صنعاء.. إعادة تشغيل مصنع الأسلحة!
صنعاء.. إعادة تشغيل مصنع الأسلحة!
متابعات| تقارير| علي الشراعي:
صنعاء.. إعادة تشغيل مصنع الأسلحة!
صنعاء.. إعادة تشغيل مصنع الأسلحة!
في ظل حصار بحري خانق للسواحل والموانئ اليمنية منذ بضع سنوات , وسيطرت المحتل على أغلب الشواطئ والجزر في البحر الأحمر, واشتعال المعارك في عدة جبهات مما حال دون وصول السلاح لليمن , وكنوع من الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي على حكومة صنعاء للرضوخ لإراداتهم ومطالبهم وشروطهم . فكان ذلك من الحوافز القوية لإعادة تشغيل مصنع الأسلحة.
وجدت أسباب ضاغطة على الإمام يحيى حميد الدين جعله يسارع إلى إعادة تشغيل مصنع الأسلحة والبارود الذي بناه العثمانيون في صنعاء خلال فترة الحرب العالمية الأولي (1914- 1918م ) . فالحصار البحري الذي مازال محكما على الموانئ اليمنية يحول دون وصول البنادق والمدافع إلى اليمن , وحتى عمليات تهريب الأسلحة من قبل التجار وصلت إلى حد الاستحالة , والحروب في لحج وعلى جبهة عسير وفي مدينة الحديدة المحتلة والمحميات وعدن مما دفع الإمام لإعادة تشغيل مصنع الأسلحة والبارود . كما أن الإنجليز بنوا خططهم السياسية والعسكرية على نفاذ الذخائر من القوات العثمانية بعد استسلامها وهزيمتها بالحرب ومن ثم انعدامها عند الإمام يحيى مما سيضطره للنزل عند إراداتهم والقبول بشروطهم .
التصنيع العسكري
وبادر الإمام يحيى لاقتطاع أجزاء من المباني المتاخمة للمستشفى البلدي (مستشفي الجمهوري حاليا ) وهيأها لتكون أماكن لمصنع الأسلحة والبارود وعهد إلى شكوت بك وحسني بك الطبيب والمهندس الميكانيكي جورجي النمساوي ( الذي أختار البقاء في اليمن والعمل مع الإمام يحيى ورفض مذلة الاستسلام للبريطانيين بعد انتصارهم بالحرب العالمية الأولي على المانيا والدولة العثمانية ) بمهمة إعادة عمليات التصنيع العسكري , وضم إليهم جماعات من اهل اليمن ليتعلموا فنون الصنعة , وكان من المشتغلين في المصنع ضباط من الجيش ذوي الخبرة ومهندسون لإدارة وتشغيل آلات الطحن البخارية , وتفرع عن المصنع آلات تعني بتجهيز مادة البارود المشتعل ومقذوفات التفجير وقابسونات المدافع والرصاص . ولما كانت مادة البارود موجودة في اليمن فقد كان العمل لترقية صناعتها بحيث يمكن الاستغناء عن البارود الأجنبي , وخلال فترة محدودة أصبح البارود المصنع في اليمن لا يقل في جودته عن مثيله الأجنبي . وقامت آلات صناعة قلل ورصاص المدافع بتوفير كميات كبيرة منه , ولا سيما وإن مهندسي آلات الطارونة – وهو الاسم المعرب لآلة صنع الرصاص والقلل للمدافع – ونجحوا في تطوير نوعيه منتجات المصنع من القلل والرصاص للرشاشات والبنادق . وقد استفادوا من منهاج فن الأسلحة والكتب والتي كانت تدرس بالمدرسة الحربية بصنعاء من حيث دراسة انواع الأسلحة الجارحة ومميزات المواد النارية وخاصة البارود الأسود وتركيباته وانواعه بدخان او بدونه ووسائل نقله برا وبحرا . ثم الأسلحة الخفيفة من بنادق نصف أليه وصنعها والأسلحة الثقيلة من مدفعية وانواع المدافع مثل الأبوس والهاون ومدافع الجبال والصحاري ومدافع القلاع ومدافع حصار السواحل والسفن . بالإضافة إلى صناعة قلل المدافع وفن الرماية والتهديف للأسلحة الفردية والثقيلة .
تطور نوعي
وجرى توزيع المختصين والعاملين كل بحسب اختصاصه , ففريق يعمل في إنتاج قلل المدافع , وفريق لرصاص البنادق والرشاشات , وفريق في المخابر لإنتاج وتحليل المواد النارية اللازمة للصواعق والقابسون , وفريق يعمل في إصلاح الأدوات الخشبية اللازمة للمدافع وغيرها لمراكب الخيول والبغال التي تحمل او تجر المدافع . وعهد إلى خبراء لإعادة إصلاح المدافع والرشاشات والبنادق التي قد أصابها عطل أو ضرر فقد أصلحت بعض المدافع البريطانية التي كانت غنيمة العثمانيين في مدينة اللحية . ونجح الصناع في تطوير المدافع بحيث تكون أقوى وأقدر على بلوغ مسافة أبعد مما كانت عليه , وكذلك في تطوير مقاسات التهديف بالرمي والإصابة للأهداف لتكون أكثر دقة ونجحوا في تصنيع أنواع من المدافع المدعو عادي الجبل , وحتى إصلاحها لتستعمل من مدفع لآخر . وبذا امكن لورش صناعة الأسلحة من ابتكار نماذج جديدة من المدفعية والبنادق والرشاشات وتعويض المقذوفات خلال فترة قصيرة . ومن ناحية أخرى فقد تمكن اليمنيون من أظهار مهاراتهم وذكائهم من تشغيل مصنع الأسلحة والبارود وإنتاج نماذج جديدة دون الحاجة إلى خبرات خارجية , فالمصنع بقي يعمل بطاقته الإنتاجية بعد رحيل عدد من المهندسين والخبراء الأتراك . وظل مصنع الأسلحة والبارود يعمل في مكانه إلى إن وقع حادث تفجير عام 1920م أدى إلى اشتعال اجزاء بسيطة من المصنع , فأعد على عجل مكان جديد له في منطقة الصافية جنوبي صنعاء بمحل بعيد عن تحديث العمران وتواجد السكان وجعل اسقفه من مادة التنك لتقليل الأضرار تحسبا لوقوع أيه حوادث له في المستقبل .