الهشاشة السعودية بين استعراض الـ (20) و انبطاح التطبيع!
الهشاشة السعودية بين استعراض الـ (20) و انبطاح التطبيع!
متابعات – تقرير – قيس الوازعي
من حُسن حظ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يتزامن موعد انعقاد قمَّة دول مجموعة ال20 في الرياض في ظروف عودة جائحة كوفيد19.الأمر الذي اوجب أن تنعقد افتراضياً، وإلّا لشهدنا حضوراً أقلّ للقادة، استجابة لضغوطات ذاتية تمارسها عليهم، أخلاقيات تربَّوا عليها وضغوطات موضوعية، تمارسها عليهم شعوبهم وبرلماناتهم ومنظمات حقوقية دولية، بسبب السِّجِل الحقوقي للمملكة المثقل بالتجاوزات، بل والتجاوزات الفضيعة!
كان المعترضون على انعقاد هذه الدورة في السعودية، ومعظمهم غربيون، قد ناشدوا الدول والشركات الغربية ورجال الأعمال عدم الاستجابة لدعوات ولي العهد السعودي للاستثمار في مدينة (نيوم) الصناعية السعودية، لذات السبب!
انعقدت القمة، إذن، في دورتها الخامسة عشرة في الرياض، خلال الفترة من21- 22 م نوفمبر ، برئاسة خادم الحرمين، وعلى الوجه الذي أراده ولي العهد، وهو الشغوف، دائماً، بالزعامة وبإظهار المملكة كقوةٍ اقتصادية فاعلة ومؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي وكزعيمة للعالم الإسلامي وكأكبر قوة اقتصادية تمثِّل المنطقة في هذا المنتدى الاقتصادي التشاوري العالمي.
هذه آخر حدود ما يطمح إليه ولي العهد السعودي، لذلك أعطى مسألة انعقاد قمّة دول العشرين في الرياض اهتماماً بالغاً وعمل بجديّة للإعداد لها، ولاكتمال عدد المشاركين فيها، متجاوزاً أية موانع، رغم علمه المسبق والأكيد بأنها مجرد تجمع تشاوري استعراضي، غير مُلزِم في مقرراته للدول الأعصاء؛ الأقوى اقتصاداً، ليس إلّا. بدليل أن مقررات القمم السابقة لم تلقَ أية أصداء تطبيقية على أرض الواقع العالمي، اللهم إلا القليل!؟
لايهم ولي العهد السعودي ماالذي ستنجزه قمّة الرياض، ولايعنيه ما سيتحقق منها على أرض الواقع العالمي، بقدر مايهمه إظهار المملكة بمظهر العضو الحيوي المستوعب لمشكلات العالم والمشارك، بفاعلية، بقضاياه الراهنة والمستقبلية!!
لقد خرجت قمّة الرياض ببيان ختامي تضمَّن 38 مقرراً!؟
هذا الكم العددي ،وحده، يغني اللبيب! فمعظم هذا الكم الكبير من المقررات يصب في مواجهة كوفيد19 ومساعدة الدول الفقيرة في الحصول على اللقاحات ذات الصلة، بأسعار معقولة والتخفيف من آثار وتبعات هذه الجائحة وما نجم عنها من أضرار لحقت بالاقتصاد العالمي .. وهي مقررات، من المحتمل، جداً، أن تلحق بمقررات سابقاتها من القمم المنسيَّة…ولقد كان الأهم من ذلك كله، في نظر سموه، ما فاجأت به المملكة الزعماء المُؤتمِرين من بحث علمي سبّاق حول ضرورة وأهمية(اقتصاد إعادة تدوير الكربون)، الذي أعدّه شقيقه الأكبر معالي الوزير، وهو أصدق دليل على حضور البحث العلمي في ذهنية قادة المملكة ورجالات صفها الأول وحرصهم الشديد على تنبيه هذه الدول من غفلتها إلى مايجب عليها عمله…إلخ.
لاتسألوا عمّا تعنيه عملية إعادة تدوير الكربون، فقد عجزتُ عن فهم طلاسمها الفيزيائية والكيميائة، التي قد يفهما المتخصصون وحدهم.
إنها بالنسبة لمحمد بن سلمان قمّة استعراض عضلات، في المقام الأول، ليس أمام دول المنطقة، فحسب وإنما أيضاً، أمام دول مجموعة العشرين الغنية والمتقدمة ذاتها، التي مابرحت تهمز وتلمز في الملف الحقوقي لهذه الدولة المتحضرة الراقية!
فقصَّة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، من وجهة سمو ولي العهد، ولو بتلك الوحشية والهمجية، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، بواسطة فريق استخباري سعودي متخصص ومتمرس، على الاغتيالات، وبإشراف مباشر من سلطات عليا في المملكة، وكذا مطاردة معارضي النظام، الفارِّين من بطش أجهزته الاستخبارية ، وأيضاً إيداع الناشطين والناشطات من الكتاب الصحفيين والحقوقيين السعوديين السجون وتعذيبهم…،كل ذلك لا يعني تعديّاً على الحريات ولا على حقوق الإنسان، ولاحتى يسيء إلى الوجه الحضاري المشرق للمملكة، وحتى ولاينتقص من مسيرة التغيير والتحديث التي يقودها سموه !؟
هذه التناقضات في فكر القائد السياسي الفعلي في المملكة محمد بن سلمان، جميعها تَشِي بوجود خلل كبير في المنظومة الفكرية لديه!
فالرجل لايرى في بناء مملكة دستورية ولافي اعتماد الديمقراطية والسماح بالتعددية الحزبية ولا في تشجيع منظمات المجتمع المدني ولافي سنِّ قوانين تعنى بحماية الحريات واحترام حقوق الإنسان…لايرى فيها ضرورة لبناء المجتمع السعودي الجديد، المتحضر ولا في إقامة الدولة العادلة المتزنة البناء، بما يضمن لها الديمومة والنهوض باطراد!؟
أمّا الذي يشغل بال ولي العهد الآن فهو موعد انعقاد القمة الأهم، هناك، في مدينة(نيوم)، بعد ساعات من انتهاء قمة دول مجموعة ال20!
فما إن تمّ الانتهاء من تلاوة البيان الختامي المطول، حتى غادر إلى مدينة نيوم في الشمال الغربي للمملكة، حيث سيلتقي سِرَّاً، وفي ذات المساء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومدير جهاز الاستخبارات( الموساد) ومعهما وزير الخارجية الأمريكي بومبيو ـ منسق عمليات التطبيع العربي الإسرائيلي، قبل الرحيل، مبعوث الرئيس المهزوم ترمب !؟
العارفون بنهج السياسة السعودية الخفي والماكر، الذي تخالف أفعاله أقواله، على الدوام، يدركون، جيداً، كم يبلغ الآن عمر العلاقة المتينة بين المملكة وإسرائيل!؟ ويعرفون، بالتّالي، أن التطبيع العلني الذي تم ويتم بين إسرائيل وكلٍّ من الإمارات والبحرين… ما كان له أن يتم دون علم المملكة وربما بوساطة منها! لذلك فهم لم يتفاجأوا إلا باختيار زمان ومكان انعقاد قمة التطبيع بين السعودية وإسرائيل فقط.
لم يعرفوا أن ولي العهد سيستغل، وبِدَهَا جَدِّه المؤسِس، انشغال الإعلام المحلي والعالمي بقمة العشرين وببيانها الختامي، لينجز مهمته التطبيعية، ليلاً، في نيوم!
فمن هو الغبي الذي سيُصدِّق خبر انتقال سموه إلى نيوم، للقاء رئيس وزراء إسرائيل، بعد يومين من الإجهاد الذهني في قمة ال20 ؟!
الخبر قمة نيوم جاء من إسرائيل وفيه من التأكيدات ما يثبت صحته. ومع ذلك كذَّبته الخارجية السعودية بعد عدة ساعات من انتشاره!
كأن الكذب والتكذيب شرط أصيل في شخصية السياسي العربي، من دون أمم الأرض، ولا أدري لماذا؟ أغلب الظن أن ذلك بسبب عدم وجود نص ديني واضح يحرم الكذب على المسلمين ويحدد عقوبته! ربما.
لاشيء يمنع ولي العهد السعودي من إعلان التطبيع مع إسرائيل، على الملأ، سوى حرصه على مكانة بلاده في العالم الإسلامي، وهي التي تضم أولى القبلتين ثالث الحرمين الشريفين، كأهم مقدسات المسلمين، التي تدرُّ على خزينة بلاده، إلى جانب المكانة والمهابة، عشرات المليارات من الريالات سنوياً. فقد أصبحت العملية استثمارية في المقام الأول.