«جيروزاليم بوست»: وجود ابن سلمان مهم لمصالح إسرائيل.. ويجب ألا تضعه أمريكا في مأزق
نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية تحليلًا لـ«سيث فرانتزمان»، محلل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط ومراسلها هناك، تناول فيه ما تمثله السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان، بخصوص السلام الإقليمي عامة وإسرائيل خاصة في ضوء التغيرات التي تشهدها العلاقات السعودية الأمريكية.
استهلَّ المراسل تحليله بالقول: ليس مفاجئًا ما جاء في التقارير التي أفادت بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على استعداد للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أثناء رحلة محتملة لأبوظبي. وليس هذا بسبب الاجتماع الذي أُشيع أنه عُقِد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي فقط، بل بسبب الديناميكيات الإقليمية الأوسع التي قرَّبت بين إسرائيل والسعودية، وكذلك جميع شركائها في اتفاقية أبراهام في الخليج.
مواقف متباينة من الحكومة السعودية في الدول الغربية
وفي الوقت الذي تضاءل فيه الدعم الذي تحظى به السعودية من بعض الدول الغربية، نجد أن التصورات حول أهمية السعودية لاتفاقيات أبراهام الأخيرة، وكذلك للمنطقة وإسرائيل عامة، شهدت نموًّا إيجابيًّا.
ويعزو المحلل هذا التغيير المتناقض في العلاقات إلى عدة أسباب، أحدها التهديدات الإيرانية المتصاعدة المتمثلة في الجماعات التابعة لها كجماعة الحوثيين في اليمن من جهة. ومن جهة أخرى، فإن التغييرات التي حدثت في الرياض على مدى العقد الماضي، والتي أدَّت إلى استنتاج مفاده أنه إذا قللت الولايات المتحدة تركيزها على منطقة الشرق الأوسط، فإن هذا يتطلب من الجانب السعودي بالضرورة توطيد العلاقات مع إسرائيل.
الوقائع التي مهدت الطريق أمام التقارب السعودي الإسرائيلي
وأشار المحلل إلى أن معالم الطريق نحو علاقة تجمعها المصالح المشتركة بين السعودية وإسرائيل تشكَّلت نتيجة لعدة وقائع رمزية رئيسة. فقد كانت العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة في توتر مستمر أثناء حكم الرئيس أوباما في أعقاب صفقة إيران عام 2015. وقد تدخَّلت السعودية على إثرها في اليمن في العام نفسه لمنع الحوثيين المدعومين من إيران من الاستيلاء على عدن أو ترسيخ موضع قدم إيراني في مضيق باب المندب الإستراتيجي.
ومن جانب آخر، ذكرت تقارير لوكالة «رويترز» في عام 2017، أن هناك اتصالات سرية تجري بين إسرائيل والسعودية. وكان من المعروف في ذلك الوقت أن رئيس المخابرات السعودية السابق تركي الفيصل، قد صافح يعقوب عميدرور، أحد كبار مستشاري نتنياهو السابقين، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وفي عام 2018، نفَت إسرائيل تقارير أفادت أن السعودية تسعى لشراء نظام الدفاع الجوي «القبة الحديدية». وتزايد التقارب بين البلدين عندما أدَّت السعودية دورًا رئيسًا في إتمام اتفاقيات أبراهام وأبدَت دعمها لها. ثم انطلقت منذ ذلك الحين الشائعات لتشمل لقاء نوفمبر، والتقرير الذي صدر في فبراير (شباط) حول اتفاقية دفاعية محتملة تضم أربع دول.
تحوُّل في الموقف الأمريكي من السعودية
ويرى المحلل أنه فيما يخص إسرائيل، يُعد الموقف الإيجابي للمملكة في مختلف القضايا مهمًّا. والأكثر أهمية من ذلك هو الجفاء المتزايد الذي كانت تجده المملكة من الولايات المتحدة، والذي بدأ بالتوازن مع الإشارات التي أرسلتها واشنطن، والتي تفيد بأنها تريد الاستماع أكثر لإسرائيل ودول الخليج فيما يتعلق بأي صفقة جديدة مع إيران. وهو الأمر الذي يُعد تحولًا كبيرًا عن موقف الولايات المتحدة في المدة التي سبقت اتفاقية عام 2015.
وهو تحول كبير أيضًا في تصوُّر مكانة إسرائيل والسعودية في دوائر المستويات العليا. فبينما كان يُطلب من إسرائيل في السابق إجراء تنازلات للفلسطينيين من أجل تحقيق السلام مع دول الخليج، تشير التصريحات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تطلب من الرياض إجراء تغييرات للاقتراب من تحقيق السلام مع إسرائيل. وهذا تحول كبير في رؤية الولايات المتحدة للأسس التي يستند إليها شركاؤها وحلفاؤها الإستراتيجيون في المنطقة.
موجات تغيير عاتية شهدتها المملكة في العقود الأخيرة
ويلفت المحلل إلى أن المملكة شهدت تحولًا في العقود الماضية، من اتهامات بكونها تُصدِّر التطرُّف في أعقاب صعود تنظيم القاعدة، إلى سعيها الحثيث اليوم إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية ودينية أيضًا. وكانت رياح التغيير الأوسع في الخليج قد تزامنت مع مساعي البحرين والإمارات نحو التعايش وتحقيق المصالح الذاتية تحت مظلة الأجندة الوطنية لكلٍّ منهما (وقَّع البلدان اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل).
وتؤدي السعودية، بصفتها قائدة مجلس التعاون الخليجي وتاريخيًّا هي زعيمة لدول الخليج العربي والعالم الإسلامي، دورًا رئيسًا في تغيير وجهات النظر في جميع أنحاء المنطقة.
ولكنها في المقابل تواجه تحديات أخرى تتمثل في الهجمات الإيرانية، كالهجوم الذي شنَّته إيران على مدينة بقيق (أحد أهم معاقل مرافق النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية) عام 2019، وكذلك التهديدات التي تتلقاها من الجماعات المدعومة من إيران في العراق واليمن، فضلًا عن دعم حكومة تركيا الحالية لجماعة الإخوان المسلمين. وقد شجَّع هذا التهديد المزدوج على إقامة شراكات أوثق بين إسرائيل والخليج، وعلى نطاق أوسع مع مصر واليونان والأردن والهند ودول أخرى.
محمد بن سلمان في الميزان الأمريكي
وألمح الكاتب إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يتعرَّض إلى عاصفة انتقادات واسعة في الأوساط الأمريكية بسبب الاتهامات التي وُجِّهت إليه بشأن تورطه في مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي. إلا أن آخرين يرون أن ابن سلمان كان محورًا أساسيًّا في التغيير الذي شهدته المملكة، ويصفه أولئك الذي التقوا به شخصيًّا بـ«الحكيم»؛ إذ نقل المملكة إلى مكان مختلف تمامًا.
ويرى المحلل أنه يجب ألا نضع السعودية في مأزق نتيجة السياسات الأمريكية المنتقدة لها، بل يجب الإصغاء إليها فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية. وقد فقدت السعودية بالفعل دعم الولايات المتحدة بسبب عملياتها الهجومية في اليمن. والرسائل الصادرة من واشنطن تفيد بأنها تريد إعادة تقييم للعِلاقات الأمريكية مع الرياض، وتفيد أيضًا بأن إدارة بايدن ستنْتهج خطًّا أكثر صرامة بشأن قضايا حقوق الإنسان في مصر.
وقد يكون هذا الموقف الأكثر صرامة من الولايات المتحدة تجاه الرياض، كما كان عليه الحال بعد صفقة إيران عام 2015، هو الدافع إلى تسريع التواصل بين إسرائيل والرياض. ولكن الرياض من جانبها تراقب بحذر، فعندما انطلقت الشائعات التي ألمحت إلى أن السعودية ستعقد صفقة سلام مع إسرائيل العام الماضي، انتظرت السعودية ولم تُعلق.
إذ إنها تراقب بعناية الانتخابات في الولايات المتحدة وإسرائيل. كما تعاني المملكة من هجمات الحوثيين اليومية التي يمطرون بها السعودية بالصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار.
اجتماعات مع دول كبرى وعلامات استفهام
وأوضح المحلل أنه في الأيام الأخيرة عُقدت اجتماعات رفيعة المستوى مع الأردن وماليزيا والسودان ودول أخرى. ويتوافق هذا، على نحو غير مفاجئ، مع اجتماعات أخرى رفيعة المستوى جمعت إسرائيل ومصر، وجمعت إسرائيل ودول أوروبية أخرى. وكذلك العلاقة المتنامية بين اليونان، وقبرص، وفرنسا، ومصر، وإسرائيل، والإمارات.
إلا أن هناك مجموعة من علامات الاستفهام الموجَّهة نحو المملكة في هذه المعادلة. وتشمل: وجهات نظر كل من الرياض والإمارات بشأن سوريا ودورها في العالم العربي، ومخاوف بشأن استقرار لبنان، وعلاقة السعودية مع روسيا. وكذلك مدى قدرتها على إصلاح الأمور بعد الأزمة الخليجية مع قطر، وكذلك طموحات تركيا.
ويتضمن ذلك أيضًا الحلول المحتملة للنزاعات في ليبيا، ومحاولات التأثير في شرق أفريقيا وأماكن مثل السودان أو مناطق أبعد من ذلك مثل باكستان. إن شعور إسرائيل المتنامي بكونها جزءًا من المنطقة يضعها في مفترق طرق هذه النقاشات أيضًا.
ويختم المحلل بالقول: في الوقت الذي تريد فيه إسرائيل أن تظل الولايات المتحدة على علاقة حيوية بالمنطقة، يبدو أن الاتجاه العام الذي يربط إسرائيل والخليج والشركاء الآخرين من وسط أوروبا إلى الهند سيكون الاتجاه الأكثر حيوية وعمقًا.
* هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه ونُشر في موقع ساسة بوست