كل ما يجري من حولك

وفد سعودي في صنعاء (تفاصيل)

1٬868

مثلت اليمن بطبيعتها الجغرافية ووحدتها التاريخية وموقعها الاستراتيجي محطة أطماع المستعمر والغازي والمحتل والجار,

فمع مطلع القرن العشرين شهدت اليمن محاولات لتمزيق وحدتها وتقسيم اراضيها واقامة كيانات مواليه للمحتلين ومنحهم  أراضي ومخاليف  واستقلال ذاتي تحت حماية الاجنبي وربطهم بمعاهدات وتحالفات والأمثلة كثيرة ومنها ما حدث بسلخ المخلاف السليماني عن الوطن الأم اليمن.

 

الكتابات القديمة

اصطلح أهل اليمن منذ فجر التاريخ على تسميه الاماكن او الصقيع من الأرض او الناحية من بلادهم بالمخلاف مضافا إلى اسم أبي القبيلة الذي صار علما على المكان أو مضاف إلى زعيم مشهور او إلى بلدة معروفة . وقد ورد اسم المخلاف في الكتابات القديمة المزبورة على الحجارة بصيغة ( خلف ) اسما لناحية كما في نقش جام ( خلف تمنع ) أية ناحية تمنع . وقد ذكر ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان ) سبب تفرد اليمن بالمخلاف  فأكثر ما يقع في كلام أهل اليمن وقد يقع في كلام غيرهم على جهة التبع لهم .

 

تعدد الروايات

والمخلاف كما هو في تاريخ اليمن ليس له حدود ثابته  بارزة المعالم تميزه عن غيره من المخاليف الأخرى تمييزا تاما  , فقد يكون في وقت ما واسعا يشمل مقاطعات كثيرة وقد تضيق رقعته ويقتصر على مناطق وقري محدودة.

و ذكر بعض المؤرخين ان مخاليف اليمن أربعة وثمانون مخلافا , وقيل خمسة وسبعون مخلافا واخرين قالوا سبعة وستين مخلافا . فيما ذكرها الحموي اعتمادا على الهمداني ان عددها ستة وثلاثين مخلافا .

وفد سعودي في صنعاء  

 

المخلاف السليماني

يعتبر المخلاف السليماني جزء من الأراضي اليمنية وهو المنطقة الممتدة من حلي بنى يعقوب شمال تهامة اليمن إلى منطقة الشرجة جنوبا ( كم ذكرها الهمداني في صفة جزيرة العرب تقع  الشرجة قبالة وادي الموسم  من وادي حرض  وقد كشف فيها مسند حميري كبير ).

و نسب إلى سليمان ابن طرف الحكمي الذي كان عاملا لدولة بنى زياد في اليمن ثم استقل بحكم هذا المخلاف نهاية ضعف الدولة الزيادية اواخر حكم أبي الجيش بن إسحاق بن إبراهيم 981 م  , واتخذ من منطقة (عثر) عاصمة لحكمة الذي  استمر عشرين عاما . وسميت تلك المنطقة بالمخلاف السليماني نسيته اليه . وظلت تلك التسمية متداولة إلى الربع الأول القرن العشرين حينما سيطر عبدالعزيز ال سعود على المخلاف السليماني وانهى حكم الادارسة في عسير.

 

ظهور الأدارسة

الادارسة  ينتمى السادة الادارسة إلى أحمد بن ادريس المغربي وقد ولد بالقيروان وتلقي علوم الصوفية وفي سنة 1214 هجرية انتقل إلى مكة وتفرغ للعبادة ودراسة علوم القرآن والسنة وقد لمع اسمه من خلال ما قام من مناظرات مع علماء مكة.

وفي سنة 1244هجرية توجه إلى تهامة فوصل إلى زبيد حيث تلقاه علماؤها بالحفاوة والتكريم وفي مقدمتهم آل الأهدل وبقى فيها متجردا للوعظ والإرشاد .

 

زعامة دينية

ثم بعدها انتقل إلى مدينة صبيا بالمخلاف السليماني وبقي فيها حتى توفي 1253هجرية بعد ان اصبح الزعيم الديني في المخلاف السليماني . وقام بالزعامة بعده وفاته ابنه الأكبر السيد محمد بن احمد الإدريسى ثم ابنه من بعده علي وكانت زعامة هؤلاء مجرد زعامة دينية تقوم على أساس الفتوي والوعظ ونشر التصوف .

 

طموح سياسي

وبعد موت علي بن محمد الإدريسى سنة 1324هجرية قام ولده محمد بن علي وقد تلقي العلم بالأزهر وعاد إلى صبيا بعد سماعه بوفاة ابيه . وكان خلال اقامته بمصر على اتصال دائم بالحكومة الايطالية على يد بعض موظفي سفارتها بالقاهرة .

وايضا  كان على اتصال ببعض المسؤولين الايطاليين في مستعمرة اريتريا وكان يحمل طموح سياسي كبير وكان عداءه الشديد للأتراك هو الذي على الاستعانة بالحكومة الايطالية التي وعدته بالوقوف إلى جانبه عندما يتهيأ له الأخذ بزمام الموقف في صبيا كإمام شرعى معترف به عند الأهالي .

 

السيطرة والتوسع

وبعد ان تمكن من اخماد نار الحرب بين قبيلتي صبيا والجعافرة سنة 1320 هجرية عن طريق الصلح والتفاوض بعدها بويع أماما على المخلاف السليماني وقد تمكن من اخضاع  من تخلف عن البيعة من زعماء القبائل وادخالهم تحت نفوذة بالقوة كالهوداني صاحب ضمد واحمد شريف صاحب صبيا وانتشر نفوذه إلى جيزان والنضير وشدا وضيعة بن غلفان مما يلي رازح ثم غلى حدود فلله حيث قصدها بنفسه واحتلها على راس حملة عسكرية .

 

المناوشات العسكرية

وأقلقت تحركات الإدريسى الأمام يحيى حميد الدين وكان على أثر توقيع معاهدة دعان مع الاتراك عام 1911م أصدر أمره إلى نائبه بصعدة محمد بن الهادي (أبو نيب) بتجهيز قوة للقضاء على تحركات الإدريسى , كما أمده بقوة أخري من منطقة القفلة بقيادة أحمد بن قاسم حميد الدين , وتلتها كتيبة تركية من صنعاء بقيادة القومندان (علي روحي ) , واستمرت المناوشات إلى عام 1914م . وفيها سيطرت القوات اليمنية على جبل حُرم وقلعة رازح وقلعة غمار التي كانت ترابط فيها قوات الإدريسى , كما استولت على عدد كبير من السلاح والذخيرة الإيطالية .

 

التدخل الايطالي

اما من ناحية تهامة فقد ظلت قوات الاتراك في قتالها مع الإدريسى فقد تحركت قوات تركية من الحديدة إلى ميناء جيزان , كما توجهت قوة أخري من جهة الساحل بقيادة سعيد باشا , وأخري من أبها بقيادة متصرف عسير . وقد منيت القوات الإدريسية بالهزيمة من جهة الشمال والغرب فيما أحرزت بعض التقدم في جهة عبس وحرض بمساندة الأسطول الايطالي من البحر الذي قام بضرب المواقع التركية في اللحية وميدي وجعل قواتها تتراجع إلى منطقة الجبال , ثم  أخلت المجال لقوات الإدريسي لاحتلال عبس إلى جانب ميدى وحرض وجزيرة فرسان .

واستمرت الحرب بين قوات الإدريسي تساندها ايطاليا وبين قوات الأتراك حتي جاءت الجرب العالمية الأولي وفيها أعلن الإدريسي انضمامه إلى صف الحلفاء ضد الأتراك .

 

احتلال الحديدة

مع نشوب الحرب العامية الاولي كانت اليمن ميدان لأطماع وصراع المتحاربين فحينما قرر الاتراك السيطرة على مضيق عدن بالتنسيق مع حليفتهم المانيا وانتزاع عدن من يد الانجليز , قام الانجليز بضرب مدينة الحديدة وبعض الموانئ الأخرى كالصليف واللحية والمخا واصلتها نارا بمدافع اسطولها البحري , ثم احتلت مدينة الحديدة وامدت الإدريسى بكميات كبيرة من الأسلحة والمال وأشارت إليه بالزحف برا لاحتلال هذه الموانئ وبهذا تم له الاستيلاء عليها دون عناء .

 

انتفاضة القبائل

لقد كان الهدف من الاستيلاء على الحديدة هو السيطرة على منطقة اخري من اليمن تكون مستعمرة لها تابعة لعدن , ولكن سكان الحديدة مع القبائل المجاورة قاموا بأحداث بعض القلاقل ضد القوات الانجليزية أدت إلى زعزعتهم , وقد بذلت الحكومة الانجليزية كلما في وسعها لاسترضاء الأهالي فلم يتم لها ذلك.

 

معاهدة الحماية

قررت بريطانيا بعد رفض اهالي الحديدة والقبائل المجاورة لوجودهم واحتلالهم لمدينتهم  تسليم الحديدة للإدريسى بصفته احد اتباعها على ان يبقى تحت الحماية وألقت على عاتقه مهمة حفظ الموانئ اليمنية , كما  عقدت معه معاهدة في ابريل 1915م تتضمن التزام الإدريسى بشن حرب ضد قوات الاتراك ومضايقتهم والعمل على توسيع رقعة إمارته .

 

احتلال عسير

كما مكنته من احتلال عسير إثر الجلاء التركي وهي امنية طالما داعبت أحلامه ولكن آل عايض من سكان عسير قاموا بمقاومة الإدريسى لإبعاده عن المنطقة وحصلت بعض الحروب بينه وبين آل عايض بزعامة حسن بن محمد بن عايض انتهت بانسحاب قوات الإدريسى من  مدينة إبها إلى منطقة الشعبين .

 

تحالفات متعددة

كان الشريف حسين بن عون شريف مكة يقف إلى جانب آل عايض ويمدهم بالمال والسلاح ضد الإدريسى الذى كان يعتبره منافسة الثاني في المنطقة بعد آل سعود .

عند ذلك لم يمانع الإدريسى من الاتصال بسلطان نجد عبدالعزيز ابن سعود طالبا منه مد يد العون والمساعدة لإخضاع شوكة آل عايض في عسير فصادف ذلك هوى في نفس عبدالعزيز وقام من حينه بتجهيز قوة كبيرة ثم تلتها قوات اخري بقيادة ولده فيصل تمكنت أخيرا من احتلال ابها بعد فرار آل عايض إلى مكة طالبين العون من الشريف حسين فأمدهم ببعض المال والقوة وقام آل عايض بمحاولات لاستعادة أبها ولكنها كانت فاشلة .

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولي وخروج العثمانيين من شمال اليمن , فيما ظل جنوب اليمن تحت الاحتلال الانجليزي بل وامتد إلى مناطق اخري كمدينة الحديدة مع بعض الموانئ والمناطق المتصلة بها كمدينة باجل واللحية والصليف , فقد استمرت تحت وطأة  الأدارسة كمقاطعة تابعة للمحميات البريطانية بموجب الاتفاقية السابقة بين الانجليز والأدارسة . وكانت دولتهم قد تفككت بعد موت محمد بن علي الإدريسى فقسم وقع تحت سيطرة ولده علي وقسم اخر تحت حكم عمه الحسن بن علي بعد ان دب الخلاف والفرقة بين الاسرة الإدريسية .

تحرير الحديدة

وكان بقاء تلك المناطق تحت سيطرة الادارسة المربوطين بمعاهدة مع الانجليز كسياج يحول بين اليمن ومرافقه  البحرية وفيها ميناؤها الاكبر مدينة الحديدة الذى تقوم عليه حياة اليمن الاقتصادية والتجارية والمتنفس نحو الالم الخارجي , مما جعل حكومة صنعاء تعد العدة لاسترجاع هذه الموانئ مهما كلفها الأمر ومهما كان الثمن

وكان للإمام يحيى قوات ترابط في سفوح تهامة من باجل إلى حجور وقد زحفت هذه القوات في سنة 1924م  على جميع تلك المناطق واستولت عليها مستخدمة اسلوب المفاجئة والمباغتة وفر الإدريسى إلى صبيا .

 

الزحف نحو عسير

ولم تقف تلك القوات عند ذلك الحد بل زحفت إلى الشمال نحو عسير لاسترجاعها من يد الأدارسة وضمها للوطن الأم اليمن فتم السيطرة على  بعض المواقع في الجنوب كصامدة وأبي عريش , مما اضطر السيد الحسن بن علي الإدريسى إلى اللجوء إلى الملك عبدالعزيز آل واتفق معه على توقيع اتفاقية مكة سنة 1926م وتضمنت دخول إمارة الأدارسة في صبيا وأبي عريش تحت الحماية السعودية وقد ارسل عبدالعزيز نسخة من هذه المعاهدة إلى الإمام يحيى للتصديق عليها والتي تتضمن احد عشر بند فرد عليه الامام يحيى ببرقية تتضمن الموافقة على تلك المعاهدة بين الحسن الادريسي والملك عبد العزيز.

 

الوفد السعودي

سببت مشكلة عسير بداية الصراع بين الأمام يحيى وملك الحجاز ونجد عبدالعزيز والتي تطورت فيما بعد إلى مواجهات عسكرية . وقد ادرك ملك الحجاز عبدالعزيز إن الإمام يحيى غير راضي عن معاهدة مكة بينه وبين الأدارسة , فاخذ يبعث البعوث ويوالى إرسال الوفود إلى صنعاء طمعا في نيل رضاء الإمام يحيى واستمالته إلى الدخول في مفاوضات لوضع حدود بين البلدين على أساس أن تكون مقاطعة عسير داخلة ضمن الاراضي السعودية. فكان اول وفد يصل صنعاء في سنة 1926م ثم تبعه وفد آخر في سنة 1927 م وقد رفض ممثل اليمن الدخول في مفاوضات حول تخطيط الحدود مهما كانت مالم تدخل منطقة عسير ضمن الاراضي اليمنية ولكنه رد على الوفد بانه سيرسل وفد إلى الملك عبدالعزيز للتفاهم معه .

 

ضحايا تنومه

ففي مايو 1928 م  بعث الإمام وفدا إلى مكة يتكون من قاسم بن حسين العزى ومحمد بن محمد بن يحي زبارة والشيخ عبدالله بن علي مناع للتفاهم حول قضية عسير  وقضية الحجاج اليمانيين الذين سبق غن هاجمهم أصحاب ابن سعود في حادثة تنومه سنة 1923م ولكن لم يجد وفد الإمام تجاوبا صادقا من قبل سلطان الحجاز ونجد فعاد إلى صنعاء لتتطور الامور إلى مواجهات عسكرية بين الطرفين فيما بعد.

 

مقاومة المحتلين

ها هي احداث الماضي القريب نشاهدها اليوم وإن اختلف المحتل والغازي لكن الأهداف والاطماع واحدة فالإنجليز سابقا بعد سيطرتهم على عدن وجنوب الوطن حاولوا خنق بقية الوطن باحتلالهم للحديدة وموانيها  وتسليمها للأدارسة موانيها بل وسلخ المخلاف السليماني عن الوطن الام واقامة كيان مستقل هم الادارسة وربطهم بمعاهدات ووصاية وحماية . فمدينة الحديدة وموانيها وعسير ومدنها المحتلة تشكل عمق استراتيجي لليمن ومنفذ للعالم الخارجي خاصه ميناء الحديدة والمخا والصليف واللحية وميدى لهذا كانت التضحيات كبيرة لاستعادتهما من قبضة الادارسة.

YNP –  علي الشراعي

 

You might also like