كل ما يجري من حولك

تداوُلُ العُملة المطبوعة حديثاً خرقٌ في السيادة الوطنية ومنعُ التعامل بها جاء متأخراً

866

منصور البكالي

خلف كواليس المفاوضات بين الوفد الوطني ومرتزِقة العدوان ومعهم السفير الأمريكي في مسقط، عرف شعبنا اليمني ولأول مرة مدى ارتباط النقد بالسيادة الوطنية، حين هدد المفوض السامي الأمريكي بشن حربه الاقتصادية على اليمن وعلى العُملة الوطنية بالتحديد، حَيْــثُ قال بالنص “سنجعل من عملتكم لا تساوي قيمة الحبر المطبوع عليها”.

ومما لا شك فيه أن منعَ تداول العُملة التي طبعها الغزاة تنفيذاً لتلك التهديدات، تحَرُّكٌ متأخرٌ في المسار الاقتصادي للدفاع عن السيادة النقدية للبلد، وأن سبقتها إجراءات ونصائح وتوجيهات للقيادة السياسية تعامل معها المواطنون والمؤسّسات والمصارف والبنوك المحلية منذ غزوها للمحافظات الواقعة تحت سلطة حكومة الإنقاذ الوطني بلامبالاة، مما شجع العدوّ على ضمان نجاح أهداف معركته الاقتصادية، ورفع سقف طموحاته أكثر فأكثر ليستمر في سحب العُملة القديمة وشراء العملات الصعبة من جيوب الشعب ومؤسّساته وطبع المزيد والمزيد لتمويل نفقات مرتزِقته في الخارج وشراء السلاح لقتل الشعب واحتلاله ونهب ثرواته.

ومن خلال هذا الارتباط الوثيق بين سيادة الدولة وصلاحيات إصدار النقد يتبين لنا جلياً مدى فداحة الواقع الاقتصادي الذي تسببت به العُملة المحضورة، وكيف استطاعت القضاء عملياً على سيادة الدولة النقدية لحكومة الإنقاذ الوطني، والحد من آثار الإجراءات المتخذة حيالها خلال المرحلة السابقة.

فسيادة الدولة النقدية، تتطلّب وجود سلطة سياسية تتمتع بالشرعية البرلمانية المرتبطة بالشعب والمعبرة عن همومه وتطلعاته، وقادرة على اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الاقتصاد الوطني، ولكن النظام السياسي القائم اليوم في صنعاء لم يعقد لبرلمانه  جلسة واحدة لمناقشة هذا الجانب واتّخاذ الإجراءات التشريعية حياله، فاستطاع العدوّ التحكم بإصدار النقد وصلاحيات طباعته.

ولعل السؤال الأبرز الذي يطرحه المتابعون والمختصون في المجال الاقتصادي والاستهداف الممنهج للاقتصاد اليمني والعُملة الوطنية من قبل قوى العدوان ومرتزِقتهم وتحت إشراف الإدارة الأمريكية، هل تستطيع الإجراءات المتخذة من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء، وتوجيهات حكومة الإنقاذ الحد من الآثار الكارثية على الاقتصاد وأسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية ومضاعفتها لمعاناة الشعب اليمني في الأيّام والشهور القادمة؟

ولماذا لم نشهد تحَرّكاً فعلياً للسلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان لسن قوانين وتشريعات تحمي السيادة النقدية للوطن وتجرم التعامل بهذه المطبوعات الورقية وتحدّد القوانين العقابية الرادعة منذ أكثر من عامين؟ ولماذا لم تفِ دول العدوان والأمم المتحدة ومجلس الأمن وصندوق النقد الدولي بالاتّفاقيات والتزامات التي رعتها وتضمنت وقف طباعة العُملة وتحييد عمل البنك المركزي؟ أم إن الإدارة الأمريكية هي المحرك الفعلي لسير أعمالها؟

ولربما من المبكر الإجابة على هذه التساؤلات في ظل تحَرّك مشهود لحكومة الإنقاذ وتجاوب المواطنين بمختلف شرائحهم مع توجيهاتها ومساعداتها في التخلص من هذه الأوراق النقدية وكبح جماح أخطارها، وثقة الشعب بالقيادة السياسية والجهات المعنية، على الرغم من وجود المؤشرات السلبية للأطراف الدولية الراعية لاتّفاق السويد وما نصت عليه في هذا الصدد.

وبالعودة إلى نتائج ومخرجات اجتماع حكومة الإنقاذ بهذا الخصوص يؤكّـد المختصون على أهميتها والعمل بها خَاصَّة في جانب تفعيل العُملة الإلكترونية وتعويض المواطنين، ويحذرون في الوقت ذاته من مغبة الارتهان إلى المجتمع الدولي المتواطئ مع قوى العدوان ومخطّطاته التدميرية لكافة مقومات الدولة اليمنية، ويدعون البرلمان إلى نزع الشرعية من فك المجتمع الدولي وإعادتها إلى الشعب ليقرّر مصيره ويستمر في الدفاع عن حريته واستقلال سيادته النقدية  والوطنية ويستعيد كافة أراضيه وثرواته المنهوبة، ومضاعفة الجهود في مراجعة القوانين وتطوريها وفق ما تقتضيه المرحلة.

ساعتئذٍ يمكننا الحديث عن أجواءٍ إيجابيةٍ يمكن أن تؤدّي في ما بعد إلى انفراجه في الكثير من الملفات التي تقف على رأسها ملفي السيادة الوطنية والسيادة النقدية المرتبطة بمستقبل الشعب وأجياله القادمة.

 

You might also like