الأهداف التي يطمح إليها الرئيس الأمريكي في مقارباته السياسية تجاه إيران
الأهداف التي يطمح إليها الرئيس الأمريكي في مقارباته السياسية تجاه إيران
يسعى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للتوقيع على اتفاق نووي جديد مع إيران بحيث يتم إجراء تغيير جزئي فيه متماهياً مع مقارباته السياسية وأهداف يطمح إلى تحقيقها على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.
الهدف الأول الذي يرمي الرئيس الأمريكي إلى تحقيقه من جراء ممارسة “سياسة الضغوط القصوى” على إيران يتمثل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران بدل الاتفاق الراهن الموقع عام 2015 بين إيران ومجموعة الدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا)، ذلك من أجل تسجيل توقيعه واسمه على اتفاق تاريخي وشطب اسم الرئيس الأمريكي السابق “باراك اوباما” منه.
الهدف الثاني الذي يتجه الرئيس الأمريكي إلى تحقيقه من خلال مقارباته السياسية الخاصة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو السعي إلى جعل المصالح الاقتصادية والتجارية الأمريكية وأرباح شركاتها وصناعتها في سلم أولويات الاتفاق الآتي، اعتقاداً منه أن الطرف الرئيس والمرتكز الأول لضمان بقاء اتفاق كهذا هو الولايات المتحدة وليس الأطراف الأخرى كالصين أو روسيا أو الدول الأوروبية، ومن هذا المنطلق، فإن الشركات الأمريكية ومصالحها يجب أن تكون محط الاهتمام الأكثر والأفر حظاً.
الهدف الثالث الذي تطمح الإدارة الأمريكية ورئيسها إلى تحقيقه من جراء ممارسة سياسة الضغوط القصوى ضد إيران ومن ثم إرغامها على الجلوس على طاولة الحوار هو جعل دول عربية إقليمية تحت الضغط بهدف الحصول على ما تريد منها في المجالين السياسي والاقتصادي. وفي المجال الاقتصادي تسعى إدارة الرئيس الأمريكي من خلال تبني سياسة الترهيب من إيران والإيحاء على أنه يُرجح أن تصل واشنطن إلى اتفاق شامل مع طهران على حساب هذه الدول، وبناء على هذا، فعلى هذه الأنظمة الاستعداد لدفع المزيد مما تريدها أمريكا من أموالها النفطية، وفي المجال السياسي، فعلى هذه الأنظمة توسيع نطاق التناغم والتماشي مع سياسات واشنطن الإقليمية ولاسيما سياساتها تجاه القضية الفلسطينية والخطوط العريضة الصهيونية المرسومة على الساحة الإقليمية منها قضية التطبيع وتنفيذ الخطة المسماة بـ”صفقة القرن” على أرض الواقع، وظهرت بوادر هذا التطبيع بالفعل خلال الفترة الراهنة عبر تبادل وفود رياضية واقتصادية وحتى سياسية بين أنظمة عربية واسرائيل ولاسيما بعد هزيمة المجموعات الإرهابية في المنطقة خاصة تنظيم داعش الإرهابي في الأراضي السورية والعراقية.
الهدف الرابع الذي يسعى الرئيس الأمريكي ورائه في المرحلة الراهنة من جراء تبني استراتيجيته تجاه إيران والمنطقة برمتها يتمثل في الحيلولة دون المزيد من التغول التجاري والاقتصادي الصيني عبر الاستغلال من الظروف الجغرافية للدول الإقليمية منها إيران وفي هذا السياق، فإن ممارسة المزيد من إجراءات الحظر والحصار ضد إيران تصب في مصلحتها وتحد من المسار الصيني.
الهدف الخامس الكامن وراء تمسك ترامب بضرورة استمرار سياسة الإرهاب الاقتصادي ضد إيران يتجلى في إبعاد طهران من روسيا، ذلك لأن موسكو تستخدم الورقة الإيرانية في المعادلات الإقليمية والدولية سواء كانت اقتصادية أم سياسية على حساب نفوذ عدوها التقليدي المتمثل في الولايات المتحدة.
يرى مراقبون وخبراء في الشؤون السياسية أنه إذا ما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وأصبحت القوة تحت إمرته مرة أخرى فإنه سيبدأ مواجهة عنيفة وصعبة حيال إيران إلا أنه نظراً للمقاربات السياسية والميزات الشخصية والنفسية المعروفة عن ترامب، فإن هذا الرأي غيرمستبعد تحقيقه، ذلك أنه يرجح أن يظهر بمظهر الإنسان الديموقراطي المتفهم لأحوال الإنسان وحقوقه وترويج نفسه كمحب للسلام والاستقرار خدمة لمصالح شركاته التجارية ونشاطاته الاقتصادية بعد انتهاء فترته الرئاسية.
على الصعيد الإيراني، يبدو أن طهران ترغب في دخول مفاوضات مع الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة مع التأكيد على ضرورة أخذ تحفظاتها بنظر الاعتبار والسبب في ذلك أن ترامب بغض النظر عن ضغوط حلفائه الإقليميين ومطالباتهم وكذلك نظرا لميزاته وطاقاته التي يحظى بها، فبإمكانه التوصل إلى اتفاق أقوى وأكثر جدوى مع الطرف الإيراني. ومن ناحية أخرى فإن التطورات والمستجدات السياسية والأمنية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع أخذ بنظر الاعتبار النفوذ الأمريكي، ليست محط اهتمام له بقدر ما كانت محط اهتمام للمسؤولين الآخرين ورؤساء الجمهور السابقين. وانطلاقا من هذا، فإنه إذا اتخذت طهران خطوات إيجابية في هذا السياق، فإمكان التوصل إلى نتائج أفضل أمر غيرمستبعد.
إن الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد زيارته الأخيرة إلى اليابان ولقاء إيجابي جمعه برئيس وزراءها أعلن خلال تصريحات عن استعداد طهران للجلوس على طاولة الحوار وكذلك في هذا الاتجاه، فقد أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجي بعد زيارة الرئيس روحاني إلى طوكيو في تصريحات أن المفاوضات مع الجانب الياباني ستستمر في المستقبل ما تؤشر على أن محادثات غيرمباشرة بين إيران وأمريكا قد بدأت وكما تمت الإشارة إليه في المقال السابق الذي تكرمت “رأي اليوم” بنشره بعنوان “هل الأزمة التي تعصف بالعلاقات الايرانية الأمريكية في طور الانفراج؟”، ستستمر المفاوضات خلال الأيام المقبلة خاصة أنه بعد هذه الزيارة قام رئيس الوزراء الياباني باتصال هاتفي بالرئيس الأمريكي وأطلعه مما جرى في مفاوضاته مع الرئيس الإيراني.
في المرحلة الراهنة تعد اليابان أفضل وسيط لانطلاق الحوار بين إيران والولايات المتحدة والسبب في ذلك أن الوسطاء الآخرين كسلطنة عمان أو الدولة الباكستانية أو الرئيس الفرنسي لاتملك القدرة اللازمة للتأثير على ترامب ومن جهة أخرى، فإنه ليست لأمريكا مصالح اقتصادية مع هذه الأطراف بقدر ما تملك من مصالح مع الطرف الياباني.
باحث في شؤون الشرق الأوسط