دُخلاء على المسيرة
أحمد داوود
لم يعد الأمر كما كان في السابق، فالمجاهدون المخلصون الأوائل كانوا يحملون المشروع القرآني على عاتقهم وهم قليل مستضعفون غير آبهين للمصير الذين ينتظرهم، في زمن كان الجلادون كثيرين، والنظام يعج بالكراهية لكل من هو أنصاري، أَو حتى يدعي ذلك.
في ذلك الوقت لم يكن أحد يجرؤ على القول بانه أنصاري إلَّا المنتمون الحقيقيون لهذا المشروع.
اليوم، المشهد تغير كَثيراً، مع تغير المعادلات، وانقلاب الموازين، وانتصار المستضعفين والتمكين لهم في الأرض، فقد رأينا أفواجا كثيرة تعلن انضمامها إلى المسيرة، وهؤلاء يحملون الشعارات على سياراتهم، ويلصقونها على بنادقهم، ويصرخون في كُـلّ مسجد وحي ونادي واجتماع، وهذا شيء جميل ورائع، أن يعرف الناس الحق، ويستضيئون بنوره، لكن المخاطر تكمن في أُولئك المندسين والمخادعين.
قبل أَيَّـام اشتكى أحد الأصدقاء من تاجر أراضي يخادع الناس باسم المسيرة.. هذا الرجل يوهم الجميع بأنه مجاهد ومضحي، ولا ضير لديه إن قال: “يا سيدي”، وسننتصر على العدوان، لكن أفعاله على الواقع تسيء للتوجّـه والمبدأ والانتماء، فأنصار الله لا يكذبون ولا يخدعون، ومسيرتنا تقتضي المصداقية في القول والفعل، لكن الدخلاء عليها ينخرون هذه المبادئ ويحولون مسارها إلى مسيرة قول وشعار فقط، وليس أفعال.
إن مشروع أنصار الله عظيم، والمسيرة التي ضمت الكثير من الرجال المخلصين ما كان لها أن تواجه وتصمد وتنتصر على الأعداء طيلة السنوات الماضية، لولا ثبات وصدق وعزيمة هؤلاء المنضمين إليها، والذين ضحوا بأموالهم وأرواحهم وبذلوا الغالي والنفيس في الدفاع عن الوطن وصون كرامته واستقلاله.
ان ما نخشاه، هو أن يتكاثر هؤلاء الدخلاء، أَو أن يصلوا إلى المناصب الرفيعة، وحينها تنتشر سمومهم، لتكون سكاكين موجعة على ظهورنا، ونحن نعتقد أن هؤلاء هم أملنا ومستقبلنا.
نتحدث عن هذه المخاوف؛ لأَنَّ شواهد التأريخ وتجاربه كثيرة، فكفار قريش الذين تجرعوا الهزيمة في فتح مكة، لم يجدوا وسيلة سوى إعلان إسلامهم، حتى لا يتعرضون للقتل، لكنه كان إسلام مخادع، ومزيف، ولقد ظهرت مساوئه بعد عشرات السنين ومن بعد موت رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، اعتلى الأميون الصدارة، وحكموا المسلمين، وقتلوا آل بيت رسول الله، ونكلوا بهم، وشردوهم، وطبعا كُـلّ ذلك حدث باسم الله والإسلام، وليس باسم هبل وأوثان قريش.
نحن لا نريد أن يكون الناس مثاليين، أَو أن نبني مجتمعا مثاليا، أَو نعترض لكل من يريد الانتماء إلى هذه المسيرة ومشروعها العظيم، لكن علينا الحذر من المندسين والمخادعين، ونأمل من الحكومة والقيادة السياسية أن تضرب بيد من حديد لكل المحتالين والنصابين على الناس باسم المسيرة، أَو باسم المجاهدين، كي يكونوا عبرة لمن يعتبر، وكي يعيَ الناس أن مسيرتنا ليست شعارات براقة فقط، وإنما هي قول وفعل، وهي لا تتأثر بالتقلبات والمنعطفات، والمتغيرات، وإنما تظل في ديمومتها صادقة صافية نقية، وتحب الأنقياء المخلصين المنضمين إليها.
وهي مسيرة جهاد وعطاء وبذل، ومشروعها لن ينحصر في محليته فقط، بل ينطلق إلى العالمية، وعلينا أن نعي أن هذا المشروع لن يعيقه أَو يخذله سوى الدخلاء الذين يحملون روحاً منهزمة تخذل الناس وتثبطهم، وتسير على درب النظام السابق في الكذب والخداع والفساد.