كُش ملك
بقلم الشيخ عبد المنان السنبلي.
تعلمنا من التاريخ أن أول ما يسقط من الممالك أَو الدول هي منظومة القيم التي يرتكز عليها نظامها ومجتمعاتها كذلك، فإذا بدأت منظومة القيم هذه بالتفكك والسقوط فإن ذلك يُعَدُّ مؤشراً خطيراً بدنو أجل هذه الممالك أَو الدول!
(وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمّـرناها تدميرا)
فهل ما يحصل اليوم في المملكة السعودية من انهيار مفاجئٍ لمنظومة القيم التي ظل نظامها يرتكز عليها لعقودٍ من الزمن يُعَدُّ بمثابة إيذانٍ بدنو أجلها وقرب نهايتها أم أنه لا يعدو عن كونه مُجَـرّد ترفيهٍ وتفريغ طاقاتٍ ليس إلا؟!
من يدري؟
ما علينا، هكذا أَو هكذا فالممالك مهما تعمرت وكذلك الدول وحتى الإمبراطوريات في النهاية هي إلى زوال وليس ثمة مشكلة في هذا طبعاً.
المشكلة في الحقيقة هي في صاحبنا هذا الذي يعتقد أنه بتعمده تفكيك وإسقاط منظومة القيم التي ظل يقوم عليها نظام مملكته بطريقةٍ ممنهجةٍ ومفتعلةٍ إنما هو بذلك يعزز من فرص بقاءها وديمومتها ويزيد من حظوظه في الوصول واعتلائه عرشها وهذا بطبيعته اعتقادٌ خاطئٌ مِئة بالمِئة، فهل جُنَّ صاحبنا هذا حتى يعتقد مثل هكذا اعتقاد أم أنه قد أُصيب بالخبل أم ماذا يا تُرى؟!
في الحقيقة هو لم يُجَن مطلقاً ولم يُصب بالخبل كذلك كما أن اعتقاده هذا لم يأته من فراغ أَيْـضاً وإنما قد جاءه انطلاقاً من الفكرة السائدة والمتأصلة لديهم والتي تقول أنه من المستحيل على أي منهم أن يعتلي عرش هذه المملكة إلا إذَا كان يحظى بقبولٍ أمريكيٍ مسبقٍ أولاً وبالتالي ولكي يحصل على صك قبولٍ أمريكي فقد رأى صاحبنا هذا أنه يتوجب عليه أن يُقْدم على خطوةٍ جريئةٍ تثير إعجاب الأمريكان به وتجذبهم إليه. ولعلمه المسبق طبعاً أن أكثر ما ظل يثير حفيظة الأمريكان تجاههم هو تمسك أسلافه بمنظومة القيم السعودية (المتطرفة) قليلاً في نظرهم ورفضهم الاستجابة لمطالبهم المتكرّرة بالانفتاح والتحرّر من قيودها، فقد عمد إلى هذه القيم وفاجأ الجميع بإعلانه الانقلاب عليها والتحرّر من قيودها وذلك في محاولةٍ منه طبعاً لإظهار نفسه بمظهر ذلك الرجل المنفتح والمتحرّر والمتنصل عن ثقافة وقيم مجتمعه الشرقي المحافظ وكذلك المتأثر بثقافة وقيم المجتمعات الغربية المتحرّرة والأكثر انحلالاً.
في الحقيقة لقد كان يكفي الأمريكان ليقتنعوا به أن يرفع فقط الحظر المفروض على المرأة والمتعلق بقيادة السيارات والذي إن فعل لن يترك أثراً سلبياً في منظومة القيم السعودية، لكنهم الأعراب كعادتهم دائماً كرماء في كُـلّ شئ حتى في مجال السقوط والانحلال فذهب وزادهم على ذلك وفاجأهم بما لم يكونوا يتوقعوه أَو حتى يفكروا به، فقام بفتح البارات والمراقص وأقام حفلات اللهو والمجون مستقدماً لذلك أشهر راقصي وراقصات العالم وأكثرهم تعرياً وتفسخاً وانحلالا وشجع المرأة كذلك بالدخول إلى هذه الأماكن بعد أن سمح لها بالاختلاط وعدم اصطحاب محرم، كما أنه قد قام وابتدع شيئاً لم يكن موجوداً من قبل وهو ما اصطلحوا على تسميته بالخمر الحلال والديسكو الحلال و… و… ويعلم الله ما الذي في جعبته لا يزال مخبأ وسيفاجئنا به في قادم الأيّام!
كل هذا.. وأين؟ بجوار الحرم؟!
لا لشيءٍ طبعاً إلا؛ مِن أجلِ أن يُنادى به ملكاً وحاكماً وكأن المُلك لن يأتيه إلا على أصوات وإيقاعات أقدام الراقصات أَو من بين أفخاذ المومسات وبائعات الهوى لا أنه تخصصٌ إلهي يختص الله به من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين!
(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كُـلّ شئٍ قدير)
فعلاً،
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا.
على أية حال، تظل منظومة القيم هي الركيزة الأَسَاسية التي تقوم عليها الممالك والدول والتي إن انهارت فإنها تجر خلفها هذه الكيانات إلى حيث يكون نهاياتها وسقوطها الأخير وهذا ما لم يتنبه إليه بالفعل محمد بن سلمان حين قرّر الانقضاض على هذه المنظومة القيمية والإجهاز عليها، وبالتالي فقد بات لزاماً عليه أن ينتظر ما قد يترتب على ذلك من نتائج وآثار عاصفة وقادمةٍ لا محالة، وإن غداً لناظرهِ قريبُ أَو كما يقولون.