المخابراتُ الأمريكية والعملياتُ القذرة
أنس القاضي
شُكلت هيئةُ الأمن القومي الأمريكي بناءً على مذكرة من الرئيس ترومان، وجّهها في أُكتوبر 1952 إلى سكرتير الدولة ووزير الدفاع.
وأصبحت الهيئةُ الجديدةُ بناءً على تلك المذكرة تقومُ بجمع المعلومات الاستخبارية في الخارج عن طريق “التقاط الاشارات الكهرطيسية” من وسائل اتصال الدول الأُخرى.
تعمل هذه الهيئة الاستخباراتية على العديد من القواعد الحربية الأمريكية التي تبلغ 400 قاعدة عسكرية، وحوالي ألفين وستمِئة نقطة استناد للبنتاغون تقع خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تستند هذه الهيئة في أنشطتها التجسسية العدوانية على الزوارق البحرية والطائرات المزودة بأجهزة حديثة جِـدًّا للتجسس اللاسلكي والراداري والليزري.
ومنذ تأسيس هذه الهيئة حتى اليوم أُلقي القبض على العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين، وعلى موظفي المخابرات المركزية، في بلدان أجنبية وهم متلبسون بجرائم التجسُّس.
سنة 1961 وبعد أربعة عشر عاماً من تشكيل المخابرات المركزية الأمريكية، أسّس الرئيسُ الأمريكي جون كينيدي هيئة استخبارات جديدة بناءً على طلب وزير الدفاع ماكنامارا، إنها إدارةُ مخابرات وزارة الدفاع وتحظى بمكانة هامة في نظام الاستطلاع العسكري والمخابرات بشكل عام، وقد أُسست إدارة مخابرات وزارة الدفاع على أَسَاسٍ عدواني مخالفٍ للقوانين والأعراف الدولية.
صرّح العميد الأمريكي «لاركين» نائب مدير الإدارة أمام لجنة مجلس الشيوخ لشؤون الاستخبارات قائلاً:
“يجب التأكيدُ أن إدارةَ مخابرات وزارة الدفاع تعمل على جمع المعلومات التجسسية الخارجية ومعالجتها وتحليلها لصالح وزارة الدفاع والهيئات القيادية الأُخرى”.
تقع على عاتق مدير المخابرات المركزية الأمريكية مهمةُ الربط والتنسيق بين إدارة الاستخبارات وهيئاتها المتعددة.
يحدّد مديرُ المخابرات المركزية الأمريكي مهام الهيئات الاستخبارية كافة وينسقُ نشاطَها ويحدّد حاجاتِها من الاعتمادات المالية. ويتحمل مديرُ المخابرات المركزية المسؤولية أمام الرئيس ومجلس الأمن القومي، عن تنفيذ البرنامج الأمريكي للعمليات الاستخبارية الخارجية ذات الطابع العدواني والاستعماري.
تطلق الصحافةُ الأمريكية مصطلح “الألاعيب القذرة” على نوعٍ من نشاطات الاستخبارات الأمريكية، وخَاصَّةً نشاط أُولئك الموظفين الذين يعملون على تخطيط العمليات السرية، وتنفيذها، كالاغتيال السياسي والانقلابات ودعم الإرهاب والدعاية السوداء وغيرها من العمليات الإجرامية المخالفة للقوانين والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
” في عام 1981 أصدرت دار “ماجروهيل بوك كومباني” الأمريكية كتاباً لنائب رئيس فرع العمليات الاستخبارية في إدارة المخابرات المركزية «شيكلي»، سُمي هذا الكتاب: “الطريق الثالث”.
مفهوم “الطريق الثالث” اصطلاحٌ يُستخدم في التجمع الاستخباري الأمريكي للدلالة على العمليات السرية شبه العسكرية، في حين أن الطريقَ الأول هو تنفيذ السياسة الخارجية بالوسائل الدبلوماسية، والطريق الثاني هو الحرب.
يحدّد كتاب الطريق الثالث المهام العدوانية الموجهة ضد ثورات حركات التحرّر الوطنية في العالم، وطرق تنفيذها.
يؤكّـد شيكلي أن هدفَ الطريق الثالث هو “إخضاعُ الشعوب للسيطرة الأمريكية ووسمُ جميع الحوادث بطابعٍ مناسبٍ للولايات المتحدة الأمريكية”.
في عهد الرئيس الأمريكي كارتر، تم تغييرُ اسم العمليات السرية إلى اسم أكثر اعتدالاً هو: “العمليات الخَاصَّة”. نص القرار الصادر عن الرئيس كارتر برقم 12036 على ما يلي:
“تنفذ العملياتُ الخَاصَّة في الخارج تأكيداً لأهداف السياسة الخارجية. ويجب أن تساعدَ هذه العمليات على تحقيق البرامج السياسية الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، تخطط العمليات السرية وتنفذ بشكل لا يظهر معه دورُ الحكومة الأمريكية ولا تظهر أية حاجة للاعتراف بهذا الدور على الصعيد الشعبي. ولا تدخُلُ العملياتُ الخَاصَّة ضمن النشاط الدبلوماسي، ولا في عملية جمع المعلومات التجسسية ولا في عمليات أُخرى ضمن النشاط الدبلوماسي والاستخباري”.
رغم انتهاء الحرب الباردة وسباق التسلُّح الدولي والانقسام العالمي إلى معسكرين شرقي وغربي، فما زالت أجهزة الاستخبارات تحظى بذاتِ الأهميّة لدى الطبقة الحاكمة الأمريكية، وتُختَصُ بنصيب الأسد من الموازنة العامة للدولة؛ خدمةً للمصالح الاستعمارية غير المشروعة.
وتزدادُ أهميّةُ أجهزةِ الاستخبارات الأمريكية بالنسبة للولايات المتحدة مع دخول العالَم في حروب الجيلَين الرابعِ والخامسِ التي تمتازُ بآليات التأثير الناعمة، والعمليات العدوانية غير المباشِرة.