وختام حياتهم الشهادة ونعم الختام
زينب إبراهيم الديلمي
حين رحل العظماءُ السابقون أُولئك الرجالُ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تركوا لنا ملاحمَهم البطولية التي سطّروها آنذاك وخلدوها لنا تأريخاً لنستلهم منها.. من بعد عهد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وعهد الإمام علي عليه السلام إلى عهدنا هذا وقصصهم الخالدة التي تركت لنا أثراً عظيماً لتكرّر الأحداث التي وقعت في زمانهم.
ومن بين قصص أولياء الله التي أخذنا العظة والعبرة هي قصة الصحابي “عمار بن ياسر” -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الذي كان صاحب رسول الله والإمام علي عليه السلام، فنذر حياته كلها في سبيل الله فقد كان نجماً لامعاً في معركتي الجمل وصفين والغزوات التي شاركها مع رسول الله، فكان من الذين تسلموا زمام الحكم في الكوفة في خلافة الإمام علي فكان أحكمهم وخيرهم، وما أن جاءت معركة صفين حتى صار فيها بطلاً وقضى نحبه، وكان يقول لصاحبه “جندب الأزدي” -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- حينما كانت روحه تريد عناق السماء: إنهم من قال لي عنهم رسول الله: ((يا عمار تقتلك الفئة الباغية)) ثم قال لجندب: إن الموت بالنسبة لي حلواً ومراً، فهو مرٌ؛ لأَنَّني أفارق به علياً، وحلوٌ؛ لأَنَّني سألاقي به حبيبي محمداً، وثم فارقت روح عمار جسده معانقة للسماء وتارك لنا قصته العظيمة التي سطرها من التضحيات والكفاح لمواجهة أعدَاء الله وَالرسول وَالإمام علي.
وثاني قصص المجاهدين العظماء قصة الصحابي “مالك الأشتر النخعي” -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الذي كان أعز أصحاب الإمام علي وحميماً له والذي قال الإمام علي عنه: ((منزلة مالك مني بمنزلة علي من رسول الله)) فكان شجاعاً مغواراً كراراً في معركتي الجمل وصفين، حَيْــثُ كان قائد المعركتين، حَيْــثُ كان ينتصر على جيش معاوية الضعيف والوضيع، وحين عَهَد الإمام علي لمالك الأشتر ليكون والياً لمصر شعر بأن هناك أمراً عظيماً سيحدث له وكان يقول لزوجته وإبنه إبراهيم الأشتر: ((حياة جنود الحق محفوفة طريقها بكمائن الموت، وسأرحل قريباً إلى مصر إلى الموت)) وفي اليوم الثاني تحقّــق ما تمناه، حَيْــثُ استشهد في غلزوم في مصر وترك المنصب الدنيوي واختار المنصب الأبدي التي نالها…
وزماننا اليوم يخلد عظماء من جديد قد استأثروا بحياة أولياء الله السابقين وجسدوا حياة الحسين وعمار والأشتر والكرار والثقفي وحمزة وكل من جعلوا نهج القُــرْآن وثقافة الجهاد والاستشهاد سبيلهم الوحيد في السير على هذا الدرب العظيم، وأولى حديث أولياء الله في زماننا الشهيد “عباس الموسوي” -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الذي كان شجاعاً وفارس مغوار في مواجهة العدُوّ الصهيوني، حَيْــثُ استشهد هو وزوجته وولده عام 1992م، حَيْــثُ أثمرت دمائه الطاهرة النصر والغلبة على العدُوّ الإسرائيلي وبقيادة السيد “حسن نصر الله” حفظه الله تطهرت لبنان من رجس العدُوّ الصهيوني وأصبح أميناً عاماً لحزب الله من بعد الشهيد الموسوي.
وفي اليمن هناك رجل جسد حياة الإمام الحسين وجسد كربلاء بكل ما وقع بها من واقعة ليس لوقعتها كاذبة ألا وهو الشهيد القائد السيد “حسين بدر الدين الحوثي” -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الذي بنى بثقافة القُــرْآن أُمَّــة تعشق الجهاد والاستشهاد، حَيْــثُ أطلق شرارة المسيرة القُــرْآنية من قلب عاصمة الثقافة القُــرْآنية “صعدة”، حَيْــثُ تكالب عليه فرعون العصر المقبور عفاش وأسياده الأمريكان وأصبحت مَــرَّان كربلاء العصر وشهيدها حسين العصر ثم أثمرت دماؤه الزكية النقية النضالَ والجهاد وبقيادة السيد القائد “عبدِالملك بدر الدين الحوثي” -سَلَامُ اللهِ عَلَيْـهِ- الذي يتولى قيادة المسيرة القُــرْآنية العظيمة والآن تجتمع العالم لقتاله فهزمهم برجاله.
واليوم رحل عنا رجل كان مضرب المثل في الشجاعة والأَخْــلَاق القُــرْآنية التي تغذى عليها منذ صغره، ولم يكن يترك مكان في ميادين الجهاد إلا وقد زارها ويطمئن على حال المجاهدين في الجبهات، إنه الرئيس الشهيد “صالح علي الصمّاد” الذي ترك الحياة الفانية والمناصب الدنيوية ورحل إلى الحياة الأبدية ونال المنصب الأبدي، فتوجّـه الله بتاج الشهادة ففاز بها، واصطفاه الله بجوار أوليائه وأنبيائه، وكانت آخر كلمة قالها حين تمنى أن يستشهد وقال: ((صالح الصمّاد لو يستشهد غدر آخر الشهر ما معه جهالة وين يرقدوا إلا يرجعوا مسقط رأسهم وهذه نعمة كبيرة بفضل الله -سُبَـحَـانَه وَتَعَالَى-)) كم قشعرت أبداننا في كلمته الأخيرة وكأنه يتنبأ بأن استشهاده قريب، وثم تحقّــق ما تمناه وفاز بوسام الشهادة الأبدية…
هكذا هي حياة أولياء الله ترصدهم كمائن الموت، فكانت دمائهم سبباً في الظفر والنضال والانتصار على الأعدَاء، وقال الإمام الخميني -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في حديثه عن الشهداء: ((لن تحصدوا النصر حتى تفقدوا من تحبون)) فالشهادة كزليخة لا تختار إلا ذا الجمال اليوسفي، فإن فارقونا أحييوا مجدنا وصمودنا وعزتنا وكرامتنا، فختام حياة أولياء الله هي الشهادة ونعم الخاتمة المرضية.