كل ما يجري من حولك

اجتماع حاسم في مأرب بين هذه الأطراف لتسليمها بطريقةٍ سلمية!

806

 

مع استمرار التدخل الخارجي لليمن كانت البوابة الشرقية لصنعاء عبر مأرب مغلقة بوجه كل الغزاة والمحتلين , ويرجع ذلك لتضاريسها الطبيعية والتي شكلت حصن منيع وقلعة قوية لدفاع عن صنعاء , فالغزاة كانوا يدركوا أن أي تهديد أو محاولة السيطرة على مدينة صنعاء عبر مأرب هو نوع من الانتحار العسكري لهم .

بخلاف بقية البوابات الأخرى التي كانت ممر عبور لكل غازي لصنعاء وبالذات البوابة الجنوبية فمنها احتل صنعاء الأيوبيين و المماليك والعثمانيين (الاحتلال الأول والثاني ) كذلك الصراعات الداخلية بين الدويلات اليمنية بالتاريخ الإسلامي  كانت تزحف نحو صنعاء من بوابتها الجنوبية . ام صراع الأئمة فيما بينهم  وبالذات ايام ضعف الدولة المركزية بصنعاء بالتاريخ اليمني الحديث كانت البوابة الشمالية أغلب ما تهدد صنعاء بالزحف نحوها والاستيلاء عليها . لذلك ظلت صنعاء في مأمن طبيعي من أي غزو او تهديد مباشر يأتيها من مدينة مأرب  بالرغم من ان المسافة لا تتجاوز 173 كيلو متر بل صارت صنعاء هي من تهدد مأرب وتسيطر عليها سياسيا وعسكريا  وتعتبرها نقطة الانطلاق للسيطرة على محافظات اخري وبداية لتحقيق مشروع توحيد اليمن  وطرد المحتلين عبر مراحل التاريخ النضالي لليمنيين ضد الغزاة  وهذه حقيقة تاريخية في مسار تاريخ اليمن السياسي والعسكري .

مشروع وطني

مدينة مأرب لا تزال تصنع اعظم احداث تاريخ اليمن قديمة وحديثه فعلى اسوارها هزمت الامبراطورية الرومانية والتي كانت قد أخضعت بلاد الشام ومصر ليدفن جيشها تحت رمال مأرب . فكانت رمزية للوحدة اليمنية والشرعية السياسية وبوابة انطلقت منها جيوش سبأ ومن بعدها جيوش حمير لتحقيق المشروع اليمني الكبير بطرد المحتل الحبشي  نهاية القرن الثالث الميلادي وتوحيد اليمن تحت قيادة واحدة . وبعد ان امتدت سيطرة المحتل الحبشي على المعافر ( الحجرية حاليا) وسيطرته على الساحل الغربي والجنوبي لليمن وتهديده المباشر لمدينة  ظفار عاصمة الحميريين وبنفس الوقت توسعوا على حساب أراضي دولة سبا مشجعين انفصال مناطق عنها كقبائل نجران وسيطرتهم على ميناء قنا (بئرعلي) الذي كان يتبع دولة حضرموت ادركت القوى اليمنية المتحاربة وبالتحديد دولتي حمير وسبأ خطر  المحتل الحبشي المحدق بهما وفي تمزيق اليمن والاستيلاء على منافذها البحرية والتوغل نحو الداخل وتشجيع الحركات الانفصالية وتعميق الصراع فيما بينهما فعمد ملك حمير ياسر يُهنعم بعد حروب وصراع استمر طيلة قرن كاملا إلى توحدي البلاد ومحاربة المحتل الحبشي . ويمكن القول أن خطة إعادة وحدة الدولة كان استجابة لخطة وضعها ياسر يهنعم واستجاب لها لحيعث يرخم ذو مرع ملك سبأ في القصر سلحين بمأرب وتتضمن الخطة بصفة أساسية أمرين أحدهما إعادة وحدة الدولة سلميا و ثانيهما تكوين وتأمين عالم تجاري كبير بزعامة سبأ عن طريق القيام بغزوات وفتوحات خارجية وتكوين مستوطنات خارجية وأسر حاكمة بعد الفتوحات وذلك ببلدان القرن الأفريقي والحبشة إلى مصر وبلدان أفريقية الشمالية والمغرب إلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي والسيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية بتلك الأرجاء بما يؤدي إلى تحقيق مصالح تجارية واقتصادية وسياسية وحضارية عظيمة .

اجتماع مأرب

لذلك وجدت لخطة ياسر يهنعم  استجابه واسعة تتوجت باستجابة الملك ذي مرع وهو ( لحيعث يرخم ملك سبأ وذي ريدان ) الذي كان ملكا في قصر سلحين بمدينة مأرب وأرض سبأ حيث اجتمع بأقيال وأذواء سبأ وحمير في العاصمة مأرب وتحدث نشوان الحميري في السيرة الجامعة  أنه : ( جمع ذو مرع أقيال حمير وكهلان فقال لهم : إن لكل قوم دولة , ولكل دولة مدة , كما لكل حاملة تمام , ولكل مرضعة فطام , وقد حان منا انقطاع أمد , ووفاء عدد , بظهور الحارث الرائش بن شداد , وقد جاء في الخبر أنه الملك المنتظر , والعلم المشتهر , وأني قد رأيت أن أُنزل نفسي منزلة القيالة خشية أن أنزلها منه ) . وقد وقع التباس في أنه  قال : بظهور الحارث الرائش والصواب بظهور ياسر يهنعم  وهو من ولد الرائش . وسبب الالتباس أن الملك ياسر يهنعم كان مثل الملك الحارث الرائش وربما كا ن يُقال له أيضا الرائش .

وقد قال عنه الحسن بن أحمد الهمداني :

ومنا الرائشان وذو رعين

ومن طحن البلاد لأن تدينا

فدان الخافقان له وأضحى

ملوكهما له متضائلينا

والرائشان الحارث الرائش وياسر يُنعم بن يعفر وهما اللذان راشا الناس وانعما بالغنائم . ولما تنازل لحيعث يرخم ذو مرع عن الحكم في قصر سلحين بمدينة مأرب وأرض سبأ لياسر يٌهنعم عادت وحدة الدولة اليمنية وعادت ملوكية آل الرائش بني حمير ذي ريدان لعرش سبأ وتوجه ياسر يُهنعم إلى مأرب . وقد تم العثور في معبد إلمقه ( محرم بلقيس ) بمأرب على نقش مسند بمناسبة وصول ملك حمير ياسر يُهنعم وابنه شمر يهرعش من قصر ريدان بظفار إلى قصر سلحين بمأرب .وقصر سلحين هو سدة الحكم في مأرب ولم يكن قصرا واحدا بل كان أجمة قصور يجمعها فناء واحد . فتسجيل نقش باسم الملكين دليل على أهميتهما وأن مسيرهما إلى مأرب كان بغرض تسلم سدة العرش في عاصمة سبأ.  وقد جاء في خاتمة النقش ذكر أسماء الآلهة جميعها بما في ذلك (الشمس ) ويدل ذلك على الاعتراف بجميع الآلهة وحرية العقيدة الدينية عند إعادة وحدة الدولة بزعامة ياسر يُهنعم والد شمر يهرعش .  ويذكر الدكتور محمد بافقيه في كتابه العربية السعيدة الجزء الثاني  ( تم توحيد سبأ وحمير عن تراض تحت قيادة ياسر يُهنعم في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ) .

YNP – علي الشراعي :

اجتماع في مأرب لتسليمها بطريقة سلمية !

 

You might also like