كل ما يجري من حولك

التغير الأمريكي المتوقَّع نحو اليمن.. هذه هي الأسباب والدوافع

967

 

ما هي دوافعُ الإدارة الأمريكية الجديدة لتغيير سياسات سابقاتها في اليمن؟!، وإلى أي أفق سيكون هذا التغيير؟ وَما هي نتائجُه التي يمكن أن تنعكسَ على واقع الصراع الحادث؟

تساؤلاتٌ قد تتبادر إلى ذهن الكثير يفرضها الجمود الأممي الحادث في تحقيق أي تقدم في المِلف اليمني على أبواب العام السابع من الحرب، واستمرار تحالف العدوان في حربه العسكرية وفرض الحصار الجائر على الشعب اليمني، كما يفرضها التغيير الحادث في الخطاب الأمريكي الراهن، وَالذي تعززه التوجـهات وَالتحَركات الأمريكية الأخيرة التي تفشي في مجملها عن إعطاء المِلف اليمني اهتماماً أمريكياً “خاصاً” متقدماً في الأولوية، متغيراً عن سابقه في الآليات والسياسات.

 

مؤشراتُ التوجّـه الأمريكي الجديد

قبل أَيَّـام قليلة، أعلن الرئيس جو بايدن عن تسمية الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ مبعوثاً أمريكياً إلى اليمن، ويجمع الخبراء على أنّ لدى ليندركينغ فهمًا كَبيراً للصراع الدائر في اليمن، ومعروفٌ عنه إصرارُه على بلاده بأن تساعد في إنهاء الصراع اليمني، في الوقت الذي كانت تتعالى الأصوات الأُخرى في الإدارة السابقة للدفع لمزيد من الضغط المالي والاقتصادي ضد حركة أنصار الله.

وبحكم التأثير الأمريكي سيلعب المبعوث الأمريكي دوراً أكبرَ فاعليةً من الدور الأممي الفاقد للبوصلة، كما أنه سيكون هذا الدور مباشراً وَبدون وسطاء إقليميين.

عقب هذا القرار افتتح بايدن أول خطبه المتعلقة بسياساته الخارجية كرئيس بإعلانه “وضعَ حَــدٍّ لـ”الدعم” ولـ “مبيعات الأسلحة” الأمريكية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية، وبالتالي توالت تسريبات المسؤولين الأمريكيين عبر كبريات الصحف الأمريكية عن ملامح هذا التوجّـه الذي سيسلكه بايدن، وَترجيحاتها أن يلغى قرار إدارة ترامب تصنيف “أنصار الله” منظمةً إرهابية.

مؤشراتٌ لا يمكن اعتبارُها ضمنَ الأكاذيب الأمريكية المعتادة، إذَا ما تزامنت معها تأكيداتٌ صدرت عن “مسؤول رفيع” في حكومة صنعاء –بحسب قناة الميادين- عن تواصل “غير مباشر” منذ أسبوع بين صنعاء والإدارة الأمريكية الجديدة، هذا يعني أن واشنطن قد سارعت بالفعل في فتح قنوات لترجمة هذه الوعود عمليًّا.

التغير الأمريكي المتوقع جاء كحلول علاجية لواقع جديد.. هذه معطياته:

– تراجع سُمعة وهيبة وحضور الولايات المتحدة

– الفشل الذريع للأدوات الأمريكية في تحقيق الأهداف المرجوَّة من الحرب في اليمن

– تهديد وجودي للكيان الصهيوني بعد امتلاك اليمن كُـلّ المقومات العسكرية فـ بالستيات ومسيّرات صنعاء تطالُ الكيانَ وقواعده في المنطقة

– ليس ناتجاً عن تبدّل في المزاج الأمريكي أو مراجعات أخلاقية إزاء جرائم وحصار العدوان المدعوم أمريكياً، بل تحت قاعدة المكاسب والخسائر للولايات المتحدة على المدى البعيد

– الصمود اليمني غيّر إلى حَــدّ كبير خارطة المصالح الدولية وشجّع قوىً دولية منافسة لأمريكا إلى أن تقدم تدريجيًّا إلى المنطقة

 

تغييرٌ فرضته المخاوف!

ثمَّةَ مؤشراتٌ ينبغي الانطلاقُ منها لتوصيف التغير المتوقع في مستقبل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط عُمُـومًا، والحالة اليمنية على وجه الخصوص، وقبل الحديث عن هذه المؤشرات “يمنياً”، وجبتِ الإشارة إلى أن التغير الأمريكي المتوقع ليسَ ناتجاً عن تبدّل في المزاج الأمريكي مع تغير لون الحزب الفائز في الانتخابات، أَو ناجمة عن مراجعات إنسانية وَأخلاقية مُجَـردة فرضتها المأساة الإنسانية المتفاقمة في اليمن جراء جرائم وحصار تحالف العدوان المدعوم أمريكياً، وإنما تحت قاعدة المكاسب والخسائر بالنسبة للولايات المتحدة على المدى البعيد، ولطالما كانت السياسة الأمريكية عبر المراحل تبنى على هذه القاعدة وتخضع للمراجعات، بما يعيدُ إنتاجَ القوة الأمريكية، وينسجم وحجمَ المخاوف والتحديات التي تحيطُ بها كقوة هيمنة عالمية.

وبمعنى أدق، فَـإنَّ هذا التغير الأمريكي المتوقع جاء كحلول علاجية لواقع جديد فرض معطياته عنوانه العريض تراجع سمعة وَهيبة وَحضور الولايات المتحدة، وتحت هذا العنوان عناوين فرعية أُخرى، كـالفشل الذريع للأدوات الأمريكية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوَّة من الحرب على اليمن، وَتنامي المخاطر على الوجود الأمريكي والصهيوني في المنطقة مع تصاعد شعبيّة وَحضور وَإمْكَانيات القوى المناوئة وَاتساع رقعة الجغرافيا التي تسيطر عليها، وَكذلك بروز عدد من القوى الدولية على حلبة التنافس الاستراتيجي وَتحينها لفرصة سقوط النموذج الأمريكي للقفز إلى واجهة المشهد.

 

تصاعدُ القوة اليمنية وَغرق الأدوات

لقد وصلت الإدارة الأمريكية إلى قناعة مفادُها أنه وبعد ست سنوات من محاولات كسر وتطويع الإرادَة اليمنية الناشئة وإعادتها إلى حضيرة أدوات واشنطن، ورغم الدعم الأمريكي اللامحدود في كُـلّ المجالات لتمكين تلك الأدوات من الانقضاض على الطموحات اليمنية الفتية، فقد مُنِيَ التحالفُ السعودي الإماراتي بالفشل الاستراتيجي عسكريًّا وسياسيًّا وإنسانيا، وَأكثر من ذلك فقد أحدث هذا الفشل ارتداداتٍ وتداعياتٍ تتجاوزُ خسائرَ الدولتين الخليجيتين إلى تهديد لمستقبل المصالح الأمريكية، وأبعد من ذلك إلى تهديد لوجود الكيان الصهيوني في المنطقة، بعد أن تملك أنصار الله كُـلّ المقومات العسكرية وَالشعبيّة والجغرافية التي يمكن أن تجعل منه حارساً قوياً على السواحل والممرات المائية الدولية، هذه المخاوف التي لطالما أرجعها محور واشنطن بمكوناته (الكيان الصهيوني– السعودية–الإمارات) إلى تنامي النفوذ الإيراني في اليمن والمنطقة، وهو توصيف لطالما حرصت على ترسيخه إعلامياً لتبرير التدخل وَتحت تأثير المخاوف المتصاعدة من محور المقاومة عُمُـومًا، غير أن هذا الإلحاق والتجيير للإرادَة اليمنية لم يكن سبباً كافياً للنيل منها مع تصاعد الوعي الجمعي لشعب اليمن وَاصطفافه خلف قيادته.

لقد عايشت واشنطن المتغيراتِ اليمنيةَ التي استعصت عليها بكل الوسائل، وهو ما يفرض عليها إنقاذَ نفسها وَحلفاءها، هذا يستلزم فتح قنوات تواصل مع أنصار الله، كما هو الحالُ مع كُـلّ قوى المحور، حَيثُ بات الاعترافُ بالأمر الواقع –وفق الرؤية الأمريكية– جزءاً من الحل أَو يمثل الانتقال إلى فصل جديد من فصول الصراع، إن صحت التوقعات.

 

من المبكر أن نتوقع إيقاف العدوان والحصار فالغموض لا يزال يحيط خارطة الحل التي تراها واشنطن في اليمن

 

ارتداداتُ الفشل على السباق الاستراتيجي الدولي

لم يخفِ بايدن مخاوفَه من “طموحات الصين المتنامية”، واعتبرها تحدياً في ذات الخطاب الذي كان يتحدث فيه عن وقف دعم الحرب على اليمن، وكما هو معروفٌ أن هناك تداخلاتٍ إقليميةً ودولية في مشهد الفشل السعودي الأمريكي في اليمن، هذه التداخلات تحكمها حساسيةُ وأهميّةُ الموقع الاستراتيجي اليمني، لقد غيّر الصمود اليمني إلى حَــدّ كبير خارطة المصالح الدولية، وشجّع قوى دولية منافسة للولايات المتحدة كالصين وروسيا إلى أن تقدم تدريجيًّا إلى المنطقة للاستفادة من حالة الاستقطاب وإقامة تحالفات جديدة مع القوى المنتصرة، هذا يعني أن مستقبلَ أمريكا في المنطقة في خطر، وعليها أن تضع في الاعتبار مصالحها وفق احتمالين منفردين أَو معاً، إما إنقاذ حلفائها وكبح هزائمهم وانكساراتهم بالحوار السياسي، أَو بفتح قنوات مع الخصوم بما فيهم أنصار الله في اليمن بعد أن باتوا أمراً واقعاً يستحيل تجاوزه، وربما الاعتراف بهم وإقامة علاقات دبلوماسية وَمعاهدات تمكّن واشنطن مستقبلا من تأمين مصالحها ونيل نصيب من عقود الاستثمار والتنمية في بلدانهم.

 

ضبابيةٌ في خارطة الطريق الأمريكية

من المبكر أن نتوقعَ إيقافَ العدوان وإن صار مرجحاً أكثر من أي وقت، غير أن الغموض لا يزال يحيط خارطة الحل التي تراها واشنطن في اليمن، وما هو شكل ومكونات هذا الحل الذي تسعى إليه، كما أنه من المبكر جِـدًّا أن نحكُمَ على نجاح السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة واليمن وما يمكن أن ينعكسَ على الواقع العسكري والاقتصادي والإنساني والقضايا الجوهرية محل الصراع، هذا يتعلق بسقف التنازلات وَحجم المطامع التي تطمح إليها الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة، غير أن ثمة حقائق لا يمكن التغاضي عنها، أولها أطماع الكيان الصهيوني التي تتسترُ خلفَ أمريكا في ظل سيطرة اللوبي الصهيوني على مراكز القرار في واشنطن، وَآخرها أنه لم تكن الإداراتُ الأمريكية يوماً مع خيارات الشعوب وحقها في الحرية والاستقلال والسيادة، بقدر ما ترى في أية عمليةٍ سياسيةٍ فرصةً لاستعادة الأنفاس وَطبخ المزيد من المؤامرات، وهذه العناوين التي قدم لأجلها الشعب اليمني عظيم التضحيات ولا يمكن أن يساوم عليها وستظل محكومة بما نملكه من خيارات وَأوراق، وَبالمتغيرات الإقليمية والدولية الحادثة التي قد تنعكس على هذه الخيارات سلباً أَو إيجاباً.

* صحيفة المسيرة| سند الصيادي

You might also like