الخلافاتُ السعوديةُ الإماراتية مرةً أُخرى
حامد أبو العز*
هناك مؤشراتٌ جدّيةٌ تدُلُّ على توتر العلاقة بين الإمارات والسعودية. وقد بدأت هذه المؤشرات تطفو على السطح.
في سلسلةٍ من التغريدات في موقع “تويتر”، قال نائبُ رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان: “اجمعوا مئات الآلاف من المقاتلين، وأحيطوا بمكة من جميع الجهات، وأقسموا إننا نفديها بالأرواح يا أهل السُّنّة.. حتى تعرف إيران من نكون وكيف نكون”.
بعد هذه التغريدة، ساد الغضبُ في الشّارع السعوديّ، إذ اعتبرها بعضُ الناشطين السعوديين تقليلًا من قدرة المملكة على حماية حدودها أَو الأماكن الإسلامية المقدسة فيها.
لم تكن المرة الأولى التي يسيءُ فيها خلفان إلى “الحليف السعودي”، فلطالما غرّد بعباراتٍ تستهدفُ السعوديةَ بشكل مباشر، كما فعل قبل أشهر، حين قال إنّ من يقاتل إلى جانب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إنما يقاتل إلى جانب الغدر والخيانة.
وفي مناسبة أُخرى، غرد خلفان بعد ساعاتٍ قليلةٍ من الإفراج عن تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل خاشقجي قائلاً: “نتوقّع من إدارة بايدن كحدٍّ أدنى أن تشترطَ محاسبةَ سعود القحطاني؛ مِن أجلِ عودة العلاقات الطبيعية مع الرياض، فإذا لم يتم تفكيك ذلك الجهاز الإجرامي المحيط بابن سلمان، سيكون هناك المزيد من الضحايا”. وقد اعتبر الناشطون السعوديون كلامه إساءة إلى شخص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وهنا، ينبغي طرح سؤالين مهمين للغاية، الأول: ما السياق الذي جاءت فيه هذه التغريدة؟ والآخر: هل تأتي هذه التغريدات بصورة عفوية أم أنها أمر متفق عليه بين الرئيس والمرؤوس؟
بالنسبة إلى السؤال الأول، فقد جاء بعد عملية واسعة يقوم بها الجيش اليمني واللجان الشعبية في مأرب، إذ يستهدفون اليوم قوات التحالف، إضافة إلى قوات هادي، في مسعى منهم للسيطرة على مأرب ذات الموقع الاستراتيجي المهم، والتي ستعتبر نقطة قوة لا مثيل لها في المفاوضات المستقبلية.
وعلى الرغم من سعي وسائل الإعلام السعودية إلى الترويج لهزائم (وهمية) لقوات صنعاء في مأرب، فَـإنَّ قوات صنعاء تتحَرَّكُ بخُطَىً واثقةٍ نحو السيطرة على المدينة، وهي تهاجم أَيْـضاً أهدافاً سعودية بالتوازي مع العملية.
أمّا السّؤال عن عفويَّة هذه التغريدات، فيجب القول إنّها، كما ذكرنا أعلاه، تكرّرت مرات عديدة، والمهم في هذا الموضوع هو التفسيرات غير الواقعية التي يقدّمها خلفان للشعب السعودي، إذ إنه يتجنّب الاعتذار كُـلّ مرة، وذلك إن دلّ على شيء، إنما يدلّ على توافق في الحكومة الإماراتية على المضي قُدماً في هذا النهج من دون تقديم اعتذارات.
هناك مؤشرات جدّية تدلّ على توتر العلاقة بين الإمارات والسعودية. وقد بدأت هذه المؤشرات تطفو على السطح، فالإماراتُ هي التي أعطت الضوءَ الأخضرَ لصحيفة “العرب” للتهجُّم على وليّ العهد السعودي واعتبار مشروع “نيوم” مشروعَ مدن ذكية لشعبٍ غيرِ ذكي، وهي اليومَ تفتحُ النارَ على السعودية عن طريق ضاحي خلفان، وتلمّح بشكل غير مباشر إلى عدم قدرتها على حماية الأماكن المقدّسة.
وما يُفهَمُ من هذا الموقف هو الدعوةُ إلى تدويل إدارة الأماكن المقدسة (هذا المطلب يتطابق بالطبع مع المطالب الإيرانية والتركية والباكستانية والماليزية). ويزداد هذا التوتر يوماً بعد يوم بعد أن قرّر محمد بن سلمان، وقف التعامل مع الشركات الأجنبية التي لا تنقل مقارها إلى السعودية حتى العام 2024. بالتأكيد، هذا القرار يستهدف الإمارات، ذلك أن أغلب الشركات الأجنبية التي تتعامل مع السعودية تتركز فيها.
أخيرًا، إنَّ التّوترات بين السّعودية والإمارات لها جذور عميقة حاولت الدولتان إخفاءها خلال الفترة الماضية. وقد بدأت هذه الخلافات تظهر إلى العلن مع قرار الإمارات الانسحاب من اليمن بشكل كامل، وهي تدعم منذ ذلك الوقت المجلس الانتقالي المناهض لحكومة هادي، والتي تدعمها السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، قرّرت أن تفتح النار على السّعودية، من خلال تغريدات متكرّرة لضاحي خلفان وبعض النخبة الإماراتية. إلى متى ستستمرّ هذه الخلافات؟ وما مدى مستواها؟ أسئلة عالقة ستُجيب عنها الأيّام.
* كاتب فلسطيني- بتصرُّفٍ يسير