كيف انتصرت ثورة اليمن؟
التراجع اللفظي السعودي بضغط أميركي يُشير إلى مسار التحوّل في العدوان الدولي والإقليمي على اليمن، لكنه يُثبت طريق الثورة لتحقيق أهداف تحرّر اليمن في انتمائه إلى قضايا الشعب اليمني وشعوب المنطقة.
بضغط أميركي بيّن، تُعلن السعودية على لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان تخفيف الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، في إطار الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
ما تُسمّيه السعودية “مبادرة سلام” قديم متجدّد، لكنه متغيّر في سياق مساعي بايدن للتخفّف من أعباء هول الجرائم السعودية والغربية التي تسبّبت بأكبر كارثة إنسانية تُعوق استخدام أميركا سلاح “حقوق الإنسان” في استراتيجية الهيمنة الدولية.
بايدن الَّذي يعمل مع السعودية لمقايضة وقف الثورة بجريمة الملف الإنساني، بحسب تعبير محمد عبد السلام، يحلو له إحراج الجيش واللجان في عرض وقف إطلاق النار، مع استمرار الحصار ومشاركة السعودية والإمارات في الحرب وبيع السلاح وفق منظمة العفو الدولية.
ولا يخفى أنَّ ما تصبو إليه أميركا والدول الغربية في ما تسمّيه وقف الحرب، هو تحقيق ما عجزت عنه في الحرب حول طاولة المفاوضات على أساس مرجعيات قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية وما يُطلق عليه “مخرجات الحوار”.
ربما تتوقّع الثورة اليمنية تنازلات أميركية وسعودية في الملف الإنساني، نتيجة التفوّق اليمني في مأرب واستهداف العمق السعودي، ونتيجة مأزق الدول الغربية في ابتلاع الكارثة الإنسانية، لكن صنعاء لا تُقايض إنجازات الثورة بوقف إطلاق النار.
في هذا السياق، يُشير محمد البخيتي إلى النقاط على الحروف في أزمة المقاربة الدولية التي دأبت على تنزيه نفسها عن المشاركة في الحرب، وتسويق ما تُسمّيه “وقف العنف” في سبيل العمل على رشوة اليمنيين بتقاسم فُتات مغانم السلطة مقابل اعتناقهم عقيدة التبعية والوصاية وتأبيد خضوع اليمن لمصالح الدول الغربية وحلفائها الإقليميين.
مقابل استراتيجية أميركا وحلفائها، تقاوم الثورة اليمنية في سبيل وقف عدوان الدول الغربية والتحالف السعودي – الإماراتي – الإسرائيلي وحربها على اليمن، وبالتالي وأد أسباب هذه الحرب التي تتيح لليمنيين الحوار في ما بينهم على طريق حلّ الأزمات وبناء يمن متحرّر من الأطماع والتبعية.
في هذا الاتجاه، قدّمت صنعاء للأمم المتحدة إثر إعلان التحالف السعودي – الإماراتي “هدنة من طرف واحد” بتاريخ 8 نيسان/ أبريل العام الماضي، “رؤية الحل للسلام الشامل”، تضمّنت إنهاء الحرب وإنهاء الحصار والعملية السياسية اليمنية.
ما تسعى إليه صنعاء في مثل هذه الحلول الإجرائية هو عدم إدارة ظهرها لتخفيف المعاناة الإنسانية وانتزاع تنازلات ملموسة من قوى العدوان والحرب. وفي هذا الاتجاه، شاركت في مباحثات ستوكهولم والحديدة وعمان وقضية الأسرى وغيرها، كما تدلو بدلوها اليوم في مباحثات مارتن غريفيث وتيموثي ليندر كينغ.
لكنَّ ثورة اليمن لا تقايض على حساب الأهداف، فقوى العدوان تأمل تحسين صورتها أو تحسين مواقعها للسيطرة على اليمن، ومشاركة صنعاء في فُتات المغانم مع شركاء العدوان، من جماعات منصور هادي وحزب الإصلاح والمجلس الجنوبي و”القاعدة”. في المقابل، تصبّ حكومة صنعاء دلوها في مصبّ استراتيجية تحقيق أهداف الثورة.
لتحقيق هذه الأهداف قبل 6 سنوات، بدت الثورة مارداً يأتي من المرّيخ إلى عالم “الثورات” المدجّنة، خضوعاً للتبعية والوصاية الدولية، بذريعة “العين لا تقاوم المخرز”، وأن دول المجتمع الدولي تمنّ على شعوبنا “المتخلّفة” بنعمة الشرعية وتعليمها طريق “الانتقال إلى الديمقراطية” والتنمية والازدهار والاستقرار… بحسب تعاليم وتوصيات الخبراء والمؤسسات التي حوّلت الأرض إلى غابة متوحّشة تهدّد الوجود والبقاء.
وفي وقت تطغى ترّهات “المرحلة الانتقالية”، وتسود أساطير المراهنة على تغيير أشخاص المنظومة الحاكمة تحت إشراف الوصاية الدولية، نشبت ثورة اليمن في تحطيم أغلال هذه الوصاية والتوصيات.
صوّبت الثورة منذ بزوغها على العمود الفقري لأزمات اليمن، المتمثّل بالعدوانية السعودية في ضمّ الأراضي اليمنية (عسير وجيزان ونجران)، وفي تحطيم اليمن بالصراعات القبلية والحزبية، لقتل روح التحرّر من الاستتباع في الحديقة الخلفية.
الثورة المتعالية عن التدجين والخضوع من أجل تحقيق أهداف التحرّر وإعادة البناء، أخذتها مراميها إلى التصويب على العقل المدبّر لنهب الثروات والمقدرات في تفتيت المنطقة وإنشاء أنظمة ملحقة باستراتيجية المصالح الاستعمارية القديمة والجديدة، تديرها طبقة سياسية بمشاركة نخب تقنية وإيديولوجية فاسدة.
ثورة اليمن تُنجز الانتصارات على طريق تحقيق أهدافها، في اعتمادها على القدرات الشعبية التي تجترح المعجزات، لكنّ الثورة هي مشروع تغيير جذريّ تأخذه القيادة على عاتقها لتحرير المجتمع والدولة من العبودية والاستغلال، في انتمائها إلى قضايا الشعوب ومواجهة الاستراتيجيات الاستعمارية في حقلها الإقليمي.
انتصار الثورة في اليمن هو نبراس تلقين الدّروس لدعاة الثورة والتغيير في المنطقة ودول الجنوب، ويسهر غيرها جرّاها ويختصمُوا.