كل ما يجري من حولك

بنو إسرائيل العصر

410

 

مرتضى الجرموزي

في ما مضى ومنذُ نعومةِ أظافري، كنت أسمع الخُطب والمحاضرات والمواعظ من كافَّة مذاهب وفرق اليمن وأحزابه، بما فيهم السلفُ “الوهابية” والإصلاحُ والشافعيةُ، وكذا من ينسبون أنفسَهم إلى الزيدية، ومازال دعاؤهم يرنُّ في أذناي كأنه اليوم (اللهم أقم علمَ الجهاد، وأقمع أهلَ الشرك والفساد، اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رشدٍ، تعزُ فيه أولياءك، وتذلُّ فيه أعداءك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك).

فعندما كنتُ صغيراً، وفي الصفوف الأولى من مدرستي الابتدائية بالقرية، كنت لا أفقهُ عن ولي الأمر شيئاً، سوى أبي أَو أمي أَو أخي أَو عمي أَو من ينوبهم في حالة استدعته إدارةُ المدرسةِ لشيءٍ ما، وهذا ما كنتُ أفهمه من الدعاء لولي الأمر، ولم أكن أعلم أنهم يقصدون وليَّ أمر الأمة، أي قائدها أو زعيمها أو إلخ…

عشت عمراً في عهد نظامِ الهالك عفاش، وما يزال الدعاءُ هذا يترددُ في كُـلّ خطبةٍ ومحاضرةٍ وخاطرةٍ، وحينما كانت إرادةُ الله أن يقيمَ لليمن وللأمة علماً وقائداً عظيماً كما جاء في الدعاء علمَ جهاد، به وبأنصاره يقمعُ اللهُ أهلَ الشرك والفساد يهوداً ونصارى ومنافقين، وأن يبرم اللهُ لهذه الأمة أمرَ رشد، وكانت الأمةُ العربية والإسلامية كـكلٍّ أحوج إلى قائدٍ بهذه الصفاتِ والمناقبِ والحزمِ على أعداء الله، وعندما أتى هذا القائد الشابُّ وصدع بالحقِّ في وجه الطغاة وقال للأمريكان: “لا” نحن لن نساومَ على كرامتنا وديننا، ولن نكون مكتوفي الأيدي، ودعا الأمّةَ إلى الثورة التي تعيش اليمن ذكراها.

اللهُ استجابَ دعاءكم ولبى نداءكم وصراخكم، بأن هيأ لكم علمَ جهادٍ يَقْمَعُ أهلَ الشرك والفساد، فما الذي تغيّر إذَن؟ وما الذي حصل؟ وماذا كانت الأمة تقصد بالقائد؟ هل من البشر أم أنهم يريدون ملكاً من السماء، فلماذا التناقضُ إذن؟ ولماذا نراكم اليومَ تتهربون من الحق؟ وأنتم من كنتم تبحثون عنه وتطالبون به، وها نحن نراكم اليومَ في الميدان تواجهون وتقاتلون هذا القائد، وتقفون موقفَ الأعداءِ من أهل الشرك والفساد والضلال، أم أنه لم يكن حَسْبَ ما تريدون، وكأنَّ لسان حالكم يقول مثل بني إسرائيل عندما طلبوا ملكاً يقاتلون تحت إمرته في سبيل الله، فقال لهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا، قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).

هذه القصةُ نجدها نحن في عصرنا، فلقد عاد بنو إسرائيل من جديدٍ بعد أن ظلّوا لعشرات ومئات السنين يبحثون ويدعون اللهَ أن يبعثَ لهم علمَ جهادٍ وأمر رشد، وعندما أتى هذا القائدُ الفذُّ والملهمُ لم يرق لأولئك أن يتعبوه، فقد كانت حجُجُهم كحججِ بني إسرائيل، إن لم نقل إنها أقبحُ وأخبثُ؛ لأنَّه سبقتها قصة بني إسرائيل مع طالوت، ولم يتخذوا منها العبرة.

على العموم، ذلك هو السيد عبدالملك الحوثي الذي بعثه اللهُ ملكاً وقائداً وعلمَ جهاد، وبه وتحت إمرته -بإذن الله- سيُقْمَعُ أهل الشرك والفساد والإضلال، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.

You might also like