مأرب.. المعركة الحاسمة
صفاء فايع
اشتدت رحى الحرب حتى وصلت إلى مأربَ.. تلك المحافظة التي تُعتبَرُ بالنسبة لأبناء اليمن ثروةً مهدورةً، ففيها أكبر حقول نفط وغاز بعد المسيلة بـ (حضرموت)، لا يخفى على أحد بأن الأنظمةَ السابقة العميلة عمدت منذ سنين طوالٍ إلى تدجين أبناء المحافظة على الحروب الأهلية والثارات، وغذّتهم بالعصبية القبلية في سياسة لإشغالهم عن الالتفات إليها وهي تنهب ثرواتهم من تحت أقدامهم وتقدم لهم الفتات؛ لتكسبَ بذلك الثروات الطائلة دونما معارضة أَو مشقَّة، لقد كانت هذه البيئة خصبةً لجعل المحافظة أكبر وكر للقاعدة وداعش.
وفي ظل العدوان، انطلق بعض أبناء المحافظة نحو الارتزاق، حَيثُ يقومون بأسر الأسرى أَو اختطافهم من الجيش واللجان وبيعهم للعدو السعودي كان آخر ذلك اختطاف نساء من داخل منازلهن وتسليمهن لسجون الاعتقال في جريمة تستنكرها كُـلّ الأعراف والمبادئ والقيم القبلية والإنسانية، كما أنها الأولى من نوعها في اليمن، لكن هذه الحادثة لم تمر مرور الكرام فقد كان لها أثرُها الكبير في نفوس جميع أبناء الوطن الذين ناشدوا بشدة الأنصار إلى تحرير مأرب مهما كان الثمن.
اتجهت البُوصلة نحو مأرب فعلاً وكانت النتائج صادمةً لكل أُولئك الذين كانوا يظنون أنها عصية على الله وجنوده، فقد تحرّرت 8 مناطق على التوالي في مدة زمنية قصيرة بالنسبة لما قد تم تحشيده من قبل العدوان لحمايتها، ووصل الأنصار إلى مشارف عاصمة المحافظة، حَيثُ آخر معقل لهم، وآخر أمل للطرفين فإما أن تسقط وتكون نهاية العدوان وهزيمته النكراء أَو أن تظل ويظل الشعب اليمني يتجرع الويلات جراء انعدام المشتقات النفطية التي يتحكم بها العدوان من مأرب إلى جانب حصاره لسفن المشتقات أَيْـضاً في الميناء.
اقترب الحسمُ في مأرب وكالعادة هبت الأمم غير المنصفة بمنظماتها اللاإنسانية لمحاولة إنقاذ ما تستطيع إنقاذه، فتارةً تدين العمليات الهجومية تحت يافطة الخوف على (النازحين)، مدعية أن أكبر نسبةَ نازحين من المحافظات قد جعلوا من مأرب ملجأ ومستقراً بعد هروبهم من محافظاتهم ومناطقهم، لكن حجم التضخيم لعدد النازحين الذين من المؤكّـد أن صنعاء تحتضنُ أكثرَ منهم وَلا تتعامل معهم بنفس النغمة والمنطق إنما هو دليلٌ صريحٌ على كمية اللؤم والنفاق التي تتحلى به منظمات الأمم المتحدة.
تارةً أُخرى تكشفُ عن وجهها الحقيقي والقيادي للعدوان بالتصريح عن استعدادها فتح حوار مباشر للأنصار مع السعودية إن هم أوقفوا التقدم بمأرب،
أما الصورةُ الأخيرة التي بدت عليها في قمة تخبطها ورعبها من سقوط مأرب فهي صورةُ التهديد بفرض عقوبات على القيادات الحوثية، حسب زعمها، متناسية أنه لا يوجد مع القيادات ما تهدّدهم به فهم كما باقي أبناء الشعب يعيشون العدوان والحصار معاً.
أصبحت المطرقة الآن بيد الأنصار، لكنهم رفضوا وقفَ أي تقدم لهم نحو مأرب أَو الجلوس على طاولة الحوار إن لم ينسحب العدوّ تماماً من الأراضي اليمنية ويرفع حصاره الجائر، بل إنهم قاموا بإعلان جولة تصعيدية أُخرى عنوانها قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ، إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) وتتمثل باتّجاهين
الأول: إعلامياً عن طريق عمل غرفة عمليات للإذاعات المحلية توحد من خلالها الخطاب بالثبات والتقدم نحو الهدف وتحث على الإنفاق والبذل بالمال والرجال في معركة يعتبرها الجميع (الفاصلة والحاسمة).
والثاني: تكثيف العمليات الهجومية على العمق السعودي بكل متاح وممكن وبشكل متتابع ويومي، وقد أعلنوا خلالها فعلاً عمليتي توازن الردع الخامسة والسادسة.
إن اليمنيين على مشارف العام السابع من العدوان يأملون أن تكونَ معركة مأرب بمثابة معركة خيبر في عهد الرسول التي لم تقم لليهود بعدها قائمة، ونهاية سبع عجاف وبدء سبع سمان يغاث فيهن الناس بعد معاناة وظلم لم يطل أحد من قبل، تحالف فيه الشرق والغرب على بلد الحكمة والإيْمَـان قابله صمود وتحدٍ واستبسال في نزع الحق في العيش سيُدرّس في جامعات العالم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).