كل ما يجري من حولك

الأسرى بين ضفتي “الثقافة القرآنية” و”الفكر الوهابي”

602

 

قصة/ منصور البكالي

أُمٌّ لأكثر من عشرة أبناء.. ألوه ذبحنا ابنش الآن في قريه الهاملي وجثته هانا.

إنها أم الشهيد الذي لم يمت ولن يموت، عبدالقوي الجبري، تتلقى اتصالاً من رقم ابنها الذي وقع في الأسر منذُ شهور، ويديها اللتان ربيا الشهيد وإخوانه الـ10 المجاهدين على البأس والقوة والإقدام، وقلبها المليء بالفرح وهي تقرب السماعة من أذنها الملفوفة بمصر أسود ألوه ألوه، أيوه ذبحنا ابنش في قرية الهاملي وهذا جثته هانا، فقالت له: “أما ذلحين كلها؛ لأَنَّي قد أديته في سبيل الله وسبيل الدفاع عن الوطن، وهوذا معه 10 أخوه با يتحَرّكوا الجبهات يستقضوا له، ما ترحم إلّا أنت الذي بعت نفسك بالريال السعودي بثمن بخس وابني شهيد والحمد لله”.

الأم المؤمنة الصابرة تتذكر في تلك اللحظة وهي ترد على المتصل الداعشي، مواقف وثبات وإِيْمَان وتضحيات السيدة زينب -عليها السلام- وترد ردها البالستي مفاده “ابني رفع رأسي ورأس كُـلّ اليمنيين، وهو يخوض معركة الدفاع عن أرضه وعرضه من الغزاة المحتلين وأدواتهم”.

يعاود الاتصال فترد ماذا تريدون، فقال المتصل: ألم تبكِ عليه يا عجوز؟!

ترد بلسان فاطمة الزهراء: ابكِ على نفسك يا من بعتم أنفسكم ورجولتكم وهُـوِيَّتكم ووطنكم، بثمنٍ بخس، أما ابني فهو شهيد.

المرتزِقة يأخذهم الغيظ بعد الاتصال بها فيدفنوّه حيًّا ويصورن فديو وينشرونه.

إنه الشهيد عبدالقوي الجبري الذي عُرض في لقطة فيديو، ومرتزِقة العدوان يضعونه وسط حفرة عميقة، ويطلبون منه أن يسبَّ السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي مقابل أن يطلقون سراحه كما يزعمون، إلّا أنه لم يقبل وكان جبلاً شامخاً بإِيْمَان وعزيمة وصمود، ولم تهتز منه شعرة، مما زاد غيظهم وحقدهم فوراناً واشتعالاً ودفنوّه حيًّا أمام الكاميرا!!.

فصمد الحق كله في مواجهة الباطل كله، وعبروا بردهم ذلك عن وحشيتهم وجبنهم وكشفوا عن الوجه الحقيقي للثقافة الوهابية التي زرعتها المخابرات البريطانية وسط عقول الكثير من أبناء الأُمَّـة الإسلامية، المرتهن الكثير من حكامها للهيمنة الصهيوأمريكية، راعيةً أكبر رصيد في قتل الشعوب واحتلالها، مع الدوس على كافة التشريعات والمواثيق الإنسانية الدولية، المتفق عليها، ودون مراعاة القيم والمبادئ اليمنية أَو لتشريعات السماء والأرض التي كفلت للأسرى حقوقَهم.

ومشاهد تعاملات العدوان ومرتزِقته مع أسرى الجيش واللجان الشعبيّة تضع المنظمات الحقوقية والإنسانية والمجتمع الدولي، أمامَ تساؤل مفاده أين تبخرت قوانينكم؟، وأين ذهبتم بالعقوبات التي يجب أن تنفذ ضد مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، وضد من ينتهمون المواثيق والمعاهدات الدولية؟.

وعلى الضفة المقابلة تجد ملائكة الرحمة، (اكرمونا وأحسنوا إلينا، بيض الله وجوههم)، في مشهد فديو يقول: (أطمئن أهلي وأولادي وزوجتي أني بخير وإخواننا اليمنيون يعاملونا كأننا ضيوف، وأكرمونا وأحسنوا ألينا، بيض الله وجيههم).

هذا التسجيل لواحد من عشرات الأسرى السعوديين، الرقيب عبدالله علي الشيلي، في تسجيل فيديو على قناة المسيرة، بعد وقوعه في الأسر بثلاثة أيام، وهو يطالب حكومته بعقد صفقة تبادل أسرى وإخراجه فيها، وهو بكامل صحته.

ملائكة الرحمة تتنزل في الجبهات بلباس الجيش واللجان الشعبيّة، مشهد آخر لأسير سوداني وقع في الأسر وهو جريح وذو جثة كبيرة كانت وراء تخلي زملائه المرتزِقة عنه ودماؤه تنزف، ولكن أحدَ مجاهدي الجيش واللحان الشعبيّة قام بحمله على جسده النحيل وأخرجه من مكان الاشتباكات النارية بعد أن ضمّد له جراحه وأعطاه علبة الماء ليشرب، في مشهد يثير الدهشةَ ويعكس مستوى الرحمة والإنسانية والتعامل القرآني الذي أخرس ألسنة الأعداء قبل أن ينال إعجاب الأصدقاء، وفنّد كُـلَّ المواثيق الأممية والدولية الخَاصَّة بحقوق الأسير، حتى ذهب الكثير من المتابعين بأن ملائكة الرحمة تتنزل في الجبهات بلباس الجيش واللجان الشعبيّة.

أما هذه المشاهد وهذه التعاملات فهي من تُعبّر عن جوهر الثقافة القرآنية وعن سلامة الدين الإسلامي القائم على الرحمة، وعن نعمة الهداية التي منَّ اللهُ بها على شعبنا اليمني وعلى هذا الأُمَّـة حين هيأ لنا قائدً أحيا فينا كتاب الله، الذي يحمي لبني آدم حقوقَهم وكرامتهم ومبادئهم وقيمهم السوية.

You might also like