كل ما يجري من حولك

 الصمودُ الأُسطوري

511

عبدالرحمن مراد

 نودِّعُ عاماً من الصمود، ونستقبلُ عاماً جديدًا لا يشبهُ الأعوامَ التي سلف زمانُها، ولكنه يتغاير كُـلّ التغاير، فنحن اليوم نمسكُ زمامَ اللحظة، ونحدّد مسارَ المعركة، نضرِبُ متى شئنا؟ وأين نريد؟

دخلنا معركةَ توازن الردع السادسة بكل شموخ، وقد تركنا بكاءً وعويلاً وطللاً تبكي على دِمَنِه مقلُ الأعراب، الذين قالوا إنهم قادرون على اجتياح اليمن في ظرفٍ زمني وجيز، وتمر الأعوام وتمر السنون وما يزال الاجتياحُ عصياً عليهم، بل كاد أن يصبح الاجتياحُ للسعودية محقّقا، وهو يرتبطُ بقرار سياسي ليس أكثر.

الكثيرُ من الكتابات التي تحلل الوضعَ العسكري في اليمن، وتنشر في الغرب تقولُ بقدرة الجيش واللجان الشعبيّة على اجتياح أراضيَ السعودية في ظرف زمني وجيز، وكأن المعادلةَ تنقلبُ رأساً على عقب.

بعد ستةِ أعوام من الصمود، سطّرت بنادقُ المجاهدين فيها ملاحمَ بطولية يعترفُ العالم كله ببأس أهل اليمن وقدراتهم القتالية المبتكرة، وقد حدّثهم الله في محكم الذكر المبين، وحدّثتهم كتب التفاسير والحديث والتاريخ وكتب الأخبار، ولكنهم قومٌ يجهلون ولا يقرأون.

اليومَ نحتفلُ بصمودنا في اليمن، والسعودية ومن ورائها من اليهود والأمريكان ودول التحالف يتجرعون ويلاتِ الهزائم والانكسارات، خَاصَّةً وهم يديرون حرباً علينا بكل تقنيات الكون المعاصر، وبأحدث ما ابتكره العقل البشري من أسلحة دمار شامل، وقد عجزوا عن بلوغ الغايات والأهداف التي كانوا يريدون تحقيقها.

لم نكن نملِكُ في اليمن سوى سلاحِ الايمان بالله وبالقضية، وَقد خضنا معركتنا بالتوكل على الله، واثقين بنصره وتدبيره لنا، واثقين بوعده لنا أن يجعلَ عاقبةَ الأمور لنا، ونحن على مقربة من تحقيق وعد الله لنا.

لم تكن السعودية تدركُ خطورةَ ما تقدم عليه، وقد قادتها حماقتها وغرور القوة إلى هاوية السقوط الأخلاقي، والسقوط العسكري، وهي غيرُ واعية بنتائج الحماقات التي تحدثها في واقع الأُمَّــة، ولذلك نراها تذهبُ إلى التطبيع بكل ذلة وخنوع.

وقد صنعت الإماراتُ مثل صُنعَها، وهي بعدَ أمد قصير سوف تكتشفُ أن حركةَ الاقتصاد العالمي قد تجاوزتها، وأن الصينَ قد سحبت بساطَ التجارة والسوق الحرة من تحت قدمها، وتلك النتيجة التي سوف تصل إليها الإمارات في المستقبل المنظور لا تنفصلُ عن نتائج العدوان على اليمن، ذلك أن الأسر الخليجية الحاكمة كلهم بدون استثناء ليسوا أكثرَ من حراس لمصادر الطاقة في الزمن المنصرم، قد تحوّلوا اليوم إلى حُرَّاس لمصالح أمريكا وإسرائيل، ويديرون حرباً بالوكالة عن إسرائيل وأمريكا، وبالقياس العقلي ليس للإمارات مصلحة تُذكر في شن عدوان همجي على اليمن، وليس للسعودية أية مصلحة تُذكر، بل من مصلحة الإقليم كله هو التناغُمُ والسلام وتحقيق مبدأ العلاقات القائمة على المصالح المشتركة والمصلحة المرسَلة.

العبثُ الذي مارسته دويلةُ الإمارات في الجزر والموانئ اليمنية لن يجعلَ الصينَ تتوقفُ عن مشروعِها الاستراتيجي في تجديدِ طريق الحرير التجاري، وهذا المشروع بالضرورة والأثر سيجعلُ من دبي مدينة تجارية لعبت دوراً مفصليًّا في حركة التجارة العالمية في الزمن القديم.

الموضوع الذي حدث ويحدُثُ في المنطقة أكبرُ من قدرات السعودية والإمارات الذهنية، ولذلك أصبحوا وقوداً يحترقُ حتى تضاءَ مصالح أمريكا وإسرائيل، وليس لهم من أثر ذلك الحريق سوى دخانه الذي يزكم الأنوفَ حاضراً ومستقبلاً.

لقد سطّر أهلُ اليمن بطولاتٍ ذات أثر ومعنى وقيمة، ولن تذهبَ تضحياتُهم هدراً، فقد وعدهم اللهُ بالتمكين، وهو كائنٌ لا محالة، ولله عاقبة الأمور.

تمضي الأعوامُ والحالةُ اليمنيةُ تتحوَّلُ من الضعف إلى القوة، وكان من المنطق أن يحدث العكس، فالحصارُ المُطبِقُ والعملياتُ العسكرية الواسعة بكل أسلحة الدمار الشامل لم تزد أهلَ اليمن إلا ثباتاً وقوةً، وفي ذلك بلاغٌ للناس لو كانوا يعقلون.

You might also like