كل ما يجري من حولك

البرلمان اليمني في قائمة غينيس للأرقام القياسية

783

 

عبدالقوي السباعي

في نوفمبر 2004م توجّـه اليمنيون إلى صناديق الاقتراع والانتخاب لاختيار من يمثلُهم في مجلس النواب (البرلمان)، بغض النظر عمّا رافق تلك الانتخابات من أحداث وتباينات وتبادل الاتّهامات التي ألقت بظلالها على المشهد العام للصراع السياسي المحموم والتنافس الحزبي الملتهب في تلك الفترة، وفي الـ11 من الشهر نفسه عقد المجلس أولى جلساته إيذاناً ببدء الفترة الزمنية المحدّدة لبقائه تحت قبة البرلمان، والتي كان ينبغي أن تنتهي الفترة القانونية له في الـ27 من ابريل 2009م، ولكن قبل انتهاء فترة الصلاحية بشهرين أُبرم اتّفاقاً بين الحزب الحاكم آنذاك المؤتمر الشعبي العام الحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان، وبين تكتل أحزاب المعارضة، أَو اللقاء المشترك والذي يضم 6 أحزاب إسلامية ويسارية وقومية، قضى بالتوافق على تمديد عمر البرلمان إلى سنتين إضافيتين بحجّـة إتاحة الفرصة أمام مساعي الحوار حول الإصلاحات الانتخابية ومشروع التعديلات الدستورية وغيرها من الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها وتبيت لها القوى السياسية الفاعلة في البلد، وعلى ضوئه تم تأجيل الانتخابات النيابية إلى 27 ابريل 2011م.

في فبراير 2011م وصلت رياح التغيير لما عرف بثورات الربيع العربي إلى اليمن، واندلعت ما يسمى ثورة الشباب السلمية المطالبة برحيل الرئيس علي صالح عن الحكم، فيما قام الأخير بالإيعاز إلى أساطين نظامه الفاسدة من أشخاص وأحزاب بالقفز على صهوة الثورة وسرقتها من شباب الساحات وحرف مساراتها على نحوٍ مريب – وبعد أحداثٍ ومتغيرات وتفاصيل ليس هذا مقامها – وقّعت في 23 نوفمبر 2011م الأطراف السياسية اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، على المبادرة الخليجية (السعودية) التي بموجبها تنحّى “عفاش” عن السلطة، وكان في يوم 24 فبراير 2012م أعلنت اللجنة العليا للانتخابات مساء الجمعة، في صنعاء أن المرشح الوحيد إلى الانتخابات الرئاسية اليمنية التي جرت الثلاثاء، يوم 21 فبراير، نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد انتخب لفترة عامين قادمين بحصوله على 99.8% من الأصوات، بعد انتخاباتٍ هزلية لم يشهد لها التاريخ مثيل، وذلك بمقتضى ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمّنة، وهي المبادرة التي منحت أَيْـضاً البرلمان اليمني تمديداً لسنتين أُخرييْن.

بعد انتهاء فترة صلاحيات الرئيس “هادي” والبرلمان في 21 فبراير 2014م، أصبحت المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمّنة هي مصدر القرار والتشريع وبموجبها تشكل مؤتمر الحوار ووضعت خارطة الأقلمة، وبموجبها يصدر الرئيس القرارات ويصادق البرلمان على التشريعات – وبإمْكَان الباحث أن يراجع أرشيف القرارات الرئاسية والاتّفاقيات والمصادقات البرلمانية لتلك الفترة – والتي تعطل فيها الدستور والقوانين النافذة وجعلت من هذه المبادرة السعودية هي المرجعية الأولى للبلاد، فجاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م لتنهي هذه التبعية المفرطة والانبطاح المخزي والعمالة الظاهرة والارتهان المفضوح للقوى السياسية الفاعلة في تلك الفترة.

والمتأمل سيلاحظ أن الثورة الشعبيّة في العام 2014م إنما جاءت بمثابة عملية جراحية ضرورية لانتزاع القرار السيادي اليمني من براثن التبعية، وتصحيح مسار الدفة السياسية نحو الاستقلال التام عن التسلط الأجنبي والتحرّر من الهيمنة والاستغلال الخارجي وأدواته في الداخل، لذلك حافظة الثورة الوليدة على معظم الفعاليات الموروثة ولم تحطمها كشكلٍ من أشكال البناء الثوري المتوازن مع مُجمل متغيرات واقع الحياة اليمنية العامة والمختلفة وانعكاساتها على مسارات التحول الثوري الكامل، والذي كان للبرلمان نصيباً أوفر، على الرغم من بروز كثير من الدعوات لحل البرلمان، والتي لاقت أَيْـضاً تأييداً كَبيراً آنذاك، حتى من قبل بعض نواب البرلمان أنفسهم، والذين أكّـدوا “إنه لم يعدْ يقدم شيئاً، ولن يقوم بتقديم شيء”؛ لأَنَّ تركيبته التي كان يهيمن على 80% منها حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق “عفاش” قد أثّرت بشكلٍ كبير على أداء البرلمان التشريعي والرقابي؛ لأَنَّ الحكومة كانت من المؤتمر، إضافة إلى كونه يمتلك كتلة أغلبية في البرلمان فكان هذا ينعكس سلباً على عمله أَو عند النزول الميداني وكتابة التقارير عن أداء الحكومة، فحصل نوع من التماهي بين البرلمان وبين الحكومات المتعاقبة، وبذلك خرج عن صلب مهامة وواجباته وضعفت أصوات المعارضة داخله، في كُـلّ الاتّجاهات، ومثّل خيبة أمل للجماهير اليمنية التي أعطتهم أصواتها.

ويظهر الأمر جليًّا خلال ستة أعوام من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، والبرلمان أَو مجلس النواب لم يقدم لليمن واليمنيين شيئاً يذكر وليس لأعضائه دورٌ بارزٌ، أَو يسجل لهم موقفٌ أَو حسموا قضية أَو قدموا مشروعاً، إلاّ قلةً قلية ممن رحم ربي، ويظل مجلس النواب اليمني بعد مرور 14 عاماً على انتخابه هو البرلمان الأطول عمراً في التاريخ البشري، وبذلك يمكن أن يرشح للدخول في قائمة غينيس للأرقام القياسية كأكبر مجلس نيابي عمراً على الإطلاق.

You might also like