فرضُ الهيمنة الاقتصادية على اليمن ومقترحاتُ جورج تاون
أيمن محمد قائد
لم يعد بيدِ السعوديّة غيرُ الورقة الاقتصادية، حيث كشف تقريرٌ صادرٌ عن مجموعة “جورج تاون الاستراتيجية” -الذي نشر في الموقع الرسمي لمعهد واشنطن المتخصص في دراسة منطقة الشرق الأوسط- الضوءَ الأخضرَ الأمريكي للتحالف بقيادة السعوديّة لاستخدام سياسة التجويع الممنهج وخلق المجاعة كسلاح حرب، ولا سيما التدابير الاقتصادية القسرية غير المشروعة التي اتخذها التحالفُ بقيادة السعوديّة، والتي فرضت بشكل غير قانوني على جميع السكان، مع آثار مدمرة على المدنيين الضعفاء بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين والمرضى والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة.
حيث لجأت السعوديّة كإحدى الوسائل الاقتصادية في الحرب إلى فرض حصار جوي وبري وبحري شامل.
فهي تستطيع باستمرارها في حصارها الخانق ضد اليمن، أن تصلَ بالوضع إلى حد الانهيار الكامل ونحن على وشكه.
هذا الحصار الفظيع الذي لا يتحدث عنه أحدٌ والتدابير الاقتصادية الأخرى هي المتسبب الوحيد في انهيار البلد كلياً، وهذا ما سمحت به القوى الدولية المتحكمة بالسعوديّة.
تَوَقع تحالف العدوان أن يحدث هذا الانهيار سريعاً؛ بهدف إضعاف سلطة الأمر الواقع في صنعاء، غير مبالين بنتائج هذا الحصار على السواد الأعظم من الشعب اليمني الذي يقع تحت خط الفقر، والذين هم المتضرر الوحيد من جراء هذا الحصار الخانق.
يعتقدون أن العالمَ سيعفيهم وسيعفي السعوديّة من المسؤولية الإنسانية، لكن التأريخ لن يعفي أحداً من لعنته.. فانهيار الوضع الاقتصادي في اليمن سيُسجل دون نقاش كأسوأ جريمة عقاب جماعي بحق شعب بأكمله، ارتكبها طرفٌ واحد يعرفه الجميع، من ينفذ الحصارَ الاقتصادي الخانق منذ أكثرَ من عامين، وبمعرفة واطّلاع الأمم المتحدة والدول الأعضاء وكل المؤسسات النقدية والمالية ومنظمات حقوق الإنسان في العالم أجمع.
وبهذا الحصار الذي فرضته السعوديّةُ والذي ينطوي على انتهاكات جسيمة لأبسط قواعد قانون حقوق الإنسان، وكذلك قانون النزاع المسلح، وعلى الرغم من أنه لا توجدُ هناك أيةُ ميزة عسكرية محتملة يمكنُ أن تبررَ مثل هذه المعاناة المستمرة لملايين اليمنيين من الأشخاص، فقد فشل المجتمعُ الدولي في إلغاء أو تعليق القيود كما هو مطلوب بموجب القانون الدولي، حيث تم عرض هذا الملف في مشاورات ستوكهولم عندما لم يناقش مندوبو حكومة هادي المعترف بها دولياً ولم يحاولوا حلَّ القضايا المتعلقة بالملف الاقتصادي خُصُوصاً بند صرف المرتبات، وإلغاء حظر الرحلات الجوية على مطار صنعاء ورفع الحصار.
كما شكلت الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعوديّة إلى جانب الحصار المفروض تدابيرَ قسريةً لتجويع المدنيين من خلال قصف المصانع وشاحنات الغذاء بشكل ممنهج، إضافَةً إلى تدمير البنية التحتية المدنية وإعاقة استيراد السلع الغذائية التي تشكل الواردات ما نسبته 90% من المواد الغذائية، والإمدادات الطبية والوقود.
كما أدّى انتقالُ البنك المركزي اليمني إلى عدن تحت سيطرة حكومة هادي في المنفى إلى عدم دفع مرتبات شهرية لحوالي 1.5 مليون موظف في القطاع العام منذ سبتمبر 2016، على الرغم من التأكيدات التي قدمتها حكومة هادي في المنفى للمجتمع الدولي أنه سيتولى جميع التزامات البنك المركزي اليمني. وبالنظر إلى أن كُــــلّ موظف في القطاع العام لديه ما متوسطه خمسة معالين، فإن عدمَ دفع مرتباتهم الشهرية لأكثرَ من عامين يفقر بشكل مباشر حوالي 7َ.5 مليون شخص. وقد أثر انخفاض القوة الشرائية بسبب عدم دفع المرتبات تأثيرا سلبيا غير مباشر على النشاط الاقتصادي بشكل عام مما أدّى إلى المزيد من إفقار الموظفين والطبقة المتوسطة من التجار وموظفيهم وعائلاتهم.
ولعبت كُــــلّ هذه العوامل مجتمعة دوراً أساسياً في إضعاف الاقتصاد عن طريق التسبب في انخفاض حاد في قيمة العُملة المحلية، كما أدّى عدم إيداع حكومة هادي عائدات النفط والغاز إلى حسابات البنك المركزي، وسحب العُملة الصعبة من السوق، وطباعة العملة المحلية دون غطاء إلى انخفاض القيمة المحلية للريال اليمني، وكُلُّ هذه العوامل مجتمعة هدفها تجويع المدنيين إضافَة إلى هدف خفي كشف عنه تقرير نشر في موقع “معهد واشنطن” المهتم بدراسة شؤون الشرق الأوسط، في تقرير صادر عن مجموعة “جورج تاون الاستراتيجية” حيث تناول هذا التقرير مفاصل الازمة الاقتصادية في اليمن، وكشف التقرير مدى تربص العدو الأكبر “أمريكا” لسيادة الوطن تحت عناوين إنسانية منمقة ظاهرها فيها الرحمة وباطنها فيها انتهاك سيادة واستقلال اليمن.
ملخصُ هذا التقرير بيّن صورَ الحرب الاقتصادية على اليمن خلال مراحل الحرب المختلفة، حيث كانت كُــــلّ تلك المراحل ضمن دراسة استراتيجية مزمنة أديرت بشكل يتماشى مع الأهداف العسكرية ضد اليمن، فمن خلال النظر للتوقيت لآخر خطوة لجأ اليها التحالف المتمثلة بإصدار أوامر توقيف للسفن المحملة بالمشتقات النفطية الذي تزامن مع فشل المبعوث الأممي في الضغط على القوى الوطنية بما يخص اتّفاق الحديدة الذي انقلبت عليه حكومة هادي فيما يسمى مفاوضات ستوكهولم.
وقد تجلت المؤامرة في هذا التقرير تحت بند -خارطة الطريق الاقتصادية للإغاثة الإنسانية في اليمن-، حيث اقترح التقرير ضرورة استخدام الدولار في الاقتصاد اليمني من خلال “قيام البنك المركزي بتحويل الدولار الأمريكي والريال السعوديّ إلى عُملتين قانونيتين يمكن تداولهما في اليمن، وفي غضون ذلك يجبُ على البنك أن يكون شريكاً وثيقاً مع صندوق النقد الدولي لإنجاز عملية التقييم الشخصي وإعَادَة البلد بشكل كامل إلى النظام المصرفي الدولي..”، ومن هذا يتضح جلياً لمن كان له مثقال ذرة من شك مدى ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية عبر أدواتها من دول التحالف إلى استهدافهم الممنهج للاقتصاد اليمني تحت عناوين إنسانية خادعة، وبهذا يكشف الغطاء عن حقيقة العدوان الأمريكي على اليمن والذي كان آخره استخدام ترامب للفيتو لنقض مشروع قرار إيقاف دعم قوات التحالف في عملياتها في اليمن.
إن الغاراتِ الجويةَ التي شنتها قوات التحالف على البنية التحتية لقطاع الأغذية إلى جانب الحصار المفروض على واردات الغذاء والوقود، تنتهك المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه “يحق لكل فرد التمتع بمستوى معيشيٍّ كافٍ للغذاء والصحة”.
إنَّ الاستهدافَ المنهجيَّ لقطاع الغذاء بالغارات الجوية والحصار الشامل المستم هو محاولة متعمدة لتجويع أمة بأكملها من الناس إلى الخضوع أو حتى الموت الذي يشكل انتهاكا للمادة 6 من القانون الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على أنه “لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”.
استخدام التجويع كوسيلة الحرب أَيْــضاً ينتهك المادة 54 من البروتوكول الإضافي لاتّفاقيات جنيف المؤرخ 12 أغسطس 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول) الذي ينص على أنه “يحظر مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل الأشياء غير المفيدة التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية لإنتاج المواد الغذائية والمحاصيل والثروة الحيوانية ومنشآت مياه الشرب والإمدادات وأعمال الري، لغرض محدد هو حرمانهم من قيمة عيشهم للسكان المدنيين أو الطرف المضاد، أياً كان الدافع من أجل تجويع المدنيين لتحريكهم، عندما سألتها نوال المغايف في مقابلة على هيئة الإذاعة البريطانية لماذا تم إرسال رافعات؟ يمكن أن توفر مساعدات غذائية، وأغذية ووقود للشعب اليمني، المتحدث باسم التحالف السعوديّ، العميد أحمد عسيري “لأننا لا نريد الاستمرار في تعزيز قدرات الحوثيين لتوليد الأموال وتهريب الأسلحة”. فهل هذا مبررٌ مقبولٌ لتجويع الملايين من المدنيين في الواقع؟.
وقد تسبب الحصار في حدوث مجاعة في أجزاء معينة من اليمن وتسبب في وفاة ما يقدر بنحو 200 ألف طفل بسبب أمراض يمكن الوقاية منها تتعلق بسوء التغذية وبسبب الحرب خلال أربعة أعوام من العدوان.
ويشكل العمل المتعمد الذي قام به التحالف بتجويع المدنيين انتهاكاً للإعلان العالمي للقضاء على الجوع وسوء التغذية لعام 1974 الذي ينص على أنه “يتمتع الإنسان والمرأة والطفل بحق غير قابل للتصرف في التحرر من الجوع وسوء التغذية”.
وتبين أرقام صادرة عن الأمم المتحدة أن أكثرَ من 21 مليون شخص –أي ما يشكل 82% من السكان تقريباً– يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، من بينهم سبعة ملايين شخص يواجهون المجاعة.
هذا فقط ما تستطيع به الأمم المتحدة القول به ليكون كفيلاً لإدرار الأموال عليها من الجارة المعتدية لتصمت عما دون ذلك.
لن أناديَ برفع الحصار من أجل السماح بإمدادات الإغاثة لمعالجة الكارثة الإنسانية، فشعبنا حر وليس بمتسولٍ لمساعداتكم التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل أقول أرفعوا الحصار وذرونا نأكل من خشاش الأرض معززين مكرمين بتوكلنا على الله وحده..
وعلى طول هذه الفترة من الحرب الإجرامية، الذي صاحبها حصار اقتصادي خانق، ويقينهم بفشلهم عسكرياً واستحالة إركاع شعب يمتهن القتال، لجأت قوى الشر من خلال أدواتها ومرتزقتها إلى تضليل الرأي العام المحلي في الجانب الاقتصادي بمختلف الوسائل والشائعات، لظنهم بأن شعبنا سيركع طالباً منهم قوت يومه على حساب كرامته ومروءته.. لكن هيهات هيهات، فشعب اليمن العظيم بصموده ووعيه لن يركع لقوى تآمرت على قوت يومه، وحاصرته في معيشته، ليخضع ويضع تاج الحكم على رأس من سعى جاهداً إلى تجويعه وإذلاله.
وفي هذا المقام ألفت عناية قيادتنا السياسية إلى المضي قدماً إلى رفع معنويات الشعب، بكف أيدي العابثين بأموال الشعب الذي ثبت تورطهم، وَمعاقبة كُــــلّ من يروج للأكاذيب وبث السموم، فالجوع كافر، ولن يغفر شعبنا لمن يتطاول على ماله العام وهو يتضور جوعاً بسبب هذه الحرب البسوس.
اليمنُ بركان لن تحرقه جمرةُ المتحالفين.
اليمنُ قلعةٌ منيعةٌ على كُــــلّ الغزاة المعتدين.
اليمنُ حكايةُ صمود لا مثيلَ لها في العالمين.
حفظ اللهُ اليمنَ من كيدِ الكائدين..
واحقن اللهم دماء اليمنيين..
عاشت اليمنُ حرةً أبيةً موحدة..
ولا نامت أعين الجبناء..