«كنت في فيتنام».. شهادة جندي أمريكي سابق توثّق جرائم الحرب الأمريكية الوحشية وكيفية التغطية عليها
«كنت في فيتنام».. شهادة جندي أمريكي سابق توثّق جرائم الحرب الأمريكية الوحشية وكيفية التغطية عليها
متابعات:
لا يزال المجتمع الأمريكي يعاني من مشكلات عدة فهناك- على سبيل المثال لا الحصر- أكثر من مليوني شخص في السجون، و4.5 ملايين آخرين تحت المراقبة أو الإفراج المشروط، وقد زاد عدد النساء المحتجزات في جميع أنحاء البلاد أكثر من 700 في المئة بين 1980-2016، ناهيك بالتفاوتات العرقية في كل أجزاء النظام القضائي، فالسود الذين لا تتجاوز نسبتهم 13 في المئة، يشكلون 40 في المئة تقريباً من السجناء، إذ إن معدل سجنهم هو 5 أضعاف سجن البيض.. فعلى سبيل المثال يستهلك السود المخدرات بمعدلات مشابهة لما يستهلكه البيض، لكنهم يعانون معدلات اعتقال أعلى بكثير من البيض عند حيازة المخدرات.
هذا غيض من فيض مجموعة تقارير صدرت مؤخراً عن منظمات حقوق الإنسان التي تتحدث عن الانتهاكات داخل الولايات المتحدة فقط، ولعل أحدثها وليس آخرها ما جاء به براين ويلسون الذي خدم في سلاح الجو الأمريكي وقام بتوثيق سياسة الولايات المتحدة ضد نحو 24 دولة منذ عام 1986 منها: نيكاراغو، السلفادور، هندوراس، بنما، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، كولومبيا، الإكوادور، كوبا، هاييتي، العراق والأراضي الفلسطينية، وخلص إلى أن الولايات المتحدة تنتهك القوانين الدستورية والدولية التي تحظر العدوان وجرائم الحرب، ما يفسر بشكل لا يدع مجالاً للشك السبب وراء هشاشة المجتمع الأمريكي.
يقول ويلسون الذي حصل على العديد من الجوائز لأنشطته في مجال السلام والعدالة في مذكراته: بلغت أعداد جرائم الحرب
الموثقة لدى البنتاغون 360 حادثة، ليس من ضمنها مجزرة ماي – لاي في فيتنام التي راح ضحيتها أكثر من 500 مدني أغلبهم من النساء والأطفال في 16 آذار 1986، وكانت تلك الجرائم من المحطات التاريخية المهمة في حياتي… أما لماذا؟ فلأن كل ما تعلمته خلال خدمتي في سلاح الجو الأمريكي عن الولايات المتحدة كان كذبة كبيرة لفقتها الإدارات المتعاقبة، ولم تكن ذرائعها للاعتداء على معظم دول العالم سوى قناع يخفي قبح الوجه الذي تحمله.
أثناء عملي، كانت الأوامر من القيادات العليا إحداث سلسلة من التفجيرات كان من المفترض- كما تم إعلامي- أن تكون أهدافاً عسكرية للعدو، لكنها -كما تبين لاحقاً- قرى مأهولة بالسكان، دُمرت بالكامل من جراء القصف بالقنابل المنخفضة بما في ذلك النابالم، والرش الكيماوي، ما يؤكد الطبيعة الإجرامية للولايات المتحدة.
اللافت أنه وبعد بضعة أيام، كنت أقرأ مقالاً في صحيفة «ستار آند سترايبس» الأمريكية يتحدث عن قرار أصدرته المحكمة العليا يؤيد حق تدنيس رمزنا المقدس- علم الولايات المتحدة، لكن وخلال فترة ازدياد حرق العلم الأمريكي كرد فعل على الحروب الأمريكية وخاصة ضد الأمريكيين من أصل إفريقي، أدانت الولايات المتحدة ضابطاً أمريكياً من أصول إفريقية بعد حرقه علم بلاده في نيويورك، في الوقت الذي كافأت فيه الإدارات الأمريكية الطيارين الجناة على مجازرهم في فيتنام.
إن سلوكنا ضد الفيتناميين- الأمة التي يبلغ عدد سكانها سدس سكان الولايات المتحدة، أي واحداً وثلاثين من حجمها- يجب أن يتم تصنيفه واحدةً من أسوأ حالات البربرية في القرن العشرين، إذ ألقت الولايات المتحدة آنذاك أكثر من 26 مليون قنبلة، ما تسبب في مقتل الكثيرين، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنى التحتية، إضافة إلى مسح آلاف القرى الفيتنامية عن وجه الأرض.
وأعود لأتساءل، لماذا كل هذه الممارسات العدوانية الأمريكية الساحقة، ولماذا هذا الدمار،هل تسعى الولايات المتحدة من جراء كل ذلك الفعل إلى منع الفيتناميين من التمتع بتقرير مصيرهم، وهل تعد ما قامت به إجراء استباقياً ضرورياً لوقف المد الشيوعي، أم إن هناك نوعاً من الاعتلال النفسي في ثقافة ساسة الولايات المتحدة؟
برغم أنني لم أطلق رصاصةً، أو أسقط قنبلة، لكنني كنت مشاركاً في آلة القتل العقيمة، وهو أمر لا يبرئني من الجريمة.
لقد غيرت فيتنام حياتي، لكن وبالنظر إلى تاريخ طويل من تدخلات واشنطن في حياة الشعوب التي كشفت جانباً مظلماً جداً، تبرز جملة أسئلة: من نحن، وهل نحن جزء من ثقافة الساديين الوحشية، وتساءلت: هل تعد دراسة تاريخ الولايات المتحدة جزءاً من العولمة؟
مالا شك فيه أن الولايات المتحدة وعلى مدار الـ500 عام الماضية هي نتاج رؤسائها الذين فرضوا أنفسهم بعنف بعد أن نهبوا الموارد واليد العاملة من الـ 80% من سكان العالم، وكلهم محاطون بالكلام الخاطئ المتمثل في نشر الحضارة والديمقراطية.
من المفيد أن نتعلم أن الآباء المؤسسين اختاروا الأوليغارشية بدلاً من الديمقراطية، وكانت إمبراطورية الحرية الخاصة بـ «جيفرسون» رؤية لتوسيع الملكية الخاصة لأصحاب الملكيات الكبيرة، ما يشير إلى أن دستورنا هو وثيقة واضحة للحفاظ على الملكية والمعاملات التجارية أكثر من الحفاظ على حرية الإنسان.
ومن جانب آخر، تشكل ثقافة السلاح أساساً للإيديولوجية والاستراتيجية العسكرية الأمريكية، كما إن سياسات العنف القائمة على العنصرية لا تزال مستمرة.
وبالنظر عميقاً إلى تاريخ الولايات المتحدة القائم على الظلم والإجرام نكتشف الحقيقة الوحشية للإدارات الأمريكية وخاصة عند مقارنة التباينات الشديدة في العقوبات حسب العرق والطبقة..فهل هذه عدالة؟
لقد درست تاريخ المدن الكبرى مثل نيويورك وجنيف التي كانت في القرن الثامن عشر، كانا ديساغا، عاصمة ولاية سينيكا التي دمرها اللواء الأمريكي جون سوليفان وخمسة وأربعون من جنوده في أكبر معركة قتلت المدنيين ودمرت كل شيء، بما في ذلك كانا ديساغا، وبحلول عام 1788 حول المستوطنون الأوروبيون تسميتها إلى جنيف وكأن شيئاً لم يحدث.
كل تلك الأحداث تراكمت في ذاكرتي، لتكون في المستقبل مفتاحاً لفهم طبيعة وشخصية أسلافي، ومع ذلك، لم أفكر يوماً في فضح أسرارهم إلا بعد مجزرة فيتنام.
في عام 1907 حاضر وودرو ويلسون في جامعة برينستون- قبل ست سنوات من انتخابه رئيساً- قائلاً:
«لأن التجارة تتجاهل الحدود الوطنية وتسعى لجعل العالم سوقاً مفتوحة، يجب أن تهدم أبواب الأمم التي تحاول إغلاق أبوابها في وجه التجارة الأمريكية، ويجب على الولايات المتحدة ألاّ تتجاهل أي ركن مفيد في العالم، أو تتركه من دون استخدام».
منذ ذلك الحين لم يتوقف التدخل الأمريكي المباشر أو غير المباشر على حد سواء.
إن السفر إلى عدد من الدول في أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط عرضني لمعرفة المزيد من تفاصيل التدخلات العلنية وغير العلنية التي قامت بها الولايات المتحدة، وكشف العديد من الإجراءات التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في معظم بلدان العالم من أجل الحفاظ على مصالح واشنطن.
لقد تسببت الولايات المتحدة في مقتل 20-30 مليون شخص منذ الحرب العالمية الثانية خلال فترة ما يسمى «الحرب الباردة».. عدد من هذه التدخلات العسكرية (يتجاوز عددها الـ 600) أعلن الحروب على النحو المطلوب في الدستور- دستورنا، ما يؤكد أن وثيقتنا المقدسة لا تأخذ معظم المسائل على محمل الجد، وهذا يخبرنا أن الإدارات الأمريكية الحالية والسابقة لا تهتم بالمساءلة أمام الدستور أو القانون الدولي.
إن سياسة واشنطن تعرّي حكامها، وتكشف مدى القسوة الرهيبة، فهل تملك الولايات المتحدة أي نيات حسنة للالتزام بالقانون المحلي والدولي، وهل تمتلك أولاً وقبل كل شيء أي مشاعر تجاه الآخرين، أم إن مطامعها الإمبريالية تفوق كل ذلك؟
عن «غلوبال ريسيرش»