وما زلت أنتظر (محسن) والرفاق على رصيف (جمعة الكرامة) !
وقعت مجزرة القاعة الكبرى وقبلها وبعدها عشرات الجرائم والمجازر وكنت في كل مرةٍ أنتظر أن يحدث أمراً جللاً ممن تعودنا منهم المفاجآت في مثل هكذا مواقف يقلب قواعد اللعبة رأساً على عقب، لكنه لم يحدث، فقلت في نفسي لعل الصورة لم تتضح لهم بعد، فعدسة (الجزيرة) أو (سهيل) سلم تكن هناك والتمست لهم العذر وقعدت أنتظر حتى اعترفت السعودية بأنها من ارتكب تلك المجزرة بحق الأبرياء، فصحت : الله أكبر ..الآن حصحص الحق . أبشروا أيها المظلومون المستضعفون وترقبوا البيان في ثلاث ، ترقبوا تلاوة الجنرال للبيان رقم ( 1).
قعدت في لهفةٍ وشوقٍ أترقب سماع صوت ذلك الرجل العجوز — الذي لم يتحمل يوم (جمعة الكرامة) أن يرى الدماء فأعلن الانشقاق والفراق — ماذا سيفعل أمام مجزرةٍ تساوي ألف جمعة كرامةٍ وجمعة .
لاشك أنه سيظهر من على شاشة (الجزيرة ) أو (سهيل)، فبدأت أبحث من جديد عن هاتين المهجورتين منذ أن هبت العاصفة حتى وجدتهما بعد عناءٍ طويل وجلست أنتظر على أحر من الجمر البيان .
مرت الساعات والأيام والشهور وتتابعت الجرائم والمجازر وقُتلت (إشراق) في مدرستها وقُصفت النساء في أرحب كما قُصفت من قبل في سنبان ووووو.. ولم تسلم حتى مدينة الخوخة المنسية وأسواقها ومطاعمها من القصف والقتل والبكاء وكذلك صعدة، ودُمر كل شئٍ، دُمرت اليمن بالكامل، لكن محسن ومع ذلك لم يطل ولم يعلن البيان، ولم أرَ جباري ولا الغباري ولا جُميح ولا خصروف ولا الوجيه ولا أحداً ممن لهم سوابقٌ في هذا المجال قدّم استقالةً أو أبدى تعاطفاً أو حتى أظهر نقمةً على المجرم السفاح !
يا للهول ماذا جرى ؟! أيعقل أنهم لم يعلموا أو يسمعوا بعد بكل هذه المجازر والجرائم ؟! أم أنهم ربما لا يرون إلا ما ترصده لهم أعين الجزيرة وسهيل و(ميكروسكوبات) المخابرات الأمريكية و(مناظير) السفارات الأجنبية ؟! أم يا تُرى أنهم من طول ما أغتبقوا الدماء قد ثَمِلوا فلم يعودوا يشاهدون الدماء أو يستثيرهم لونها أو مذاقها ؟!
أطل الكثير والكثير من نصارى ويهود العالم على استحياء مستنكرين مرةً ومنددين مرةً أخرى، لكن ركب جمعة الكرامة قد آثر البقاء والمبيت في حظيرة السفاح يقتات من روثه وبوله ما خلفته لهم (الأثوار) ذات ربيع !
عرفت عندها كم كنا نحن أغبياء يوم أن صدقنا أن ثمة ربيعاً قد مر من هنا ! وكم هم انتهازيون أولئك العائشون على جراح و آلام البسطاء في عالمٍ لم يعد فيه مكانٌ للكرامة ! عرفت كل ذلك وقلت في نفسي : ليت الربيع لم يمر من هنا .. ليت الربيع لم يمر من أمام بيتنا الكبير !
بقلم الشيخ عبدالمنان السُّنبلي