اليمن فرض واقعاً جديداً وقدّم النموذجَ الأمثل
محمد أمين الحميري
القواتُ الصاروخيةُ تزيحُ الستارَ عن صاروخ باليستي من نوع بدر F المتشظي، وأعضاءُ مجلس النواب المنتخبين في الدوائر التكميلية يؤدُّون اليمينَ الدستورية تحتَ قبة البرلمان في العاصمة صنعاء، والمحكمةُ الابتدائية المتخصصةُ في الحديدة تبدأ أولى جلساتها لمحاكَمة المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصمَّــاد رحمَه اللهُ، بعد استكمال النيابةِ العامة لكل الإجراءاتِ ذات الصلة بالجريمة.
كُــلُّ ما سبق من نجاحات إلى جانب الانتصارات العسكرية للجيش واللجان في مختلف الجبهات، ومنها جبهةُ العَود وفي الضالع، وما أحرزوه من تقدمٍ ملحوظٍ في استعادةٍ للعديد من المواقع والمعسكرات فيها، وَأَيْـضاً بالأمس في السيطرة على ذي ناعم بالبيضاء وتطهيرها من التنظيمات الإرْهَابية، هذا وغيرُه يضعُنا أمام بلد بدأ يستعيدُ عافيتَه ويقفُ على أرضٍ صلبةٍ بفضلِ الله، ثم بحكمة القيادة الثورية وإلى جانبها جهودُ القيادة السياسية والعسكرية والأجهزة الأمنية وجهود الحكومة وكل المخلصين الشرفاء في كُــلّ التوجّـهات، وقبل ذلك دورُ الشعب في نضاله وتضحيته وصبره وتعاونه واستيعابِه الجيِّدِ لمجريات الأحداث ووقوفه فيها الموقفَ الصحيحَ، فالجهودُ متضافرةٌ، والتكاملُ كان موجوداً خلال أربعة أعوام من العدوان والحصار، وها نحن في عامنا الخامس من الصمود، فما الذي أحرزته قوى العدوان في بالمقابل -رغم حجم الإمْكانات، التي يعتبر إمْكاناتُ اليمن بجانبها لا شيء، فميزانُ القوى مختلٌّ- ما الذي حقّـقته، وفي مقدمتها نظامُ آل سعود غير الفشل الذريع في كُــلِّ الأصعدة؟!، أما اليمنُ فرغم الأوضاع التي خلّفها العدوانُ والحصار إلا أننا في خير، وأبرز نجاح تحقّـق هو تشكُّلُ وعي جمعي من أن السعودية هي مَن يقفُ وراء تخلف اليمن، أن الوصايةَ الخارجيةَ عليه هي السببُ في وصوله إلى مصافِّ الدول النامية؛ ولذلك لا بُدَّ من استعادة الحقوق المسلوبة ولو كلّف ذلك شن عدوان مباشر علينا، فالتضحياتُ حال الصمود ستكونُ أهونَ وأقلَّ منها حال الاستسلام والقابلية للذل والاحتلال، وهذا ما جرى ويحدث اليوم، نظامُ آل سعود يخسَرُ كُــلَّ يوم، والراعي الرسمي للعدوان يظهرُ على حقيقته، ليصلَ إلى المرحلة التي يتخذُ فيها ترامب حَــقّ الفيتو بإبطال قرار الكونجرس الذي اتخذه خلالَ الأيام الماضية برفع الدعم عن السعودية في حربها على اليمن، ولسانُ حالِه ومقالِه (المعركة في اليمن معركتي) وطَبعاً فهو حريصٌ من ناحية على أن يظلَّ مصدرُ الدخل من وراء الحرب، ويستمر في استنزاف البقرة الحلوب، ومن ناحية هناك مُخَطّط بالنسبة لأمريكا ولا بد ما يمُرُّ بأية طريقة وخَاصَّــة في ظل وجود الأدوات المخلصة والمال المتوفر منها، لكن يبقى في الأخير أن اليمنَ ومنذ أول لحظة من حِراكِه الثوري التحرّري قد فرض واقعاً جديداً، واقعاً يستندُ فيه على الله وتوكُّله عليه، يعتزُّ فيه بثقته بنفسه على قاعدة اكتشاف الطاقات وتنميتها وتطويرها والمعنويات العالية بأنه قادرٌ بإذن الله على صناعة التحولات الرائدة.
واقعاً يجعلُ الشعبَ فيه شريكاً في الذود عن كرامته والدفاع عن أرضه والتوجّـه كشريك أَيْـضاً في بناء دولته، وما خاب من أعطى الشعب مكانتَه واحترمَه وعمل على تحقيق تطلعاته، أربعة أعوام سقطت فيها الأقنعة، وبَانَ الصادقون من الكاذبين، تكشفت حقائقُ ما كانت لتتكشفَ لولا وجودُ الصراع الذي في ظله تتميزُ الأشياء، وهذا كُلُّهُ يصُبُّ في خدمة المشروع، والمشروعُ موجودٌ اليوم، فهو مشروع حرية ومشروع عدالة، حتى لو كانت اليمن في نقطة الصفر، فالمشروع المستقل بذاته، المنطلق في مسيرته وخططه وأعماله من خلال رؤية واعية، فهو مشروع للشعب كُــلّ الشعب، وهذا إذَا توفر فهو النجاحُ ذاته، وسيأتي التفاعلُ معه وقد لمسنا هذا التفاعلَ وبدأنا نحصُدُ الثمارَ اليانعة له.
وصل آلُ سعود إلى مرحلة من العبث داخل اليمن إلى الحد الذي لا يُطاقُ، وكان الإنْسَانُ اليمني لا قيمة له في الداخل والخارج، حالة مزرية على كُــلّ الأصعدة واليوم وفي ظروف صعبة يتنفس الصعداء، إن هذا التحولَ يمثلُ ضربةً قاصمة في معنوياتهم قبل أن يلمسوا ضرباتِه الموجعةَ في واقعهم، وهذا خيرٌ عظيم، لا بُدَّ من تعزيزه، والاستمرار في إصْــلَاح المسار وإصْــلَاح الذات، وإحْيَاء ثقافة المكاشفة في آن واحد، فالمشاريعُ الإصْــلَاحية إذَا ركزت على الجهود الإصْــلَاحية الخارجية ولم تعطِ الجانبَ الداخلي الاهتمامَ المطلوبَ فمن هنا سيكون التعثر.
أقولُ هذا البلدُ حقُّه علينا كبيرٌ، وقد حانت الفرصةُ لتمد الأيدي لبعضها، وليأخذ البعض بيد من لا يزال متفرجاً بحكمة وبالتي هي أحسن، من حقنا أن نعيش أحراراً كراماً، واجبٌ علينا أن ننهضَ ببلدنا ونعليَ من شأنه، حجمُ التضليل لا يزالُ حاضراً لحجب المجتمع عن اليقظة والتفاعل أكثر، والمعركة معركة وعي، فمن يعرف الحقيقة سيتوجّـه صوبَ العمل، والمطلوبُ هو اعتبارُ هذا الأمر، والمطلوبُ أَيْـضاً هو تقديمُ النموذج الأمثل في كُــلّ شيء؛ لأَنَّه سيكونُ عاملاً مساعداً في إيجاد التحولات في إطار بعض القاعدين، المعركةُ مع قوى العدوان لن تتوقف، ستستمر وفق مسارَات متنوعة؛ لذا فليكنِ الناسُ عند مستوى الاستعداد للتعامل مع كُــلّ طارئ بما يناسبه، ومهما يكن فمؤشراتُ النصر تلوحُ في الأُفُق، والعزائمُ قويةٌ والهممُ عاليةٌ في مواصلة المشوار، ولن يضيعَ حَــقّ وراءه مطالب.. “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ”.