عطوان: ما بعد خِطاب السيّد نصرالله ومُعادلاته الاستراتيجيّة الجديدة التي أسقطت كُلّ الخُطوط الحمراء؟ حربُ القدس الإقليميّة اقتربت.. وهذا ما يفصلنا عنها
في خِطابه الذي ألقاهُ مساء الثلاثاء بمُناسبة الذكرى 21 لانتِصار المُقاومة اللبنانيّة وهزيمة الجيش الإسرائيلي وانسِحابه ذَليلًا من الأراضي اللبنانيّة، كان السيّد حسن نصرالله لا يتحدّث باسم “حزب الله”، ولا المُقاومة اللبنانيّة، إنّما باسم محور المُقاومة ومِئات المَلايين من أنصاره ومُؤيّديه في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي.
رُغم المرض، ورغم الوضع اللّبناني الدّاخلي السّيء، والوضع العربيّ الأسوأ، كان السيّد نصرالله في أفضل حالاته، ويعيش حالةً من الزّهو والفخر والإيمان بالنّصر غير مسبوقة، والسّبب الانتِصار الكبير الذي حقّقته فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة التي أخذت قرارًا استراتيجيًّا تاريخيًّا بالدّفاع عن المُقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة في القدس المحتلّة، باتّخاذها لقرار الحرب وهزيمة واحد من أقوى الجُيوش في المنطقة، وانطِلاقًا من قطاعٍ مُحاصر مُجوّع لا تزيد مِساحته عن 365 كيلومترًا مُربَّعًا، وبدون جِبال أو غابات أو وسائل حمائيّة طبيعيّة.
المُعادلة الجديدة التي رسّخها السيّد نصرالله، وستكون عُنوان المرحلة المُقبلة، تبني على هذا الانتِصار وتُكمّله، وتُوسّع دائرته وتقول بكُل وضوح: “المساس بالقدس ومُقدّساتها المسيحيّة والإسلاميّة مُختلفٌ عن أيّ اعتِداءٍ آخَر، ويعني حربًا إقليميّة وزوال الكيان الإسرائيلي”.
هذه هي المرّة الأولى في نظرنا الذي تتقدّم فيها كرامة المُقدّسات على الاعتبارات المحليّة اللبنانيّة “فعندما تُواجِه المُقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة خطرًا وجوديًّا فلا معنى لخُطوط حُمر أو مُصطَنعة”.
التّرجمة العمليّة لهذا الخِطاب النّاري، ومن قِبَل رجل يقول ويفعل، تقول بكُل قوّةٍ وصراحة إنّ أيّ اعتِداء إسرائيلي قادم على المسجد الأقصى سيُواجَه بآلاف الصّواريخ دُفعَةً واحدةً باتّجاه كُل مدينة، وهدف استراتيجي، في العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وعلى خُطَى الرّد نفسه الذي أقدمت عليه الفصائل الفِلسطينيّة انطِلاقًا من قِطاع غزّة، فزمن الغُرور والغطرسة والعُدوان قد ولّى ولن يعود، وللمسجد رِجالٌ يحمونه بدِمائهم وأرواحهم وصواريخهم.
فإذا كانت فصائل المُقاومة الغزّيّة لم تتردّد في اتّخاذ قرار الحرب انتِصارًا للمُقدّسات، وثَأرًا للحرائر والمُرابطين في المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جرّاح، وإلحاق هزيمة مُذلّة بهذا العدوّ المُتَغطرِس فكيف سيكون الحال لو جاء الرّد من محور المُقاومة الأضخم، و”حزب الله” على وجه الخُصوص الذي يَملُك أكثر من 150 ألف صاروخ مُعظمها دقيقة، مثلما يملك خبرةً قتاليّةً عالية بفضل حُروبه في لبنان والعِراق وسورية؟
إفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الصّهيوني الأسبق، كان صادقًا وهو الكذوب، عندما أطلق صفّارة الإنذار التي أرعبت ستّة ملايين إسرائيلي عندما قال “إذا لم يستطع جيشنا العظيم هزيمة حركة “حماس” وحُلفائها، فكيف سيكون الحال إذا شنّت إيران و”حزب الله” حربًا علينا؟”.
سُؤالٌ وجيهٌ جدًّا يدور حاليًّا في أذهان جميع الإسرائيليين المُحتلّين، والإجابة عليه واضحة مكتوبة على الحائط، وتقول: الحُلُم الصّهيوني انهار، وقبل أن يُكمِل المئويّة الأُولى من عُمُرِه، وليس أمام المخدوعين فيه غير الرّحيل، سِباحةً أو على متن أيّ قارب نجاة عبر البحر المُتوسّط.
الحُروب لا تُحسَم بالطّيران، ولا بالصّواريخ، وإنّما بالدبّابات والحُروب البريّة، ولعلّ رُعب الجيش الإسرائيلي من خوض هذه الحرب، لأنّه يُدرِك جيّدًا أنّه لن يكسَبها، وستكون نهايته تمامًا، مثلما حدث سابقًا في القِطاع ثلاث مرّات، وهُروب أرييل شارون بجلده، طلبًا للسّلامة، ولاحقًا في جنوب لبنان في عاميّ 2000، و2006.
المُواجهة القادمة لن تقتصر على الصّواريخ وإنّما بالحرب البريّة المُعاكسة هذه المرّة، أيّ من الجنوب اللّبناني إلى العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وفي آخِر لقاء جمعنا مع الشّهيد سمير القنطار قُبَيل استِشهاده، أكّد لنا أنّ تدريبات جرت وتجري في هذا الإطار، وأنّ التّوغّل في الجليل المُحتَل وتحريره هو أحد أبرز خِيارات الحرب القادمة.
تأثّرنا كثيرًا نحن الذين كُنّا بين الملايين الذين تابعوا خِطاب السيّد نصر الله ودُموعه العفويّة الصّادقة التي هطلت وهو يتحدّث عن الأشقّاء اليمنيين الأبطال، والسيّد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “أنصار الله” تحديدًا، الذي أبلغه في آخِر اتّصال معه أنّ اليمنيين سيتقاسمون رغيف الخُبز مع الأشقّاء الفِلسطينيين المُحاصَرين والمُدافِعين عن المُقدّسات، الدّموع سقطت، ولم يستطع صاحِبها حبسها، لأنّ الأشقّاء في اليمن يعيشون تحت حِصار تجويعي ظالم أيضًا، ولا يَجِدون رغيف الخُبز، وإن وجدوه سيتقاسمونه مع أشقّائهم المُحاصَرين في غزّة، هؤلاء اليمنيّون الشُّرفاء، وللتّذكير فقط، حشَدوا مِليونيّ مُتظاهر تضامنًا مع أشقائهم في غزّة والقدس، وكانت مُظاهرتهم هذه هي الأضخم في العالم وفي تاريخ اليمن أيضًا.
بدُموع الكرامة الصّادقة والعفويّة هذه، وتقاسم المَحرومين لُقمَة الخُبز سَويًّا إذا توفّرت، تَقِف الأُمّة أمام مرحلةٍ جديدة، بمُعادلةٍ جديدة، وروحيّة عالية مُختلفة، عُنوانها الأبرز حماية المُقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة في القدس المُحتلّة، وأيّام الانتِصارات باتت قريبةً جدًّا، وأقرب ممّا يتَصوّره الأعداء وحُلفائهم في المِنطقة والعالم.. والأيّام بيننا.
“رأي اليوم”