مؤتمر التحالف..مشتَّت في فنادق المنفى وضيف غير مرغوب في بلاده (تقرير)
متابعات- تقرير
منفيٌّ ومشرَّد ومنقسم، مثله كمثل هادي وحكومته، ذلك هو برلمان البركاني، وحتى يكون التوصيف أكثر دقةً، فهم مجموعة من أعضاء البرلمان الذين غادروا أرضهم وتوزعوا في عدد من العواصم العربية، وتحديداً في عواصم دول التحالف، حسب ميولهم وولاءاتهم لتلك الدول، ولم يغادروا البلاد مطرودين أو مهجّرين قسراً بل حسب توجيهات التحالف وفقاً لخارطة مصالحه، ووجوب امتلاكه للشمَّاعة التي علق عليها كل مبررات تدخله في اليمن، والمتمثلة في إعادة شرعية عبدربه منصور هادي وحكومته، وكان البرلمان إحدى تفريعات تلك الشمَّاعة.
عام 2019م -أي بعد أكثر من أربعة أعوام على فرار هادي وحكومته- أدرك متأخراً أن من فروا معه من أعضاء البرلمان يجب تجميعهم واختيار رئيس لهم ليكونوا بذلك برلماناً شرعياً له رئيس ونواب، ولأن هذه المؤسسة التشريعية المهمة لا تلتئم ولا تنعقد إلا في أرضها وباكتمال نصابها القانوني، كان من الفاضح الإقدام على خطوة الانعقاد في الرياض أو القاهرة أو أبوظبي، على سبيل المثال، فتقرر انعقاد أولى جلسات ما أطلقوا عليه البرلمان، رغم أن الأعضاء الذين توفروا كانوا بدون رئيس حتى يُطلق عليهم ذلك الوصف، لكن فصول المسرحية اقتضت انعقاد أول جلسة في عدن باعتبارها العاصمة المؤقتة، إلا أن ذلك تعثَّر أيضاً نتيجة رفض المجلس الانتقالي الجنوبي، ومكونات جنوبية وفئات كثيرة معارِضة لفكرة الانعقاد في عدن.
تقرر عقد أولى جلسات برلمان هادي في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، الأمر الذي قوبل بحالة من الغضب الشعبي الرافض للفكرة، إلى درجة أن مدينة سيئون شهدت عصياناً مدنياً عطل كل مظاهر الحياة فيها، بعد مرحلة من المسيرات الصباحية والمسائية التي رفضت قطعياً انعقاد البرلمان في المدينة، لكن القوات السعودية التي كانت قد توافدت إلى المدينة بحُجة تأمين انعقاد الجلسة، مع قوات ألوية الحماية الرئاسية التابعة لهادي؛ أطلقت الرصاص بوجه المتظاهرين وقمعت مسيراتهم الاحتجاجية، وقُبيل الانعقاد منعت تلك القوات مواطني المحافظات الجنوبية من دخول مدينة سيئون للمشاركة في الاحتجاجات الرافضة لانعقاد الجلسة، وحمَّل ناشطون جنوبيون -حينها- المحافظ البحسني الذي تولى عملية الإشراف على النقاط الأمنية وتوجيهها بمنع دخول المواطنين إلى سيئون، مسؤولية ما اعتبروه موقفاً سيئاً ضد أبناء الجنوب وإرادتهم. وكانت الجلسة قد انعقدت بنصاب غير مكتمل في ذلك السبت الذي وافق 13 أبريل 2019م، ولم تتمكن الستارة الخلفية أن تخفي فراغ القاعة، حسب تعبير سياسيين وناشطين جنوبيين.
في الجلسة التي انعقدت بسيئون، فُرِض “البركاني” -بضغط إماراتي- رئيساً على مجموعة الأعضاء الذين شكلوا البرلمان، وبعد انتهاء الجلسة لم يعد هناك برلمان ولا نواب ولا رئيس، فالكل عاد إلى منفاه، أمام سُخرية واستخفاف الجميع بتلك المسرحية الهزيلة التي حاولوا من خلالها إقناع الرأي العام بأنهم شرعيون وأهل لإدارة البلاد التي لم يسعفهم الوقت لتتعفَّر أقدامهم بترابها. بعد الجلسة التي لم يكتمل نصابها عاد كلٌّ إلى الجناح المخصص له في فندق بالرياض أو القاهرة، وربما كان الجميع على يقين بأن كل تلك الترتيبات والإعدادات لم تكن من أجل البلاد ولا مصالحها، وإنما اقتضتها مصالح الرياض وأبوظبي في المحافظات اليمنية التي قسموها بينهم من حيث المواقع الاستراتيجية ومناطق الثروات، فمن ينبغي بقاؤهم من أبناء الأرض الذين عقدوا جلسة برلمانهم المتخيَّل غادروا، وبقيت القوات السعودية والطائرات الإماراتية التي لا تبرح سماء الجنوب.
كان رفض انعقاد جلسة البرلمان في سيئون رأياً وموقفاً اجتمع عليه غالبية أبناء الجنوب، بكل فئاتهم؛ إذ اعتبروه انتهاكاً لدستور الجمهورية اليمنية، الذي ينص على أن البرلمان لا ينعقد إلا في العاصمة، فيما اعتبره آخرون كارثة وفضيحة لعدم اكتمال النصاب القانوني للانعقاد.
وفي الوقت نفسه، اعتبر سياسيون جنوبيون انعقاد الجلسة جريمة بحق الجنوبيين، حيث وصفوا البركاني -الذي فُرِض رئيساً للبرلمان- بأنه أكثر الشخصيات عِداءً لأبناء الجنوب. من جديد عاد البركاني للبحث عن مكان يعقد فيه جلسة لبرلمانه، ربما للتذكير بأنهم مازالوا موجودين بعد جلستهم اليتيمة في 2019م، وبالطريقة نفسها التي تنفي عنهم أي صفة شرعية أو قانونية، تقدَّم البركاني بطلب إلى السلطات السعودية للسماح لهم بعقد جلسة للبرلمان في سيئون أو مأرب، يمنحون الثقة خلالها لحكومتهم، وبعد أن استبعد الجانب السعودي مدينة مأرب وعدَهم ببحث موضوع الطلب لعقد الجلسة في سيئون، واشترط السعوديون أن يُعِدَّ البركاني وأعضاء برلمانه جدول أعمال مسبقاً وعرضه عليهم، وأن يلتزموا بعدم الخروج عنه، وأهم شروطٍ وضعها الجانب السعودي ألَّا يُطرح أي حديث عما يجري في جزُر سقطرى وميون أو في محافظة المهرة، وإجمالاً لا يتم التطرق لأي حديث يثير مواضيع تضر بمصالح التحالف، ويبدو أن السعودية قبلت جدول الأعمال بدليل وصول البركاني للبحث في حضرموت وفي المهرة عن مكان وعن حاضنة مجتمعية لعقد جلسة برلمانه، حيث تؤكد المؤشرات أن كل محافظات ومدن الجنوب ترفض استقبال البركاني وانعقاد برلمانه، خصوصاً بعد استفزازه لأبناء المهرة حين صرح لقناة العربية التابعة للسعودية بمباركته للتواجد العسكري السعودي في المحافظة، بشكره ما تقدمه الرياض للمهرة فيما وصفه بمجال التنمية والإعمار.
ويتساءل مراقبون عن أي شرعية يتحدث البركاني، وأي برلمان يمتلك تلك الصفة وقرار انعقاده مرهون بيد دولة أخرى ومشروط بقبول جدول أعمال حسب ما تقتضيه مصالح تلك الدولة؟! في وقت ينعقد بانتظام مجلس النواب في صنعاء، بنصاب قانوني مكتمل، ويتخذ كل قراراته من داخل الأرض اليمنية حسب ما ينص عليه دستور الجمهورية اليمنية بهذا الشأن.
المصدر – وكالة عدن الإخبارية