كل ما يجري من حولك

العلاقات الصينية – الأوروبية.. وتحولات المشهد الدولي سياسياً واقتصادياً

العلاقات الصينية – الأوروبية.. وتحولات المشهد الدولي سياسياً واقتصادياً

590

متابعات:

اكتسبت العلاقات الصينية – الأوروبية عموماً والصينية – الألمانية على وجه الخصوص أهمية بالغة، وذلك للصفة المتمايزة لكلا البلدين في الاقتصاد والسياسة، ومع تصاعد حدة المواجهة الدولية بين بكين وواشنطن أصبحت أوروبا عاجزة عن الوصول لاتفاق بشأن سياسة التعامل مع الصين الصاعدة، مع الرغبة الواضحة لأوروبا لأخذ دورها ومصالحها بعيداً عن شروط أخرى.

وتحاول بكين إغراء أوروبا عن طريق مصالحهما المشتركة في الدفاع عن نظام التجارة متعدد الأطراف، إلى جانب القضايا الدولية الأخرى.

وانطلاقاً من المصلحة الأحادية، وبعيداً عن الإملاءات الدولية والأمريكية، اتخذت ألمانيا خطوات منفردة في عقد اتفاقات مع الصين، وتحقيق شراكة مستقبلية واعدة.

ومنذ إطلاق الصين وألمانيا الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد عام 2017، شهدت الدولتان تبادلات متكررة عالية المستوى، وعززت بشكل عميق الثقة السياسية المتبادلة، وسعى الطرفان للمضي قدماً في توسيع التعامل المربح للجميع في مختلف المجالات، وتحسين الحوكمة الاقتصادية الدولية.

وتعد ألمانيا الشريك التجاري الأول للصين في أوروبا، بينما الصين الشريك التجاري الثالث لألمانيا عالمياً، وخامس سوق تصدير، كما أن الصين هي السوق الأولى لصانعي المعدات الثقيلة الألمانية وهو ما يجعل الاقتصاد الألماني رهناً إلى حد بعيد بالظروف الاقتصادية الصينية.

وأتت الزيارة الأخيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الصين لتعطي دفعاً قوياً لمسار العلاقة الثنائية، وتضع حداً للإملاءات الأمريكية، وكانت هذه الزيارة بعد عام ونصف العام على الزيارة السابقة التي أثمرت اتفاقات في العديد من المجالات، وتم النقاش بين ثاني ورابع أكبر اقتصادات العالم، ليبلغ حجم التجارة الثنائية بينهما حوالي 200 مليار دولار هذا العام.

وحسب الإعلام المتابع، فإن الرسالة الرئيسة الموجهة للعالم وراء زيارة ميركل للصين قد تم الكشف عنها في اليوم الأول، عندما قالت ميركل: (إن ألمانيا منفتحة على الاستثمار الصيني، مرحبة بجميع الشركات للاستثمار في ألمانيا).

وارتبطت إحدى المشكلات الرئيسة التي تؤثر في العلاقات التجارية والاقتصادية بين ألمانيا والصين بمخاوف برلين لفقدانها السيطرة على أعمال تجارية خاصة أثناء (فترات التسوق) للشركات الصينية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، وكانت ألمانيا قلقة بشأن الشركات المتخصصة بتصنيع منتجات التكنولوجيا الفائقة.

وبالرغم من عدم وجود حاجة لإجراء مناقشة موضوعية حول المشكلات التي تعانيها العلاقة الصينية – الأمريكية فلن يكون من الضروري أن نتحدث عن الأحداث الأخيرة فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية- الألمانية المتدهورة. فوافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يعاقب الشركات المشاركة في بناء خط أنابيب (نورد ستريم 2) مقابل قيام أمريكا بتعويض خسائر الغاز لأوروبا بالغاز الأمريكي.

وربطاً مع تحولات السياسة العالمية، أخذت السياسة الأمريكية منحى سلبياً وعدائياً تجاه بقية دول العالم، ففي تصريح لترامب عن الاتحاد الأوروبي قال: (ربما يكون الاتحاد الأوروبي سيئاً بقدر الصين، لكن فقط أقل)، وقد عرض نقداً أعنف لأوروبا فعندما تلقى سؤالاً حول تحالف أمريكا التقليدي مع الاتحاد الأوروبي قال: (أي حليف هذا؟ لدينا علاقات رائعة مع الكثيرين، لكن لا أحد يعاملنا أسوأ من الاتحاد الأوروبي، فقد تشكل ليستغلنا في التجارة، وهذا ما فعله) وعندما اتهمه المحاور بأن رده عدائي قال: (هذه ليست عدائية، أتعرف ما العدائية؟ إنها الطريقة التي يعاملوننا بها، لقد لعبنا دور الدولة الغبية سنوات).

وبالرغم من اتخاذ الاتحاد الأوروبي تدابير لرفع التعريفات الجمركية التي بدأتها واشنطن على بعض السلع الصينية، والحد من الفرص للحصول على شركات التكنولوجيا الفائقة. اتفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على منع الصين من الحصول على وضع السوق. وكل هذه المعوقات تواجه العلاقة الصينية- الأوروبية، لتلقي بظلالها على مستقبل المبادرة الصينية الرئيسة لإحياء طريق الحرير العظيم، وأوروبا هي الوجهة النهائية لهذا الطريق.

بدورها نشرت وكالة «شينخوا» للأنباء تقريراً عن زيارة ميركل للصين، أشارت فيه إلى الرغبة الثنائية المعلنة بوضوح، لتعزيز العلاقات في جميع المجالات بين البلدين. واستخدم زعيما البلدين كلمات ومصطلحات متشابهة حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية.

بينما ذكرت وسائل إعلام أخرى أن الزيارة ستنهي محاولات واشنطن لإبعاد أوروبا عن الصين. فوجود أحد قادة الدول الأوروبية الكبيرة في الصين، في الوقت الذي يتحدث فيه وزير الحرب الأمريكي مارك اسبر عن «التهديد» الصيني، يشير لحجم التحول الإقليمي والدولي لمسار العلاقة الأوروبية.

والجدير ذكره، أن المعارضين السياسيين للتقارب الصيني- الألماني حاولوا خلق بيئة غير مواتية بعدم إنجاح الزيارة. والأحداث الأخيرة المفتعلة في هونغ كونغ أظهرت ذلك.

فمن الصعب تحديد ماهية نتائج الخطوة الأخيرة التي اتخذها الزعيمان الألماني والصيني على مساحة لعبة الشطرنج العالمية. ومن المتوقع أن تكون الخطوة التالية ذات أهمية بالغة عند عودة المفاوضات بين واشنطن وبكين، ولاسيما أن ميركل حثت بكين وواشنطن لإنهاء الحرب التجارية المستمرة بينهما.

بدوره، قال وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس: إن برلين تولي أهمية كبرى لتحسين العلاقات مع الصين وبتقدير سياسة الصين نحو تعزيز الانفتاح، وتعزيز التعاون العملي الثنائي والحماية المشتركة للنظام العالمي متعدد الأطراف.

إن بروز الصين كقوة اقتصادية بهذا الزخم التنموي قد أقنع واضعي السياسات الأوروبية بأهمية الصين كقوة عالمية صاعدة تدفع عجلة الاقتصاد العالمي، فتلاشت فكرة أنها «تمثل تهديداً». وعلى أساس هذه القناعة، بدأت العلاقات تأخذ منحى إيجابياً، وما يتعين على الغرب عموماً وأوروبا على وجه الخصوص أن يتخليا عن لغة الشروط المواتية لهما فقط، ومراعاة مصالح الآخرين المشروعة، وعدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة.

عن «نيو إيسترن آوتلوك»

You might also like