رحلة اللجوء إلى أوروبا كيف أثرت بالملف الإنساني اليمني والسوري؟
رحلة اللجوء إلى أوروبا كيف أثرت بالملف الإنساني اليمني والسوري؟
متابعات:
بالتحول إلى الجنوب نجد أن دولة أخرى تنهار في منطقة الشرق الأوسط وهي اليمن وربما بمعدل أسرع لذا فمن الممكن أن يتحول اليمن إلى أزمة الهجرة المقبلة في أوروبا، فرغم حجم الكارثة الإنسانية التي يشهدها اليمن من المجاعة والكوليرا وندرة الخدمات الصحية بسبب الحرب بين التحالف العسكري السعودي والحوثيين إلّا أن الغرب لا يزال يتحرّك ببطء شديد لإيجاد حلٍ ينهي معاناة السكان.
ويراود كثير من اليمنيين آمالا بالهجرة إلى أوروبا وخصوصا الشباب ولكنهم لا يعرفون كيف يمكن الوصول إلى هناك كما أن الحصول على تأشيرة لدخول أوروبا أمر صعب المنال ويبدو مستحيلا إلا أن هناك عددا من اليمنيين الذين بدؤوا يعتزمون الرحيل إلى تركيا التي يسافر منها غالبية اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا وفي حال تمكن عدد من اليمنيين من الوصول إلى تركيا فسيكون المجال سهلا عليهم لمواصلة السير إلى أوروبا.
ويفر يومياً مئات اليمنيين من الحرب الدائرة في بلدهم إلى أفريقيا عبر خليج عدن ومضيق باب المندب أو ميناء المخا بحثا عن حياة آمنة وأفضل كما فعل سابقا في الاتجاه المعاكس مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الصوماليين والإثيوبيين.
فمنذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018م، وصل عدد القتلى بين المدنيين اليمنيين إلى 5295، والجرحى إلى 8873، حسب أرقام الأمم المتحدة، التي رجحت أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير، وهو ما يجعل بعض وكالات الأنباء تتحدث عن مقتل 10 آلاف مدني حتى الآن.
فمئات آلاف اليمنيين غير قادرين على الفرار من الحرب إلى خارج بلادهم بحثا عن الأمن وبسبب صعوبة الخروج من اليمن لم يُسجل حتى الآن أي لجوء يمني عبر البحر إلى أوروبا، وبسبب ارتفاع تكاليف الهجرة وتحكم قوات التحالف العربي بممرات اليمن البرية والجوية والبحرية بهدف منع وصول إمدادات عسكرية لقوات الحوثيين التي بدورها تغلق منافذ برية أخرى، فإن هذه الأسباب تصد أبواب الهجرة أمام كثير من اليمنيين وتمنعهم من الرحيل خصوصاً بعد تفاقم الأوضاع المعيشية وتصاعد وتيرة العنف في مختلف مناطق البلاد.
وتتخذ رحلات اللاجئين اليمنيين الفارين من الحرب سبلاً عديدة للنزوح الى الدول المجاورة، مثل الصومال أو اثيوبيا او جيبوتي ، ويتخذ سكان المناطق القريبة من السواحل البحر سبيلا للعبور الى افريقيا عبر مضيق باب المندب وخليج عدن، وفي انتظار احدى السفن العابرة او التجارية يقضي اللاجئون في الموانئ ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة آملين أن تنقلهم إحداها إلى السواحل الافريقية، حيث أقامت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة في جيبوتي والصومال واثيوبيا مخيمات هناك.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن هناك ما يقرب من 1.5 مليون شخص فروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد وأوضاعهم صعبة وهم في حاجة إلى مساعدات طارئة، فيما يقول رئيس الصليب الأحمر الدولي إن حدة الصراع في خمسة أشهر فقط جعلت من اليمن يبدو مثل سوريا بعد خمس سنوات.
وتقدر الامم المتحدة عدد اللاجئين اليمنيين في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة بحوالي 300 الف لاجئ، وتقول المفوضية السامية لشؤن اللاجئين انه من الصعب مساعدة البلدان المستقبلة للاجئين اليمنيين هناك لأسباب تتعلق بنقص في التمويل، فمثلا في الصومال لم تتمكن المفوضية من الحصول على أكثر من نسبة 5% من مجموع مبلغ التمويل المطلوب لرعاية 28 الف نازح، في حين تقول المفوضية انها بحاجة وبشكل طارئ الى 570 الف دولار كمبلغ اضافي لمساعدة اللاجئين اليمنيين في اثيوبيا، وكذلك الاوضاع التي يعيشها اللاجئون اليمنيون في دولة جيبوتي مأساوية.
وعلي الرغم من أن مجموعة مانحو سوريا من المنظمات والدول والحكومات المانحة جمعوا تبرعات وصلت إلي ستة مليارات دولار لدعم النازحين واللاجئين السوريين، إلا أنهم لم يقدموا الكثير لسكان اليمن، بل إن مؤتمر جنيف الذي دعت إليه الأمم المتحدة قبل عدة أشهر لتقدم منح إلى اليمن، لم يصل إلى هدفه المحدد بتعهد الأطراف المانحة بتقديم 2.96 مليار دولار، إذ كان الرقم النهائي أقلّ من هذا المبلغ، ومقارنة مع تعهد السعودية والإمارات والكويت، كان تعهد الاتحاد الأوروبي ضعيفاً، ولم يتجاوز 133 مليون دولار بينما كان تعهد بريطانيا، التي لم يدخل بعد قرار انسحابها من الاتحاد الأوروبي حيز النفاذ، أكبر بـ240 مليون دولار، والسبب في ذلك هو أن أغلب الدول الأوروبية ترى أن السعودية الإمارات، المشاركتان الرئيسيتان في التحالف العربي، لهما من الثراء ما يكفي لتقديم المساعدات إلى اليمن دون الحاجة لأطراف أخرى، خاصة وأن الدولتين تعلنان من حين لآخر عن حملات مساعدة كبرى موجهة لليمن.
فلم تلقَ الأزمة الإنسانية في سوريا الاهتمام العالمي اللازم إلّا بعد تفجر أزمة اللاجئين عام 2015 وانتشار الصور المأساوية لغرق اللاجئين في البحر وتشرّدهم على الحدود، كما جرى للطفل الكردي “أيلان”. فبعد هذا التاريخ، تحرّكت دول أوروبية لاستقبال اللاجئين وبدأت تضغط بشكل أكبر لإيجاد حلّ للأزمة السورية بدل التركيز على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ولكن يختلف الموضع الجغرافي لليمن كثيراً عن سوريا، فاليمن لا يشترك في حدوده سوى مع السعودية وسلطنة عمان، ومحاولة الهجرة عبر البحر لا توصل إلّا إلى دول إفريقية فقيرة، الأمر الذي أجبر النازحين اليمنيين على تبني الخيار الداخلي والبحث عن مناطق آمنة على تراب بلدهم، كما أن غياب إشكالية اللاجئين عمقت الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة مع عدم قدرة حوالي ثلاثة ملايين نازح يمني على الفرار إلى دول الجوار أو أوروبا، فأوروبا حالياً لديها أولويات في استقبال اللاجئين السوريين والأفارقة لكن هل يتغيّر الأمر مستقبلاً؟ وسط استمرار العنف والأوضاع الإنسانية الصعبة في اليمن، يسعى يمنيون للجوء إلى الدول الأوروبية، لكنهم يرون أن الطرق مسدودة أمامهم، ويخشون أن العالم قد نسي اليمن السعيد.
قراءة : حسني عماد العوضي – باحث مصري في مركز دراسات الهجرة في القاهرة – مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية.