بوابةُ الدمــوع.. عنــوانُ الصراع القائـم والقـادم (4)
عبــدُالقـــوي السبـــاعي
ما أشبهَ اليومَ بالبارحة، لقد جاءت العمليةُ البحريةُ التي تركت انطباعـاً غائراً وغيّرت بالتالي تفكيرَ الأطراف المتصارعة في سبعينيات القرن الماضي، والتي حدثت في عام ١٩٧١م عندما فوجِئ الكيانُ الصهيونيُّ والعالمُ كلُّه بهجوم بحري خاطِفٍ ومجهول على الناقلة الضخمة “كورال سي” فـي قلبِ مياه البحر الأحمر بالقرب من جزيرة كمران اليمنية، خلالَ رحلتِها إلى الأراضي المحتلّة بفلسطين.
وبصرف النظرِ عن بعضِ ردود الأفعال العالمية التي رأت في هذا الهجوم عدواناً على حريّةِ الملاحة في البحار الدوليـة، فـإنَّ الـهـجـومَ الـنـاجـحَ تـرك بصماتِه على الفكر العسكريّ العربي الذي وجد في نجاحه دافعاً جديداً لضرورة مطاردة العدوّ حتى في أعالي البحار والتعرّض لسفنه وأساطيله في كُـلِّ مكانٍ يتواجدُ فيه، وفي نفسِ الوقت ترك الهجومُ بصماته كـذلـك عـلـى الـفـكـر الـعسكريّ الصهيوني الذي كان يرى حـتـى ذلـك الـوقـت أن احتلالـَه لمضـايـق تـيـران وشرم الشيخ وتحكّمه فيهما يؤمّنُ له حريةَ الملاحة عبر خلـيـج الـعـقـبـة ثـم البحر الأحمر، حَيْــثُ المياه الدولية الواسعة المفتوحة، إلّا أن عمليةَ “كورال سي” كشفت لأصحاب نظرية الأمن الصهيونية أن الأمنَ ليس له حدودٌ وأن الهجومَ المضاد ليس عليه قيودٌ، ومنذُ ذلك التاريخ بدأ التفكيرُ العسكريُّ الصهيونيُّ يتجه هو الآخر جنوباً، حَيْــثُ القرن الأفريقي و(بوابة الدموع) باب المندب، ولم يكن هناك سوى أثيوبيا لتـسـاعـده فـي هـذه المهـمـة الـشـاقـة الـتـي أطالت من خطوطِ عملياته الدفاعية، ومن خلال أثيوبيا نجحت إسرائيلُ في الحصول على تسهيلات عسكريّة وبحرية في السواحل والجزر الإرتيرية –التي كانت تحت الاحتلال الأثيوبي– والمطلة على باب المندب، وَخَاصَّة في ميناءَي عصب ومصوع وفي أرخبيل جـزر دهـلـك، الـتـي أقامت عليها إسرائيلُ تحت الغطاء الأثيوبي مراكزَ مراقبة واتصـال وربما مجموعات عمل عسكريّة محدودة، بالإضَافَـة إلى تدعيم الطيران الإسرائيلي ليصل مدى قوته الضاربة حتى باب المندب إذَا ما زُوّد بالوقود في الجو، وقد ردّدت بعضُ المصادر أن أثيوبيا سهلت لإسرائيل التواجدَ في جزيرتي جبل الطير وأبو عيل اليمنيتين في مدخل باب المندب بعد أن احتلـتـهـمـا أثيوبيا منذُ سنوات ماضية وأقامت عليهـمـا فـنـاراتٍ بـحـريـة ونـقـاطَ إنـذار واستطلاع ومراقبة، وفي نفس الوقت نفّذت إسرائيلُ استراتيجيةً جديدةً لبحريتها تعملُ في عدة اتّجاهات.
ويُضاف إلى ذلك أنها على المستوى الاستراتيجي ضاعفت من جهودِها لتدعيم علاقاتها الوثيقة بأثيوبيا التي منحتها تسهيلات عسكريّة وبحريـة ذات قيمة عسكريّة واضحة عند باب المندب، لتراقب من خلالها التحَرّكات العربية ولترصد كذلك أيةَ عمليات هجوم منتظرة مثل تلك التي تعرّضـت لها “كورال سي” في عرضِ البحر الأحمر.
ولقد لعبت إسرائيلُ على الإمبراطور هيلا سي لاسي -إمبراطور الحبشة في ذلك الوقت-، لعبةَ الأصل العرقي المشترك، فرغم أن الإمبراطور أرثوذكسي يرتبط روحياً بالكنيسة المصرية، فإنه كان يتباهى بعلاقته القديمة بالتاريخ اليهودي والأصول اليهودية، الشيء الذي سهّل لإسرائيل كثيـراً من الأمور مقابل أن تمدَّه هي بالأسلحـة والمـدربـين وبـالـتـعـاون الاقتصادي المـتـزايـد وتساعده في كتم ثورة أرتيريا وساحل الصومال الغربي، وفي نفس الوقت كان الأمريكيون عنصرَ ربط وارتباط آخرَ بين إسرائيل وأثيوبيا، فحتى ذلك التاريخ كانت أثيوبيا الإمبراطورية لـصـيـقـة الارتباط بالسياسة الأمريكية وبالمعسكر الغربي بصفةٍ عامةٍ، وكان الوجودُ الأمريكيُّ المباشر قائماً خَاصَّة في قاعدة كاجنيو القريبة من أسمرة عاصمة أرتيريا –30 كم غرباً- والتي مازالت حتى هذه اللحظة، فبين عامَي 2009 – 2007م رست مناقصة شق الطريق الأسفلتي من كاجنيو في أريتيريا إلى أبوخ الرصيف البحري في جيبوتي على شركة الخرافي الكويتية ونفّذت المشروعَ من الباطن شركةُ هوك اليمنية؛ وذلك لتسهيل مهامها، ففي هذه المنطقة كانت توجد أضخم قاعدة للاتصالات الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية ذاتها، ومهامها كانت ترصد وما زالت كُـلَّ حركـةٍ فـي المحـيـط الهندي وبحر العرب وخليج عدن والخليج العربي والبحر الأحمر، أي كانت ترصدُ منابعَ البترول وطرق إمداداته وتدفقه إلى أوروبا وأمريكا لما يعنيه ذلك من أهميّة استراتيجية بالغة لواشنطـن، ومـن ثـم فـقـد سـاعـدت عـلـى توثيق علاقات الود والصداقة ثم التعاون الاقتصادي والعسكريّ فيما بـين أثيوبيا صديقتها –جنوباً– المطلة على القرن الأفريقي وَباب المندب، باحتلالها للساحل الأريتيري وبين إسرائيل صديقتها الأُخرى –شمالاً– المطلة على خليج السويس ومضايق تيران باحتلالها لسيناء ولشرم الشيخ بصفة خَاصَّة، في المقابل شيّد السوفييت قاعدةَ العند على الأراضي اليمنية لمواجهة النفوذ الأمريكي… يتبع.