إعلام صنعاء يزحلق «البنيان المرصوص» بـ «موزة الدوحة» .. رهائن الـ الجزيرة
إعلام صنعاء يزحلق «البنيان المرصوص» بـ «موزة الدوحة» .. رهائن الـ الجزيرة
متابعات:
لم يكن لعملية «البنيان المرصوص» صدى وتناول إعلامي دولي كبير في القنوات والصحف الدولية كما حظيت به عملية «نصر من الله»، بالرغم من أن عملية «البنيان المرصوص» كانت أكبر وكانت حاسمة وفي توقيت وموقع جغرافي حساس. فهل هذا عائد لزحمة الأحداث العالمية المهمة، كفيروس كورونا، وإعلان ترامب خطة «صفقة القرن»، والأحداث في إدلب السورية والتصعيد بين الجيش السوري والقوات التركية الغازية؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بكون هذه العملية قصمت ظهر جماعة الإخوان في اليمن بشكل رئيسي في أهم معاقلهم؟
الزلزال الأكبر الذي لم يرصد
يمكن تصنيف عملية «البنيان المرصوص» كواحدة من أكبر وأهم العمليات العسكرية الناجحة في معركة مواجهة العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته. فهي هجمة مرتدة سحقت قوة عسكرية كبيرة، واستعادت مساحة بحجم دولة صغيرة، وتصدت لمخطط خطير كان يستهدف العاصمة صنعاء، وحررت عنقها من طوق استمر قرابة الـ4 أعوام، حيث كان العدو فعلاً على الأبواب، شرق العاصمة، وفي مناطق وجبال استراتيجية، ومنها جبل المنارة الذي يرتفع حوالي 2390 متراً عن سطح البحر، وكان يعطي العدو أفضلية في التحركات العسكرية الدفاعية والهجومية والرصد والمراقبة في نهم وحتى بني حشيش والعاصمة صنعاء.
لكن العدو انتكس، وانعكست المعركة إلى تحرير نهم ومديريات مهمة في محافظتي مأرب والجوف. و«سقطت أكبر قوة ارتزاق في تاريخ العرب» كما قالت الكاتبة السعودية مياء العتيبي. فقد قام أبطال الجيش واللجان الشعبية بتلقين مرتزقة العدوان درساً قاسياً وباهظ الثمن، إذ سحقوا 18 لواء عسكرياً للمرتزقة و20 كتيبة من مختلف المهام والتشكيلات أغلبها ميكانيكية ودروع، وتم اغتنام عتادها كاملا، كل ذلك في 5 أيام فقط، وبدون أي إسناد جوي من قبل الطيران الحربي، مع أن المنطق العسكري التقليدي يرى صعوبة تحقيق مثل هكذا نصر بدون حضور رئيسي للإسناد الجوي بمختلف أنواع الطائرات.
العملية أيضاً مثلت نجاحاً استخباراتياً وتكتيكياً؛ استخباراتياً من حيث قدرة أجهزة الاستخبارات العسكرية على الكشف المبكر للاستعدادات المكثفة للعدو ومرتزقته، وتحركاتهم المريبة التي كانت تؤكد نيتهم الهجوم على صنعاء عبر جبهة نهم، وتكتيكياً من حيث إفشال مخطط العدو ومرتزقته للهجوم على صنعاء، وليس ذلك فقط، بل تمكن أبطالنا من عكس الهجوم إلى هجمة مرتدة لصالحهم في مضمار مساحته 2500 كم مربع، تمكنوا من السيطرة عليه وطهروه بالكامل من مرتزقة العدوان، حتى وصلوا إلى مشارف مدينتي مأرب وحزم الجوف.
وهنا لا يمكن إغفال المعادلات الجديدة التي ظهرت في عملية «البنيان المرصوص»، مثل عجز طيران العدو الحربي عن الاشتراك بفاعلية في خط سير المعركة، وهو ما يشير إلى امتلاك الجيش واللجان أسلحة دفاع جوي مؤثرة، وامتلاك مسار ضغط يرهن التصعيد الجوي برد قوي على المنشآت الحيوية في عمق العدو السعودي، كانت تلميحاته استهداف شركة أرامكو في جيزان ومطارات أبها وجيزان وقاعدة خميس مشيط وأهداف حيوية مهمة.
لكن بالرغم من أهمية عملية «البنيان المرصوص»، والمساحة الكبيرة التي حررتها من أيدي مرتزقة العدوان، وتهديدها المباشر لمشروع العدوان في اليمن الذي يتخذ من مأرب مركزاً له، إلا أن هذه العملية لم تحظ بصدى كبير في الإعلام الخارجي (عربي ودولي)، كما كان عليه الحال في عملية «نصر من الله»، التي حظيت بصدى واهتمام كبيرين في وسائل الإعلام الخارجية.
تعاطف الجزيرة مع الإخوان
جاء صدى عملية «البنيان المرصوص» في الإعلام الخارجي (عربي ودولي) أقل من عملية «نصر من الله»، وهو ما يؤكده الإعلامي أحمد الكبسي، الذي يقول بأن العملية كان لها حضور وأهمية في التناول الإخباري لوسائل الإعلام الدولية، لكنها لم تعط حقها بالنظر لأهميتها وما حققته من إنجاز عسكري غير مسبوق.
ويضيف الكبسي: «لا شك أن الأحداث الدولية، بما فيها تفشي وباء كورونا في الصين وبعض الدول، وإعلان ترامب خطته المشبوهة للسلام في الشرق الأوسط في ما يُعرف بـ«صفقة القرن»، وغيرها من الأحداث في المنطقة، كان لها أولوية التناول في الإعلام الدولي».
غير أنه يرى أن السبب الأكبر في عدم حصول العملية على حقها من التغطية عائد لكون الخاسر الأكبر فيها هو التجمع اليمني للإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، ومن المعروف أن كوادر الإخوان الصحفية هم المعنيون بالشأن اليمني في غرف تحرير الأخبار لبعض القنوات، خاصة قناة «الجزيرة»، وهي القناة التي كان لها دور بارز في التهويل أو التهوين من الأحداث في اليمن، وقد تم التخفيف على قواعد الإخوان المسلمين في مأرب بتحاشي تناول عملية «البنيان المرصوص» بشكل واسع، كما حصل في عملية «نصر من الله»، ومن قناة «الجزيرة» تحديداً.
كما يورد الكبسي سبباً آخر حال دون أن تحظى عملية «البنيان المرصوص» باهتمام أكبر، عبر عنه بالقول: «توقيت إخراج العرض التلفزيوني التوثيقي للعملية للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، جاء بعد ساعات من نقل قنوات محور المقاومة لأكبر وأول تظاهرة جماهيرية مناهضة لصفقة ترامب والمشروع الأمريكي في المنطقة».
أول الصدمات
يرى الكثير من المراقبين أن الصدى الإعلامي الكبير الذي حظيت به عملية «نصر من الله»، يرجع إلى عدة اعتبارات، أولها: أنها كانت العملية الأولى من نوعها من حيث المساحة المسيطر عليها وعدد القتلى والأسرى والآليات المدمرة والتي كانت كلها آليات سعودية، وبالتالي كانت صادمة. وثانيها: أنها وضحت للعالم أن هناك تحولاً كبيراً للغاية في الحرب في اليمن، فسلطت الأنظار نحو هذا المستجد الملفت. وثالثها: كانت العملية في الحدود اليمنية السعودية، وسقط فيها أسرى غير يمنيين، وهو ما أعطى العملية بعداً دولياً. أما رابعها فهو: أنها جاءت في وقت كانت فيه الأحداث العالمية أقل سخونة عما هي عليه في فترة عملية «البنيان المرصوص».
لكن رغم كل هذه الاعتبارات لا يمكن إغفال حقيقة أن التغطية الإعلامية الخاصة والواسعة التي حظيت بها عملية «نصر من الله» من قناة «الجزيرة» القطرية، إنما كانت نكاية بالنظام السعودي الذي تقف قطر منه موقف الخلاف، على عكس عملية «البنيان المرصوص» التي لم تقم «الجزيرة» بتغطيتها، لأن الخاسر الأكبر فيها مرتزقة حزب الإصلاح (إخوان اليمن)، وقطر هي أحد الداعمين الرئيسيين للإخوان المسلمين في العالم، كما تحدث سابقاً الإعلامي أحمد الكبسي.
غياب رؤية إعلامية وطنية
إذن يمكن القول إن حضور أو غياب الصدى الإعلامي لعملية «البنيان المرصوص» في الإعلام الخارجي، لا علاقة له بحجم وثقل وأهمية العملية الأكبر حتى الآن، قطعاً، بل هناك اعتبارات أخرى، يلخصها الصحفي اليمني زيد الغرسي بالقول: عملية «البنيان المرصوص» عملية استراتيجية كبيرة، لكنها كانت في نهم، بينما عملية «نصر من الله» كانت على الحدود السعودية اليمنية.
ويضيف: كان في المنطقة أحداث رئيسية وبارزة أدت إلى ضعف التناول الإعلامي الدولي مع عملية «البنيان المرصوص»، بعكس عملية «نصر من الله» التي أتت في توقيت كانت فيه الأحداث في المنطقة أكثر هدوءاً، فشهدت رواجاً كبيراً.
ويذهب الغرسي بعيداً بقوله إن التعاطي الإعلامي اليمني كغيره من وسائل الإعلام العالمي، كان ضعيفاً في تسويق هذه العملية وغيرها من العمليات والأحداث الأخرى، سواء انتصارات أبطال الجيش واللجان الشعبية أو الجرائم التي يرتكبها العدوان في حق اليمن واليمنيين.
ويرجع سبب ذلك إلى عدم وجود رؤية إعلامية وطنية ومنهجية فعالة لتصدير مثل هذه المواد إلى وسائل الإعلام الخارجية (عربية ودولية)، إضافة إلى ضعف التنسيق مع القنوات الإعلامية لتغطية ما يحدث في اليمن وكشفه للرأي العام الدولي، خصوصا وأن هناك قنوات وصحفاً معارضة لكثير من الحكومات المشاركة في العدوان، لها حضور كبير في الساحة الإعلامية العالمية، والإعلام الدولي للأسف يستقي من الطرف الآخر بسبب الماكينة الإعلامية الضخمة والسيطرة الأمريكية على كثير من وسائل الإعلام تلك، لكننا نستطيع أن نوجد زخماً إعلامياً بالأخذ بالأسباب والإمكانات المتاحة.
زحمة أحداث
من وجهة نظر إعلامية، فإن الأحداث هي التي ترسم طبيعة ومسار العمل الإعلامي وتوجهاته، وعلى ضوء أهميتها وتأثيرها تمنح أولوية تناولها وتغطيتها، ففي حالة وجود حدث هام يتم تسليط الضوء عليه واستعراضه ومناقشته ودراسة أبعاده وتفاصيله من اتجاهات مختلفة، بخاصة عندما تكون الساحة الدولية هادئة نسبياً كما حصل مع عملية «نصر من الله»، التي أفرد لها الإعلام الخارجي مساحة كبيرة من التقارير والمداخلات وبرامج النقاش. بينما أتت عملية «البنيان المرصوص» في توقيت كانت فيه المنطقة والعالم يغلي بالكثير من الأحداث المهمة، فتم التعاطي مع العملية بصورة باهتة ودون تفاصيل، بسبب كثرة الأحداث التي زاحمتها حينها.
فعملية «البنيان المرصوص» أتت في وقت كان الإقليم والعالم يفوران فيه بالأحداث الكبيرة، وأهمها: التفشي المتسارع لفيروس كورونا في الصين وتأثيراته الصحية والاقتصادية على الصين والعالم، تقدم الجيش العربي السوري في إدلب وحلب في معركة التحرير السورية، التصعيد العسكري الكبير بين الجيش السوري وقوات الاحتلال التركية، وأيضاً إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «صفقة القرن»، الهادفة تصفية القضية الفلسطينية، والخطوات المتسارعة لبعض الأنظمة العربية باتجاه التطبيع، سواء بمباركتها وتأييدها علناً لصفقة ترامب، أو بحضورها حفل إعلان الصفقة، حيث حضر سفراء البحرين والإمارات وعُمان، كما أن ما يسمى رئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان بادر للقاء نتنياهو بعد ذلك بأيام، كل هذه الأحداث كانت ولاتزال تحتل قائمة اهتمامات وسائل الإعلام الخارجية.
المخرج عاوز كده!
وكما ترسم الأحداث طبيعة ومسار العمل الإعلامي وتوجهاته، فإن السياسات والتوجهات الإعلامية المتبعة يمكنها أيضاً أن تقرر ما تريد الاهتمام به وما ترغب بإهماله، فأحياناً تقوم وسيلة إعلامية ما بتغطية بارزة لحدث معين وإن كان عديم الأهمية، فقط لأنه يتوافق مع سياستها الإعلامية وتوجهاتها، بينما تتعامل مع حدث آخر وإن كان بالغ الأهمية بإهمال ولامبالاة.
وبالتالي، فكما أن أي حدث يكتسب أهميته بحسب حجم تأثيره الإقليمي والدولي، فإنه أيضاً يكتسب أهمية إذا ما توافق مع رغبات وتوجهات واضعي سياسات الإعلام الدولي، الواقع تحت سيطرة الأنظمة الامبريالية الغربية، وعلى رأسها أمريكا المشاركة في العدوان على اليمن.
إذن، يمكن القول إن الأحداث البارزة إقليمياً ودولياً، والتي طغت على تناولات واهتمامات وسائل الإعلام العربية والدولية، كانت سبباً رئيسياً في ضعف التغطية الإعلامية الخارجية لعملية «البنيان المرصوص»، إلا أنه لا يمكن تجاهل الدور الذي قد تلعبه التوجهات الإعلامية والحسابات السياسية في تعمد عدم إبراز حدث ما رغم أهميته، كما هو حال قناة «الجزيرة» القطرية مع عملية «البنيان المرصوص» على سبيل المثال.
(غازي المفلحي – لا ميديا)