معركة “الإصلاح” الكبرى (تقرير)
معركة “الإصلاح” الكبرى (تقرير)
متابعات| تقارير:
يخوض “حزب الإصلاح” معركةً فاصلة ومصيرية في أهمّ معاقِله، مأرب، بادّعاء أنه يدافع عن “الشرعية” والحُكم الذي كان شريكاً فيه إلى جانب “حزب المؤتمر الشعبي العام” في أيّام مَضَت. وإلى رفعِه شعاراتٍ وطنية من قَبيل “الحفاظ على النظام الجمهوري” في اليمن، يحشد “الإصلاح”، داخليّاً، تحت عناوين مذهبيّة، مستحضراً تباينات فكرية وعقائدية. فالقيادي البارز في الحزب، حميد الأحمر، يرى في معركة مأرب “ملحمةً عظيمة وخالدة”، داعياً اليمنيين إلى دعمها بالمال والرجال والسلاح. وفي ما يشبه التنصّل من أيّ مسؤولية عن إخفاق حزبه في الدفاع عن المدينة، حمَّل الأحمر، التحالف السعودي ــــ الإماراتي، مسؤولية “الانحرافات” التي شهدتها الحرب طوال السنوات الستّ الماضية؛ و”الشرعية”، بوصفها واجهته، مسؤولية عدم مقاومة هذه الانحرافات. وخارجيّاً، يُقدِّم الحزب نفسه مدافعاً أوّل عن بوابة الجزيرة العربية، وبوصفه سدّاً منيعاً في وجه “المشروع الفارسي” الذي يريد تحويل اليمن إلى منصّة لإطلاق الصواريخ نحو الخليج والجزيرة العربية. على هذه الخلفيّة، تخوض ميليشياته معركة مأرب “نيابةً عن العرب” في شبه الجزيرة، بينما تنشغل قياداته، في الوقت الراهن، في فتح خطوط اتّصال بين تركيا والسعودية، للمساعدة في حسم المعركة. المفارقة هنا أن “الإصلاح” (إخوان مسلمون) يَعتبر نفسه في حالة دفاع عن الجزيرة بما فيها السعودية، فيما تُدرِج هذه الأخيرة الجماعة في لوائحها الخاصة بـ”الإرهاب”، من دون أن تستثني منها فرع “إخوان اليمن”.
لا يخفي “الإصلاح” أنه يخوض معركة وجودية في مأرب، ولا سيّما أن المحافظة الغنيّة بالنفط تُعدُّ المعقل الأكبر لحزب “الإخوان” وقياداته مِن الذين تمكّنوا من إدارتها، والتحكّم بثروتها النفطية لتصريف إيراداتها لمصلحة موظّفيه الحكوميين ومقاتليه وحتى لاجئيه. ومن هنا، شكَّل تموضع “الإصلاح” ومقاتليه في المحافظة نقطة قوّة راهَنَ عليها الحزب طيلة ستّة أعوام من عمر الحرب، وخصوصاً أن ميليشياته انطلقت من مأرب لمهاجمة صنعاء من محور نهم، حيث أمكَنَ قوّات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، التمركز على أهمّ الجبال والمواقع المطلّة على العاصمة، والتهديد بمحاصرتها أو اقتحامها. لكن هذه الوضعية المريحة لميليشيا “الإصلاح” تغيَّرت في أعقاب العملية النوعية الكبيرة التي نفّذتها قوّات صنعاء في منتصف كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، في محورَي الجوف ونهم، مستفيدةً من تراجع ميليشيات “الإصلاح” وقوّات هادي في المحافظات الجنوبية. وحين استشعر الحزب خطورةَ الموقف، وقرب وصول الجيش اليمني و”اللجان الشعبية” إلى تخوم المدينة، ما كان منه إلّا أن استنهض الهِمَم مذهبياً، وعَقدَ مصالحات سريعة مع الأطراف السلفيين الذين همّشهم ومنعهم من التحرُّك طوال الفترة الماضية. وفي موازاة ذلك، استدعى القوى التي شاركته حكْم البلد في ما مضى، وأبرزها حزب “المؤتمر الشعبي العام” (جناحا الرياض وأبو ظبي) للانخراط في معركة مأرب، مناشداً القوّات المتمركزة في الساحل التحرُّك لدعم “صمود” مأرب. وطالب، مراراً، بإزلة العوائق التي تمنع تلك القوّات المرابطة من القيام “بواجبها في تحرير بقيّة مناطق محافظة الحديدة”، وخصوصاً أن “اتفاق استوكهولم” خاص بمدينة الحديدة وحدها. عوّلت قيادات بارزة في “الإصلاح” على ما وصفته بـ”الحسّ الوطني” لطارق صالح، محرّضةً إياه على تحريك جبهة الساحل الغربي، لأن ما دون ذلك يعتبر تردُّداً وخذلاناً. وقدَّم الحزب، أكثر من مرّة، إغراءات وحوافز لقائد قوّات “حراس الجمهورية” المموَّلة من الإمارات (تتّخذ من مدينة المخا مقراً لها)، غير أن الأخيرة، المقيّدة إماراتياً، تذرّعت، في كلّ مرّة، بضرورة خروج “الشرعية” من “اتفاق استوكهولم”، لكن من دون نتيجة.
يُقدِّم “الإصلاح” نفسه مدافعاً أوّل عن بوابة الجزيرة العربية، وبوصفه سدّاً منيعاً في وجه “المشروع الفارسي”
وبعد فشله في استقدام حلفائه السابقين، أي “المؤتمر” (جناح أبو ظبي)، عَمَد “الإصلاح” إلى فتح جبهة تعز، وهي جبهة رخوة لا تشكِّل تهديداً نوعيّاً مباشراً لصنعاء، لكنها، في أحد وجوهها، تعتبر إشغالاً سيكون الجيش و”اللجان” معنيَّين بالتعامل معه. وضَع “حزب الإصلاح” فتحَ جبهة تعز تحت عنوان “دعم مأرب ونصرتها”، واحتفل بتسجيل خروقات مهمّة في المحافظة. ويأتي إشعال هذه الجبهة، وفق مراقبين، في سياق خطّة عسكرية استراتيجية، تهدف إلى تخفيف ضغط قوّات صنعاء المتواصل على مأرب، وتشتيت قدراتها القتالية. غير أن فرحة “النصر” لم تستمرّ لأكثر من يومين، إذ تمكّن الجيش و”اللجان الشعبية” من استعادة ما خسراه وأكثر. والجدير ذكره أن فتح جبهة تعز جاء بعد دعوات مكرّرة من أقطاب محسوبة على “الشرعية”، كان آخرها مناشدة أطلقها 72 برلمانياً يمنيّاً ينتمون إلى “الإصلاح”، بضرورة توسيع جبهات القتال لاستنزاف “أنصار الله” في أكثر من جبهة.
على رغم أن الفشل كان حليفه الدائم، لا يريد “الإصلاح” أن تكون معركة مأرب هي الأخيرة، بعدما وجَّه قسماً مُعتبراً من قدراته العسكرية نحو جنوب اليمن خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً نحو محافظتَي أبين وشبوة، لمقارعة قوّات “المجلس الانتقالي الجنوبي” هناك، في ما عدَّه مراقبون إضعافاً لقدرات الدفاع عن مأرب، حيث يقول مصدر قبلي إن الصراعات التي دخل فيها “الإصلاح”، وعمله بشكل مستمرّ لحسابه الخاص ولمصلحة قياداته، أضعفا حماسة العديد من أبناء القبائل للانضمام إليه، وتلبية نداءاته لـ”الدفاع” عن المدينة.
*جريدة الأخبار اللبنانية