُ ما تروِّجُ له بعضُ وسائل الإعلام السعوديّ الإماراتي هو الطعنُ بأعراضنا وأصولنا، وصل حَــدَّ الدعوةِ لتقطيع آذان اليمنيين الذين هربوا من الحرب وذهبوا إلى المملكة بحثاً عن الرزق، وأن اليمنَ لا عروبةَ لها، وفتح الهندي ضاحي خلفان سلسلةً من المنشورات التي تنكِرُ عُرُوبةَ اليمن، وهو إنكارٌ لأصول الأُسرة الحاكمة في الإمارات لو كانوا يعلمون.

– الإعلامُ الموجَّهُ من التحالف والشرعية مُجَـرَّدُ “مجابرة” لا يقنعُ قاضياً في محكمة ابتدائية، ولا يرتكزُ على أَسَاس، سوى الخطاب العروبي الذي استهلك ومات أمام مواقف الثورة الإيرانية التي أنزلت عَلَمَ “إسرائيل” من سفارتها في طهران، ورفعت عَلَمَ فلسطين، وما زال موقفُها من القضية الفلسطينية مشرِّفاً حتى اليوم، أنقُلُ هذا الموقف عن إسماعيل هنية، وهو المعنيُّ وليس عن طهران.

ولعلَّ أحدثَ ما عمله العربُ، وليس إيران، في شأنِ القضيةِ الفلسطينية هو “صفقة القرن”، والتي تمّ بموجبها وضعُ آخر مسمارٍ في نعش الجامعة العربية.

– أَمَّا الخطابُ الديني، فقد تعايَشَ اليمنيون شيعةً وسُنةً على مر التاريخ، وأنا شخصيًّا كطالبٍ في مدرسة الأيتام في صنعاءَ تربيت على مذهب الإمام زيد في المدرسة وفي الجامع الكبير، ولم أعرفْ أنني زيديُّ المذهب إلا عندما التقيت بزملائي من الطلاب السعوديّين في دراستي للدكتوراه بجامعة انديانا في الولايات المتحدة عندما لاحظوا علي السربلة في الصلاة أَو عند انتقادي لهم بمسحِهم على الحذاء والصلاة بها، وهذا يؤكّـدُ حقيقةَ أن المذهبيةَ بعد ستينيات القرن الماضي في اليمن كانت قد ابتعدت أن تكون مبعثاً للصراع.

طفح الكيل.

– علَّمنا التاريخُ أن مَن خرج من بلاده حاكماً لا يعود، خَاصَّةً لو آثر رفاهيةَ العيش وأصبح الوطنُ عنده وِجهةَ نظر، وصدق المَثَلُ “مَن غاب، غاب اسمُه”.

– ما صنعه أنصار الله “الحوثيون” أنَّهم صدقوا مع قواعدهم، فأسّسوا حركةً خاضوا خلال عشر سنوات حروباً ستاً، وانتزعوا سلطة، وهو هدف لكل حزب أَو جماعةٍ في عالمنا العربي في الوصول إلى السلطة تحت أي مسمى إلا مسمى الديمقراطية ونزاهة الانتخابات، والحديثُ عن الديمقراطية والانتخابات مثلاً في بلادنا، فَـإنَّ تجربتي معها مريرةٌ، فقد كانت انتخابات يقرَّرُ نتائجَها سلفاً، ما عُرِفَ بثنائية (أنت شيخي وأنا رئيسك).

أخيرًا أقول:

لو صنعت هذه الشرعيةُ “المعترَفُ بها دوليًّا” ومعها التحالف ومن ورائهم أمريكا والغرب، أمرين فقط لألجمت أفواهَنا قبل أقلامنا، وهما صرفُ مرتبات موظفي الدولة، والقضاءُ على المجاعة التي يموتُ الناسُ اليوم فيها جوعاً في بيوتهم.

‏* عضو مجلس النواب السابق عن حزب التجمع اليمني للإصلاح، ورئيس نقابة جامعة صنعاء السابق.

 

You might also like