طالبان على أبواب كابول.. وقلق دولي من إنهاء مكتسبات عقدين من الاحتلال الأمريكي
متابعات- سبأ
مع تزايد نفوذ حركة طالبان في أفغانستان إثر انسحاب القوات الأمريكية منها، ووسط مخاوف بعودة طالبان للحكم وإنهاء مكتسبات عقدين من الاحتلال الأمريكي.. سقطت مزار شريف مساء اليوم السبت، بأيدي مسلحي طالبان وفرت القوات الحكومة باتجاه أوزبكستان، فيما بدأت موجات من محاولات الهجرة القانونية وغير القانونية بين المواطنين الأفغان.
ونقلت وكالة أنباء “رويترز” عن مسؤول أفغاني محلي مساء اليوم، قوله: إن حركة “طالبان” استولت على مدينة مزار شريف الشمالية، وأن القوات الحكومية فرت باتجاه الحدود مع أوزبكستان.
وقال رئيس مجلس محافظة بلخ أفضل حديد: إن “طالبان” سيطرت على مزار شريف”.. مضيفا: إن المدينة سقطت على ما يبدو دون قتال، وترك الجنود معداتهم وتوجهوا نحو المعبر الحدودي.
وتابع قائلا: “جميع القوات الأمنية غادرت المدينة رغم استمرار الاشتباكات المتفرقة في أطراف المدينة”.
هذا وتواصل حركة “طالبان” بوتيرة متصاعدة زحفها العسكري الرامي إلى إحكام قبضتها على عموم أراضي أفغانستان.. وبحسب آخر المعطيات، تسيطر “طالبان” حاليا مراكز 21 على الأقل من أصل الولايات الأفغانية الـ34.
الرئيس الأفغاني أشرف غني سارع إلى الإعلان اليوم، عن بدء مشاورات داخل الحكومة ومع الشركاء الدوليين لإيجاد حل سياسي سريع يضمن السلام والاستقرار في أفغانستان.
ونقلت وكالة لصحافة الفرنسية عن غني في خطاب وجهه للشعب الأفغاني، قوله: “بدأت المشاورات وهي تتقدم بسرعة داخل الحكومة مع المسؤولين السياسيين والشركاء الدوليين لإيجاد حل سياسي يضمن توفير السلام والاستقرار للشعب الأفغاني”.. لافتاً إلى أن إعادة تعبئة القوات الأمنية والدفاعية هي على رأس الأولويات.
وأضاف “لن أدع الحرب المفروضة على الشعب أن تتسبب بمقتل المزيد من الأبرياء وبضياع المنجزات التي تحققت خلال السنوات العشرين الماضية وتدمير المعدات العامة واستمرار عدم الاستقرار”.
وكان مسؤولون أفغان أعلنوا في وقت سابق اليوم أن حركة طالبان سيطرت على ثاني وثالث أكبر مدن أفغانستان في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من احتمال تعرض العاصمة كابول لهجوم كبير خلال أيام قليلة.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تسارع سيطرت الحركة خلال الآونة الأخيرة على مساحات واسعة من البلاد، ومع إعلان الإدارة الأمريكية سحب جنودها من أفغانستان بعد احتلال دام نحو عقدين من الزمن واستنزف أفغانستان بشكل كامل وأدخلها في دوامة الفوضى والعنف.
ففي الـ11 من سبتمبر عام 2001م هاجمت طائرتان مدنيتان برجي مركز التجارة العالمية، في قلب نيويورك، وثالثة هاجمت مقر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” في واشنطن، وسقط في الحادث نحو 2973 شخصاً، واختفى 24 آخرون، بالإضافة إلى آلاف الجرحى، ونقلت أجهزة التلفزة حول العالم الحدث بشكل مباشر.
آنذاك.. ارتجَّ العالم، ولم يتصور زعماء العالم أن تكون الولايات المتحدة “الصهيونية” هي من فعل ذلك، ولم يجرؤ أحدٌ على اتهامها بتدمير نفسها بيدها، وسرعان ما خرج الرئيس الأمريكي بتصريح رسمي مفتعل أيضاً، اتهم فيه حركة طالبان بتنفيذ العملية، بواسطة 19 من عناصرها عبر طائرات مختطفة.
وتوجهت الأساطيل الأمريكية بسرعة هائلة، لتحتل أفغانستان، وتسقط حركة طالبان، ولم تكن طالبان هي الهدف الحقيقي للإدارة الأمريكية، بل كان الإسلام هو الهدف الحقيقي من وراء أكبر مكيدة سياسية في التاريخ الحديث.
ومن اليمن.. وتحديداً جبال مران في صعدة، برز الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي الذي كان يرى الأمور واضحة وجليّة، ولم يكن يراها كما يراها زعماء العالم، وخاصة زعماء وملوك وقادة العالم العربي والإسلامي، الذين سيطر عليهم القلق، وتملّكهم الخوف على كراسيهم ومناصبهم، لذلك سارعوا إلى التقرب من أمريكا، وتركوها تخوض في عالمنا الإسلامي، وكأنهم فقط يريدون تبرئة أنفسهم من التهمة التي قد توجهها إليهم أمريكا، وإلى أنظمتهم وشعوبهم، باذلين في ذلك إراقة ماء وجوههم.
وسرعان ما تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بالسطو على رؤوس أموال دول وكيانات تجارية واقتصادية ورجال أعمال، عربية وإسلامية، حتى ولو كانت عبارة عن ودائع في بنوكها، لتغذية الحرب وإمدادها، واستغلال حالة الفزع التي سيطرت على هذه الزعامات المنبطحة، وتحول التاريخ إلى مجرى آخر، حيث شعرت فيه أمريكا بنشوة السيطرة، فازداد جشعها، وتضاعفت وحشيتها.
حينها أدرك السيد القائد الخطر الأمريكي قبل الجميع، وبدأ يحذر الأقربين، منذ اللحظات الأولى لخروج الرئيس الأمريكي بذلك التصريح المفتعل، آملاً في أن يصل صوته وتحذيراته إلى أبعد مدى ممكن.
وقال السيد حسين: إن “الخطر على الأمة الإسلامية جمعاء، وعلى البشرية أيضاً”.. منبهاً على أن “العدو الحقيقي لأمريكا والصهاينة ليست طالبان، فهي صنيعتها، بل هو حزب الله في لبنان، وإيران، وإنما قامت أمريكا باستهداف طالبان بالتحديد، لتغذي إرهاب طالبان، فالعرب بسطحيتهم، سيتوجهون للانضمام لطالبان عندما يرون أنها تُستهدف من قِبَلِ أمريكا، وستتنامى حركة طالبان، ومثيلاتها المتفرعة من الوهابية، حتى تصير يداً عملاقة، يمكن لأمريكا أن تضرب بها الإسلام، بينما هي تحاربها وتتهمها أمام المجتمع الدولي”.
حركة “طالبان” أصبحت اليوم قاب قوسين أو أدني فهي تبعد حوالي 50 كيلومتراً عن العاصمة الأفغانية كابول أو أقل، وواشنطن ترسل إلى أفغانستان 3000 جندي أمريكي لردع الحركة التي غنمت أسلحةً أمريكية كبيرة كانت بحوزةِ القوات الحكومية الأفغانية، فيما سارعت دولٌ أوروبية إلى سحب أفرادها.
ويشار إلى أنه لم يتحقق شيء من الأهداف المُعلنة لواشنطن في أفغانستان، وهي: “محاربة الإرهاب”، و”تثبيت الاستقرار”، الأمر الذي يفضي إلى الخلاصة بأن فشلاً استراتيجياً رافق أمريكا وحلفائها في هذا البلد.
وفي 1 يوليو المنصرم، اختصر الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، المشهد بقوله: إنّ “من أتى إلى هنا منذ 20 عاماً بحجة مكافحة التطرف والإرهاب، لم يتمكنوا من القضاء عليهما، بل وازدهر التطرف في أفغانستان خلال وجودهم هنا، وهذا ما أسميه بالفشل”.
وأشار كرزاي إلى أن “القوات الأجنبية فشلت فشلاً ذريعاً في مهمتها، وبدل أن تقتحم قرى ومنازل أفغانية، تقصف الناس وتقتل العائلات”.
وفي 16 يوليو، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال محادثاته مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، أنّ “مهمة الناتو في أفغانستان فشلت، وفشل الجميع، بما في ذلك واشنطن”.
ومع إعلان المتحدّث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، اليوم السبت، سيطرة الحركة على ولاية “غور” التي لا تبعد كثيراً عن العاصمة، ساد الخوف والترقّب بين السكان، وبهذا أصبحت كابول مُحاصرة فعلياً وآخر موقع للقوّات الحكومية الأفغانية.. فيما برز القلق الأمريكي والدولي من فقدان مكتسبات عقدين من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
وفي هذا السياق.. اعتبر رئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية عبد الباري عطوان، خلال لقاءٍ مع قناة الميادين، أنّه “بعد 20 عاماً في أفغانستان فشلت الولايات المتحدة الأميركية ولا سيما في القضاء على حركة طالبان”.
وأوضح عطوان أن “هزيمة القوّات الأمريكية في أفغانستان تؤكد أن المقاومة هي السبيل لاستعادة الأرض”.. ورأى أنّ “الفشل الأميركي الذريع في سوريا والعراق سوف يتكرر الآن في أفغانستان”.
وأشار إلى أنّ “قيادات من طالبان عقدت تفاهمات مع دول الجوار بأن أفغانستان لن تكون خطراً عليهم”، مضيفاً أنّ “عودة طالبان لا تعني عودة القاعدة لأفغانستان لأن الملا عُمر لم يعد موجوداً”.
بدوره، اعتبر محرر شؤون الأمن القومي في جريدة “واشنطن تايمز” غاي تايلور، أنّ “سقوط كابول في يد طالبان سيكون حدثاً كارثياً بالنسبة لواشنطن”.
وقال تايلور: إنّ “تقدم طالبان السريع في أفغانستان يعني أن الرئيس الأميركي جو بايدن في سنته الثانية سيتعلم درساً قاسياً جداً”.. مضيفاً “لم يكن هدف واشنطن من دخول العراق وأفغانستان السيطرة على مواردهما بل الحرية”، بحسب زعمه.
ويذكر أنه خلال 20 عاماً أنفقت واشنطن مئات مليارات الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه، لكن ذلك لم يمنع هذا الجيش من الانهيار أمام هجوم “طالبان” التي باتت تملك ترسانة هائلة غنمتها من القوات الأفغانية المدعومة أمريكياً.
وبحسب المفتش العام الأمريكي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، فإنّ “الولايات المتحدة أنفقت ما يُقارب من 83 مليار دولار على تجهيز وتدريب قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية منذ عام 2002، بما في ذلك توفير ما يقرب من 10 مليارات دولار في شكل طائرات ومركبات”.
من جهته أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي، أن “أمريكا لم تتوقع غياب المقاومة لدى القوات الأفغانية لوقف تقدم حركة طالبان على الأرض”، وأعرب عن “قلقه بشأن السرعة التي تتحرك بها حركة طالبان في أفغانستان”.
بدوره اعتبر الخبير في كلية “اس. راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة رافايلو بانتوتشي، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن “التسليح الذي قدّمته واشنطن للقوات الأفغانية، يساعد طالبان في الوصول إلى كابول، ويعزز سلطتهم في المدن التي سيطروا عليها”.
وأمرت السفارة الأمريكية في كابول موظّفيها أمس الجمعة، بإتلاف الوثائق الحسّاسة والرموز الأمريكية مع اقتراب عناصر طالبان من العاصمة الأفغانية.
فيما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس: إن “أفغانستان تتجه إلى حرب أهلية، وإن على الغرب أن يتفهم أن طالبان ليست كياناً واحداً، وإنما هي مسمى لعدد كبير من المصالح المتنافسة”.. وكذلك كان موقف ألمانيا والدانمارك وإسبانيا.
كما أعلنت هولندا وفنلندا والسويد وإيطاليا وإسبانيا، أمس، خفض وجودها في أفغانستان إلى الحد الأدنى، وفضّلت دول أخرى مثل النرويج والدانمارك إغلاق سفاراتها مؤقتاً.
وبينما تخفض دول أوروبية من وجودها الدبلوماسي في أفغانستان، تسعى دولٌ أخرى إلى تحقيق أهدافٍ سياسية واقتصادية.. وهو ما أكده “عطوان”.. قائلاً: إنّ “الصين ستكون الرابح الأكبر لما يجري في أفغانستان خاصّة بالنسبة لمشروع طريق الحرير”.. مؤكداً أنّه “ليس لأمريكا حليف واحد يمكن الاعتماد عليه في أفغانستان”.
ورجّح عطوان أنّ “أفغانستان ستكون محور صراع بين قوى إقليمية ودولية كبرى”.. قائلاً: إنّه “لا يستغرب أن تكون طالبان أقرب إلى حلفاء باكستان في المنطقة كالصين وإيران ضد واشنطن”.
الجدير ذكره أن مواقع إلكترونية موالية لطالبان نشرت بشكل واسع مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدّم من قوى غربية وأمريكية، وفي صور أخرى لجنود يستسلمون أمام مقاتلي طالبان في مدينة قندوز في شمال شرق البلاد، تظهر آليات مصفّحة ومجهّزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المسلحين.
ويرى الخبراء والمراقبون أن هذه الغنيمة غير المتوقعة ساعدت إلى حدّ بعيد مسلحي طالبان الذين بإمكانهم أيضاً الاعتماد على مصادرهم الخاصة للحصول على أسلحة، والسيطرة على كل أفغانستان