لعنة كورونا أم لعنة اليمن
لعنة كورونا أم لعنة اليمن
متابعات:
كأن حربا عالمية غير مرئية اندلعت في أرجاء المعمورة، حوصرت الدول وانعزلت عن بعضها وأغلقت الحدود والمطارات والموانئ، وأغلقت المصانع والمتاجر ومنع الناس والسلع من التحرك، وبقى الناس في بيوتهم خوفا من الموت الذي ينشره فيروس كورونا.
الموت المتنقل بين القارات والعابر للحدود بصمت كلعنة فرضت حالة الحرب وضربت الاقتصاد العالمي وتهاوت بفعله البورصات واتشحت بالون الأحمر، كما عزل الفيروس المدمر مليارات البشر عن بعضهم ومنع الرحلات الجوية والبرية، حتى المدارس أغلقت أبوابها وكل أشكال التجمعات توقفت.
كل هذا يحدث ولا زال كورونا في بداياته ماذا لو أخبر أحد العالم أن الوباء القاتل سيبقى أكثر من خمس سنوات يجوب القارات ويحصد الضحايا دون أن يكتشف أحد له علاج.
ما حل بالعالم منذ مطلع العام الحالي 2020 يعيشه اليمن المظلوم منذ أكثر من خمس سنوات في ظل صمت أممي ظن أن عدالة السماء لن تطاله، ومن أجل المال أدار العلم ظهرة وصمت طويلا أمام قتل شعب وحصاره وإغلاق مطاراته وموانئه حتى وصلت البلاد إلى حد المجاعة، وعانت من أسواء كارثة إنسانية في العالم.
وكان القاتل المترف الذي يستبيح اليمن يجوب العالم شرقا وغربا يشتري أسلحة ويعقد صفقات يسيل لها اللعاب كرشاوى يشتري بها صمت الدول ليتمكن من سفك دماء اليمنيين وتجويعهم دون حسيب أو رقيب.
حينها تحسرت دول وهي تنظر الجرائم البشعة بحق اليمن لكن ليس على دماء اليمنيين بل على ما فاتها من مليارات المجرمين، ونتذكر في أبريل 2017 كيف عبر الرئيس الإندونيسي جوكوي ويدودو بألم وهو من حمل المظل للملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته لبلاده، وقال بعد معرفته بتوقيع السعودية اتفاقيات استثمار تبلغ 65 مليار دولار مع الصين في حين حصلت بلاده على استثمارات بـ 6.71 مليار دولار: إنه يشعر بخيبة الأمل، لأنه حمل المظلة للملك، لكنه لم يحصل إلا على مقدار أقل”.
الآن الدول التي سمحت للقاتل بان يتمادى ويسرف بسفك دماء اليمنين ويهدر حقوقهم وتلاعبت بالتشريع الدولي وميثاق الأمم المتحدة وساعدته على الإفلات من العقاب باسم السلام المزيف، جاءها موت صامت سلب الأرواح والأموال وجعل اقتصادياتها تنهار كما قُتل اليمنيين وانهار اقتصاده.
تلك الدول التي كانت تصف نفسها بالقوية وجنت مئات المليارات ثمنا للأسلحة التي قتلت وشردت ملايين اليمنيين، وطائراتها الحربية وأقمارها الصناعية وبوارجه التي فرضت الحصار عاجزة عن الوقوف أمام فيروس يجتاح بلدانها، أو عن توفير أجهزة تنفس صناع لمرضاها.
اليوم تلك البلدان تشهد حربا بلا هوادة بلا قصف بلا مدافع أو صواريخ أو طائرات، وبيدها لا بيد غيرها أغلقت مطاراتها وموانئها ومصانعها، ومنعت مواطنية من السفر للخارج، وأوصدت أبوابها أمام القادمين، وأصبحت المزارات الدينيّة والسياحية وحتى شوارعها خالية على عروشها، وأصبح ضحايا الوباء بمئات الآلاف، وخسرت أضعاف أضعاف ما استلمت ثمنا لدماء اليمنيين التي سفكت والشعب الذي جُوع، والأرباح الخيالية التي اكتسبتها من السعودية والإمارات ضاعت في أيام معدودة.
وخلال خمس سنوات تردد على مسامعنا أسامي دول شرى السعودي وتحالفه منها صفقات سلاح بمئات المليارات وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وحتى الصين وروسيا والبرازيل.. وغيرها، الآن تتردد أسامي ذات الدول لكن في اتجاه آخر وحصيلة في ازدياد مرعب حول الوفيات والمصابين والخسائر والتعويضات وانهيار الأسواق والبورصات، وتهاوي أسعار النفط.
مواجهة قاسية أمام عدو خفي سلب أقوى الدول قرارها وأدخل العالم في حالة ركود لم يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، وباتت أعتى الترسانات العسكرية وأكثرها تطورا وفتكا بالأرواح، عاجزة أمام هذا الفيروس الصغير.
وأيا يكن سبب فيروس كورونا هل هي شربة الخفاش الصينية أم مختبرات السي أي أيه أو حرب بيولوجية خرجت عن السيطرة أو حرب اقتصادية أو صراعات خفية فئنها لا تغير من وقع الكارثة التي حلت بالعالم كما حلت باليمن مذ سنوات.
ليست لعنة كورونا أيها العلم المتحضر إنها لعنة اليمن المظلوم، لعنه أكثر من 13 ألف امرأة وطفل قتلوا وجرحوا بغارات التحالف من ضمن عشرات الآلاف من المدنيين الذي قتلتهم الغارات والقصف الجوي بدم بارد وهدم منازلهم ومدارسهم على رؤوسهم، إنها لعنه مئات الآلاف من اليمنيين المتوفين نتيجة الحصار الاقتصادي وإغلاق الموانئ والمطارات اليمنية وانعدام الأدوية وانتشار الأوبئة والأمراض وسوء التغذية الذي فرضها العدوان على شعب بأسرة، إنها لعنة 50 ألف مريض احتاجوا إلى السفر لتلقي العلاج في الخارج وحرمهم المجرمون من ذلك، لعنت الملايين الذي هجروا من منازلهم وحرموا من أبسط مقومات الحياة.
ليس تشفيا لكن ما حل بالعالم هو نتيجة لما كسبت أيدي الناس فكائن دقيق لا يرى بالعين صار أكبر من الحكومات وأقوى من الجيوش، كسر غطرسة أعتى المتجبرين، إنها حكمة الله الذي جعل العالم يتجرع جزء مما يعانيه اليمن منذ خمس سنوات ليشعر بألم شعبها ويراجع نفسه وحساباته ويراجع أخلاقياته تجاه عدوان يشبه وباء كورونا الذي حل بهم.
(محمد الحاضري – المسيرة نت)